رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سمير عطاالله يكتب: يودّع بعد كل ما ودّع

سمير عطاالله
سمير عطاالله

أعلنت منظمة الصحة العالمية عن أن وباء «كورونا» لم يعد خطرًا قاتلًا بعدما ترك خلفه ٢٠ مليون وفاة. ٢٠ مليون وفاة؟! لا شىء على وباء كاسح سببه مرض غامض أصاب الوطاويط فى سوق القواقع اللذيذة فى الصين! جاء ومضى. 

اليابان اعتذرت عن ضحايا الحرب العالمية الثانية، وألمانيا اعتذرت، وكوريا الجنوبية قدمت اعتذارها، وكل من تسبب فى وفاة الملايين اعتذر، فمن يعتذر عن «كورونا»؟ عن سوق الوطاويط والمحارات فى مدينة ووهان «٢٠١٩»، وهواة الوطاويط بصلصة الطماطم والبصل؟!

عاش العالم السنوات الثلاث الماضية فى رعب «الكورونا».. تغيرت أنظمة الصحة.. تداعت أنظمة التعليم.. تكبدت أنظمة السفر.. تضاعفت أنظمة الجمارك.. تكاثرت خسائر الأسواق على أنواعها.

٢٠ مليون وفاة، ثم لا نجد على الأقل من يعتذر، من يعلن مسئوليته. كم تُشبه هذه الحالة مأساة لبنان: النظام المصرفى انتهى.. الاقتصاد تدمر.. الدولة بلا رئيس.. البلد بلا كهرباء.. الحكم بلا حكومة.. وما من مسئول واحد، الجميع أبرياء وأبطال.

كل عام يواجه البشر محنة كبرى أو صغرى من صنع البشر، لكن المحن التى من صنع الوطاويط قليلة، والحمد لله، وإلا لكان عدد سكان الكوكب ضئيلًا، وعدد سكان الصين يوازى سكان دوقية اللكسمبورج.

اطمئنوا، الخطر الكبير زال. ولاستطاعة من يشاء العودة إلى وجبته المفضلة: وطاويط محمّرة ومغمسة بصلصة الطماطم. كم هو عجيب هذا العالم! ٢٠ مليون وفاة، وخسائر بمئات المليارات، وتدهور فى مستوى معيشة البشر، وزوال ٢٢٠ مليونًا، ثم بيان مقتضب: فكوا الأحزمة، وأعطوا ما شئتم.

بين مرحلة وأخرى يضرب البيئة خلل رهيب: وطواط أو برغشة أو سلحفاة، أو ما شابه من لذائذ أسواق الغرائب فى آسيا، ثم يتفجر الموت على مدى العالم. كل الأوبئة تأتى من المخلوقات الأخرى. ألف عام من الجدرى، ثم بيان مقتضب: لا جدرى بعد اليوم. فكّوا الأحزمة. جاء ومضى ومضى. خوف مريع وقتل رهيب، لكن ممن تنتقم؟ من تؤدّب؟ الأشباح لا تموت. قتل من جانب واحد. بينما البشر يتمتعون بالثأر. حرب بأخرى.

قُتل أرشيدوق النمسا فقامت الحرب العالمية، وتداعت الإمبراطورية النمساوية برمتها، وملأ الموت والخراب والعذاب أرجاء الكون. ثم قام من يعتذر. ثم قامت الحرب الثانية انتقامًا للحرب الأولى. طاعون يثأر من طاعون. الحمد لله أن الثأر ليس قاعدة فى أسواق المحار ولا الاعتذار. إنه عالمنا يا صديقى. وشكرًا لمنظمة الصحة وأمينها العام. رجل علم وإدارة من العالم الثالث.

نقلًا عن «الشرق الأوسط»