رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نيت كون يكتب: نظرة مبكرة على انتخابات 2024 الأمريكية

جريدة الدستور

مع توجيه اتهامات إلى دونالد ترامب، وتعثر وتذبذب وضع رون دى سانتيس فى استطلاعات الرأى، مع استمرار زهو وتفاخر الديمقراطيين بالعرض القوى خلال الانتخابات النصفية، ربما يشعر البعض بأن إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن أبعد ما تكون عن أن تصبح أمرًا منتهيًا ومحسومًا.

مع ذلك، ومع إعلان بايدن ترشحه لفترة رئاسية جديدة يوم الثلاثاء، من المهم ملاحظة أمر بشأن استطلاعات الرأى المبكرة لعام ٢٠٢٤، وهو أن السباق يبدو غير محسوم والفروق بين المرشحين متقاربة. يكشف كل استطلاع تم إجراؤه مؤخرًا تقريبًا عن سباق رئاسى محموم يتضمن قدرًا كبيرًا من التنافسية. يتقدم بايدن على ترامب فى المتوسط بمقدار ١.٤ نقطة حتى هذه اللحظة خلال العام الحالى، فى حين يتقدم دى سانتيس على بايدن بأقل من نقطة واحدة.

والآن لتوضيح الأمور، لا أعتقد أنه على المرء التعويل كثيرًا على استطلاعات رأى خاصة بالانتخابات العامة، لكن لا ينبغى أيضًا الثقة بشكل كبير فى نتيجة انتخابات عامة فى هذه المرحلة المبكرة. لو كان هناك أى مجال لوجود ثقة مبكرة، لكان قد تجلى فى استطلاعات الرأى المبكرة. إذا كان ترامب محكومًا عليه بالفشل، فلماذا لم يُمن بالهزيمة فى استطلاعات الرأى؟

على الأقل يبدو أنه كان يتم القيام بعمل بايدن بدلًا منه؛ حيث لا يزال الرضا عن عمله، والتقييمات الخاصة بأفضليته، عالقين عند مستوى بداية الأربعينيات، وهذا يجعله أضعف من عام ٢٠٢٠، حين أوضحت استطلاعات الرأى تفضيل الناخبين له بوجه عام. يمكن القول بعبارة أخرى إنه فى الوقت الذى تم فيه حسم انتخابات ٢٠٢٠ من جانب الناخبين المعجبين ببايدن والكارهين لترامب، يبدو حاليًا أن من سيحسم انتخابات ٢٠٢٤ ناخبون يكرهون كلا المرشحين.

ما سبب هذا الوضع المتدنى المتراجع لبايدن؟ تعدّ أسباب ما تلقاه بايدن من تقييمات ضعيفة محور جدال ونقاش منذ تراجعها فى أغسطس ٢٠٢١. تم النظر إلى الانسحاب من أفغانستان، وارتفاع معدلات الإصابة بـمتحور فيروس كورونا «دلتا»، وتعثر الأجندة التشريعية، وبدايات حدوث تضخم، بوصفها نظريات محتملة. يبدو أن كل تلك التفسيرات اليوم فى تراجع؛ حيث حلّت الرواية الخاصة بدعم أوكرانيا فى مواجهة روسيا محل أفغانستان، ويبدو أن خط الاتجاه الخاص بالتضخم واعد بعض الشىء، وانخفضت الوفيات الناتجة عن الإصابة بفيروس «كوفيد» إلى أقل معدلاتها منذ ثلاث سنوات، لكن لا يزال بايدن مفتقرًا إلى الشعبية.

فى هذه المرحلة، لا تزال هناك ثلاثة احتمالات أساسية: الأول هو أن تظل البيئة السياسية بوجه عام غير مناسبة ومعاكسة، ربما بسبب استمرار التضخم والاستقطاب الحزبى. فى هذه الحالة سوف يحظى أى رئيس فى هذا المأزق بتقييمات موافقة وتفضيل منخفضة، وسوف يواجه صعوبة شديدة، إلى أن يشعر الناخبون بتحسن حظوظهم الاقتصادية.

