رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السودان يا أخت بلادى

للسودان من بين كل الدول والشعوب العربية وضع خاص فى الوجدان الشعبى المصرى، تجلى حتى فى إبداع سيد درويش الذى غنى قبل ثورة ١٩ أغنيته الشهيرة «دنجى دنجى»، وجاء فى كلماتها: «ما فى حاجة اسمه مصرى، ولا حاجة اسمه سودانى.. نهر النيل راسه فى ناحية.. ورجليه فى الناحية التانى». وعام ١٩٤٨ غنت أم كلثوم من كلمات أحمد شوقى: «فمصر الرياض وسودانها.. عيون الرياض وخلجانها»، وتغنّى المطرب السودانى المعروف عبدالكريم الكابلى منشدًا: «مصر يا أخت بلادى.. يا شقيقة.. يا رياضًا عذبة النبت وريقة»، وهى علاقات تعود إلى عصر الدولة الفرعونية والحكم الرومانى.

وفى ذلك يقول الرحالة الفرنسى «بران روليه»، الذى قام برحلات طويلة فى السودان «١٨٤٠-١٨٥٢»: «يعلمنا التاريخ أنه طالما كانت هاتان الأمتان مصر والسودان متحدتين عن طريق المصالح المشتركة والدين والأخلاق والعادات والتقاليد، استطاعت مصر أن تشغل مكان الصدارة بين الأمم وأمسى من العسير على أعدائها غزوها». 

ولعل الملح الأكثر أهمية فى كل هذا هو ذلك الوجدان التاريخى المشترك بين الشعبين، الذى يتميز بالسماحة وكراهة العنف، وهو الانطباع الذى يتركه الإنسان السودانى فى الآخرين، محملًا بالدماثة والمحبة. لذلك فتح أهالى أسوان بيوتهم للأخوة السودانيين وتسابقوا على استضافتهم، وبلغ عدد الأخوة السودانيين الذين دخلوا مصر عبر معبر أرقين نحو ١٧ ألف مواطن، علاوة على أربعة ملايين سودانى يعيشون فى مصر دون أى تمييز. ويذكّر كل ذلك بما قاله العالم الفرنسى لويس باستور، مكتشف البسترة: «فى المحنة لا يسأل أحدنا الآخر: ما هو بلدك.. ما هى ديانتك؟ كل ما يقوله له: إنك تتألم، يكفينى أن أعرف هذا». 

وإذا نحينا جانبًا تاريخ العلاقة الإنسانية العريق فسنجد أن ما يجرى فى السودان حلقة من حلقات تدمير الدول العربية، وهو المخطط الذى بدأ بالعراق ثم ليبيا وسوريا واليمن، والذى يؤدى إلى تطويق مصر بدويلات صغيرة تمزقها إما حروب أهلية أو نزاعات عسكرية وعرقية، فتجد مصر فى كل ذلك ما يستنزف أمنها وسلامتها وقدرتها على التقدم. من ناحية أخرى فإن تلك الحلقة من المخطط تهدف إلى هدم الدولة السودانية التى يشكل وجودها الشعبى والرسمى حائط صد أمام مشروع سد النهضة الرامى لتعطيش مصر.

ولكل ذلك فإن ما يجرى فى السودان سوف تنعكس نتائجه سلبًا أو إيجابًا علينا، والاقتتال الدائر يدمر فيما يدمر حتى المصالح الاقتصادية المشتركة، ففى السودان يوجد أكثر من مئة مشروع صناعى مصرى، وتتحرك فيه استثمارات مصرية تبلغ أكثر من عشرة مليارات دولار، كما أن الاقتتال، واحتمالات هدم الدولة ستغلق الطريق أمام أى فرصة للتكامل الذى يسارع بتأكيد قوة البلدين، إذ إن المساحة القابلة للزراعة فى السودان الشقيق تشكل ٤٨٪ من الأراضى الزراعية فى العالم العربى، مما يطرح مختلف مشاريع التكامل لمصلحة الشعبين. وتبقى السودان أخت بلادى، وراية الأساطير التى وصف محبتها الشاعر الكبير محمد الفيتورى بقوله: «هذه الأرض التى أحملها ملء دمائى.. والتى أعبدها فى كبرياء.. هذه الأسطورة الكبرى.. بلادى».. السلامة للشعب السودانى، والتكامل، والتحرر، والتقدم.