رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هنا الخرطوم من القاهرة.. والسودان أخت بلادى

عندما نطلق شعار "هنا الخرطوم من القاهرة" مثلما قلنا في وقت سابق "هنا دمشق من القاهرة"، فالحقيقة هي أنه لا يصبح شعارًا فقط، ولكنه يتحول إلى واقع على الأرض تلمسه وتراه بعينيك.. لو تناسيت قليلًا ما يتم من تحرك مصري معلن بالدعم السياسي والدبلوماسي، ولو تجاهلت ما يدور في الغرف المغلقة سوف تجد أنه من الصعوبة أن تتناسى أو تتجاهل ما تراه بعينيك في الشارع المصري من احتضان حقيقي لعدد ليس قليلًا من أهالينا السودانيين، الذين نجحوا في عبور المنافذ والوصول إلى الأراضي المصرية.
بشكل عام لم يكن التواجد السوداني على الأراضي المصري ابن لحظة الصدام في 15 أبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، ولكنه تواجد قديم ومنتظم التدفق باتجاه مصر المحروسة، وبالتحديد في القاهرة صرنا نرى شوارع بالكامل أغلب سكانها هم الأشقاء السودانيون.
ولا يتوقف الرصد عند حدود السكن فقط، ولكن المتأمل للنشاط التجاري سوف يلاحظ انتشار وكالات السفر والشحن السودانية بالتحديد في الشارع الواصل بين ميدان محمد فريد بوسط البلد وصولًا إلى شارع عبدالعزيز، وإن كان هناك دلالة لهذه الصورة النشطة تجاريًا بين مصر والسودان، فهي لن تبتعد عن ثقة المواطن السوداني في النظام المصري وقدرته على توفير الأمن اللازم للأشقاء، بل وتوفير تكافؤ الفرص بينهم وبين المصريين العاملين في ذات النشاط.
عن نفسي أقول إنها صورة مبهجة رغم الألم الذي يشعر به الأشقاء، خاصة الذين أجبروا على مغادرة بيوتهم في السودان.
المبهج الذي أراه في تلك الحالة السودانية سواء في الشارع الذي أشرت إليه أو في المربع المواجه لميدان العتبة الذي يحده شارعا 26 يوليو والجمهورية، أقول المبهج الذي أراه في تلك التجمعات هو أن الشعب السوداني يقترب مزاجه العام من المزاج العام المصري، وتكاد تكون العادات والتقاليد متقاربة باستثناء خصوصيات ثقافية معينة تميز كل منهما عن الآخر، المهم هو أن ما لاحظته في التجمعات السودانية بالقاهرة سواء كانت تجمعات تجارية أو سكنية هو حرص الجماعة على توفير مفردات سودانية مميزة، على سبيل المثال إنشاء مطاعم متخصصة في الوجبات السودانية، وتأسيس بعض محال البقالة والعطارة ببضائعها التي تختلف نسبيًا عن البضائع المصرية، وكذلك الحرص على وجود مقهى أو بوفيه سوداني، أما العجيب حقًا هو أنني رأيت صالون حلاقة متخصص في قصة شعر سودانية، وهو صالون مختلف عن الصالونات المصرية. 
لم يتقدم السوداني في تعايشه بالقاهرة على تلك المفردات فقط، ولكنه يحاول الآن إهداء مصرنا بعضًا من فنونه، وقد لاحظت ذلك في زيارتي الأخيرة لحي الحسين في شهر رمضان، حيث انتشر على جانبي شارع المعز فن الرسم بالحناء، قد يقول البعض إن هذا الفن لدينا مثيل له في النوبة المصرية، أقول لهذا البعض اتفق معكم بالطبع، ولكن الذي أخذ هذا النوع من الفنون ونزل به إلى الشارع هم أشقاؤنا السودانيون.
يبقى شيء على اللسان لا بد من قوله وهو إنه طالما لدينا واقع يتشكل خاصة في حي عابدين ومنطقة باب اللوق، فما الذي يمنع ديوان عام محافظة القاهرة من تدبير موقف نقل عام متخصص في استقبال رحلات الوصول والمغادرة، يتعامل هذا الموقف مع شاحنات نقل البضائع ومع الأتوبيسات السياحية التي تذهب وتجيء، وهذا الأمر له فوائده كثيرة منها أن تكون سيولة الحركة أمام عين الجهات التنفيذية، كما أنه مورد اقتصادي للمحافظة، وفي ذات الوقت يعفي أشقاءنا السودانيين من التشتت كل أسبوعين في موقف مختلف، وحسب ما تيسر من ساحات فارغة يتم استئجارها لهذا الغرض.
على كل حال ورغم صعوبة ما يدور الآن هناك على الأراضي السودانية، ولكن المضيء في الصورة هو ذلك التلاحم المصري السوداني على المستوى الشعبي، لذلك أقول عكس ما قال بعضهم.. أقول.. السودان أخت بلادي.