الاحتمال الثانى هو أن يلحق تعثر بايدن المبكر ضررًا غير اعتيادى ودائمًا بتصوراته عن قدرته على القيادة، ربما على نحو متعلق بعمره الذى بلغ الثمانين. إذا صح ذلك، فربما لا يجد من السهل استعادة ثقة الأمة، لكونه غير مؤهل لهذا الدور. الاحتمال الأخير هو أن تتغير الظروف بحيث تساعد فى ارتفاع تقييمات بايدن. لن تكون هذه هى المرة الأولى التى يحدث فيها ذلك، فقد شهد كل من رونالد ريجان، وبيل كلينتون، وباراك أوباما، بل وحتى ترامب، ارتفاعًا فى التقييمات المفضّلة لهم بعدما وصلت إلى مستوى الأربعينيات خلال العامين السابقين لإعادة انتخابهم. فى هذا السيناريو، قد ترتفع تقييمات بايدن بفضل قيام جزء كبير من الناخبين بالمفاضلة بينه وبين البدلاء، عوضًا عن الحكم عليه بشكل منفصل.

ربما تقدم حملة إعادة انتخابه دفاعًا أقوى وأكثر حيوية من أدائه، خاصة إذا جاء على خلفية انخفاض معدل البطالة، وتراجع مستوى التضخم.

يبدو الاحتمال الثالث هو الأكثر ترجيحًا تاريخيًا؛ حيث يجب ألا يتم النظر إلى عمر بايدن بوصفه عاملًا صحيحًا مشروعًا، فقد فاز رغم تقدمه فى العمر فى المرة السابقة، وعادة ما تتم إعادة انتخاب الرؤساء الشاغلين للمنصب. يمثل العدد الكبير للناخبين، الذين يكرهون ترامب وأحبوا بايدن قبل ذلك، نقطة إيجابية. بطبيعة الحال سوف يكون اتجاه الاقتصاد عنصرًا متغيرًا حيويًا ومهمًا، لكن على الأقل يبدو أن انخفاض معدل البطالة، وتراجع مستوى التضخم ببطء، يوفران حاليًا ذخيرة كافية لبايدن حتى يوضح موقفه. مع ذلك لا تزال تقييماته منخفضة إلى درجة تجعلها قابلة للتحسن بشكل ملحوظ، دون أن يضمن ذلك إعادة انتخابه.

تظهر ثلاثة أنواع واضحة من الناخبين فى الوقت الذى يحاول فيه بايدن إعادة تجميع الائتلاف الذى ساعده فى الوصول إلى البيت الأبيض عام ٢٠٢٠، وهم الناخبون الشباب، والناخبون غير البيض، وربما الناخبون ذوو الدخول المنخفضة. أداء بايدن ضعيف بين تلك الفئات فى أكثر استطلاعات الرأى التى تم إجراؤها مؤخرًا. وربما انخفض تقييمه بوجه عام بين تلك الفئات بمقدار عشر نقاط على الأقل عن تقييمه بينها خلال عام ٢٠٢٠، وهو ما يساعد فى فهم السبب الذى جعل الاستطلاعات الخاصة بالانتخابات العامة توضح تقارب الفروق بين المرشحين فى السباق الرئاسى.

لقد ظهر ضعف بايدن بين كل تلك الفئات فى أوقات متعددة قبل ذلك؛ لذا ليس من المفاجئ بالضرورة رؤيته وهو يجد صعوبة فى الحصول على موافقتهم ورضاهم، وهو ما تم التعبير عنه بتدنى تقييماته إلى مستوى الأربعينيات. ومع ذلك فهم يبلورون التحديات المتعددة قبيل حملته، ومنها سنه، والاقتصاد، والناخبون الذين لن ينجح فى جذبهم بسبب قضايا مثل الإجهاض أو المبادئ الديمقراطية. لقد صبّ بايدن فى المقطع المصور، الذى أعلن فيه ترشحه للانتخابات، انتباهه بشكل كبير على الحقوق، والحرية، والديمقراطية، والإجهاض. إنه سوف يحتاج على الأرجح إلى طريقة لمخاطبة الأشخاص الذين يتأثرون بالمخاوف المادية والاقتصادية أكثر مما يهتمون بالقيم الليبرالية المجردة.

هناك بطاقة أخيرة قوية متمثلة فى المجمع الانتخابى. حتى إذا فاز بايدن بالانتخابات القومية بهامش متواضع، يمكن لترامب جمع ائتلاف فائز فى الولايات، التى تشهد منافسة قوية محمومة، وتحسم السباق الرئاسى، كما فعل فى عام ٢٠١٦.

نقلًا عن «الشرق الأوسط»