رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المؤثرون الجدد.. إعلام بلا قيود

حين تستمع إلى مصطلح «المؤثرون الجدد» يتبادر إلى ذهنك أن ثمة ثورة فكرية جديدة  تستهدف تشكيل «الرأى العام»، هؤلاء يقدمون محتوى فى كل المجالات، السياسة والاقتصاد والطب والهندسة، ارتباطهم وثيق بإعلام شبكة الإنترنت، فهم يُعرفون بـ«صنّاع المحتوى الإعلامى»، فى حين أنك لا تجد صانع محتوى فى الطب أو صانع محتوى فى الهندسة من غير المختصين، أما الإعلام فبات مستباحًا، وإذا قررت أن تعمل بمهنة «صانع محتوى»، ما عليك إلا أن تصل هاتفك المحمول بشبكة الإنترنت، ولا يشترط أن تتعلم مبادئ ومعايير الإعلام، ناهيك أن تتحلى بأخلاقيات المهنة أو تلتزم بتشريعات أو قوانين.
صانع المحتوى الذى ارتقى إلى مرتبة «المؤثرون الجدد»- كثيرًا ما يوصى بعدم النظر إليهم بنظرة التعالى- يقدم هؤلاء محتوى بُذل فيه جهد من بحث عن فكرة ومعلومات وكتابة سيناريو وإنتاج محتوى مرئى أو مسموع، يبث فى ظل أجواء تنافسية عبر وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة من «فيسبوك، يوتيوب، إنستجرام، سناب شات.. إلخ».. تطبيقات تحتضنها أيدينا فى عالم أبعاده شاشة الهاتف المحمول. إنها تطبيقات الجيل الخامس التى فتحت الباب على مصراعيه أمام التحوّل فى أساليب الممارسة الإعلامية استنادًا إلى التقنيات الحديثة لشبكة الإنترنت، وبعيدًا عن قوانين المهنة يسبح البعض من المؤثرين الجدد فى عالم يخلو من المحاسبة والرقابة وطائلة القانون، أو ما تبقى لهم من رقابة ذاتية يحرص عليها الأقلية وليس الأغلبية من صناع المحتوى.
يدافع «المؤثرون الجدد»، وبضراوة، عن أعمالهم المرتبطة بـ«السوشيال ميديا» بفرض واقع جديد بانتزاعهم حصة من إعلانات وسائل الإعلام التقليدية التى بلغت 11 مليار دولار وفقًا لنتائج جهات بحثية، والمستهدف فى المرحلة المقبلة 22 مليار دولار، فضلًا عن أن تأثيرهم على الشباب والمراهقين يفوق الـ٥٠٪ سواء إيجابًا أو سلبًا، ويحدد ذلك من خلال خاصية التفاعلية بين صانع المحتوى والمتلقى الذى يعبر عن رأيه بمجرد ضغطة زر.  
علينا أن نقر ونعترف بأننا أمام واقع جديد، وأن المحتوى الذى يقدمه «المؤثرون الجدد» وظيفة أو مهنة مستجدة يكتب أحدهم فى خانة العمل «صانع محتوى»، قد يتغير هذا الأمر بعد حين فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بمستقبل التكنولوجيا التى قد تسمح باستمرار هذا العمل، أو تطوره أو يصبح غير مسموح به إلا بشروط، خاصة أن الفوضى الحادثة باتت مصدر قلق وخوف على المجتمعات من تأثير «المؤثرين الجدد» لا سيما فى المجتمعات العربية.
تعرض بعض الدراسات الراهنة ظاهرة «المؤثرون الجدد» والتعرف على دورهم فى الحياة اليومية للشباب وهى الفئة الأكثر استهدافًا من «صناع المحتوى» وتناولهم الموضوعات  المفضلة؛ وقد کشفت الدراسة عن تنوع دوافع متابعة الشباب مواقع المؤثرين بين دوافع طقوسية مثل التسلية والترفيه والمتعة والاسترخاء، تمضية الوقت بسبب الفراغ، الهروب من المشکلات الحياتية اليومية، الرغبة فى السفر لأجمل الأماکن حول العالم، الصداقة والألفة مع الإنفلونسر، التعرف على الذات. ودوافع منفعية مثل الرغبة فى الحصول على معلومات جديدة «علمية- تاريخية- دينية- طبية- غذائية- عملية» واکتساب خبرات حياتية ومعرفة عامة بمشاهدة المنشورات، وتعلم أشياء محددة، وإيجاد فرص عمل. وعن الجانب الإيجابى لصانعى المحتوى، أوصت الدراسة بأن الدول يجب أن تبحث عن المؤثرين الذين يقدمون محتوى جيدًا وتدعمهم، لا سيما أن هؤلاء يمكن أن يحققوا التوازن بين التسلية والمضمون الذى يشبع حاجة الناس للمعرفة، على أن يحرص «المؤثرون الجدد» على إنتاج مضامين تحث على الوعى بالهوية والثقافة والتاريخ وحضارة الأوطان.
هذا الجانب الإيجابى الذى نستهدفه جميعًا من صانعى المحتوى على شبكة الإنترنت، لكن تظل المخاوف قائمة فى ظل غياب القانون والرقابة على وسائل التواصل الاجتماعى مع احتفاظ كل دولة بحقها فى تطبيق القانون الخاص بها من أجل حماية المجتمع والأمن العام.
وفى هذا المضمار خصصت كلية الإعلام جامعة القاهرة، فى المؤتمر العلمى الدولى الـ28، حلقة نقاشية برئاسة الأستاذ الدكتور حسن عماد مكاوى- العميد الأسبق- بعنوان «المؤثرون بين حرية التعبير وحدود قوة التأثير والمسئولية الاجتماعية» بحضور صناع المحتوى الذين تحدثوا عن تجربتهم، وأوصى الحضور بضرورة توجيه الجمهور إلى تعلم مهارات استخدام محركات البحث؛ للتحقق من الأخبار والصور والفيديوهات بداية من الأطفال وصولًا للمراهقين، وضرورة صنع محتوى درامى موجه للمراهقين عن حياة المؤثرين؛ لحمايتهم من الآثار السلبية الناجمة عن نشر ذلك المحتوى جماهيريًا فى إشارة إلى أن الدراما المصرية نجحت فى الفترة الماضية فى تناول بعض المخاطر التى تنجم عن المحتوى الضار، كما أوصى الباحثون بأهمية دور المجتمع المدنى من خلال جمعيات حماية حقوق المتابعين وحثهم على متابعة وتقييم المحتوى المقدم، كما طالبوا بإدراج مادة التربية الإعلامية ضمن مناهج التعليم فى المراحل المختلفة.
إن ما يشكله «المؤثرون الجدد» من تأثير على المتلقى بقوة مغناطيسية تثير الانتباه وتعمل على خطف العقول وجذب القلوب وتقديم محتوى بحاجة إلى مراجعة من مختصين، لا يجعلنا أن نمنح هؤلاء الشرعية المطلقة، بل لزامًا على المسئولين حماية المؤثرين الجدد من أنفسهم وتطلعاتهم التى قد تقع بهم تحت طائلة القانون، أو تتسبب فى هدم القيم وأخلاقيات المجتمعات.