رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خمس مشاهد تجعلنى أرفض الديمقراطية

المشهد الأول 
-------------
حسب صناديق الاقتراع فى الأنظمة الديمقراطية يتاح لـ 100 شخص محدودى العلم والمعرفة والرؤية والمواهب والخيال المبدع، حكم 99 شخصا من ذوى العلم الغزير والمعرفة العميقة والقدرات والمواهب. 
هل يقبل العقل الحكيم بأن تكون الأرقام هى المتحدث الرسمى الشرعى، للعدالة والحرية؟. 
الديمقراطية كلمة أصلها يونانى، مشتقة من "ديموس" تعنى  الشعب، و"كراتوس" تعنى الحكم، وذلك ضد الأرستقراطية وتعنى "حكم الأفضل"، وكانت تصف النظام السياسى، فى ولايات أثينا القديمة فى القرن الخامس قبل الميلاد، حيث "النخبة" المؤهلة للحكم مقصورة على الرجال الأحرار العقلاء، واستبعد النساء والعبيد. 
سقراط 470 - 399 ق . م، وتلميذة أفلاطون 427 - 347 ق . م، يؤمنان أن حكم الأفضل هو بالضرورة لطبقة الفلاسفة الملوك، التى تمزج بين حب الحكمة (الفلسفة)، والسلطة السياسية. 
وكان سقراط ناقدًا عنيفًا للديمقراطية، التى ستجلب بالضرورة حكامًا يفتقرون إلى مهارة القيادة، وهو يفضل فساد وطغيان النخبة الأقلية، عن فساد وطغيان الأغلبية. 
وكثير من العلماء والأدباء أيضًا، يحذرون من عواقب الديمقراطية مثلًا جورج برنارد شو 26 يوليو 1856 - 2 نوفمبر 1950، الكاتب والمفكر الإيرلندى، الذى اعتبر الديمقراطية هى أن يحدد مصيرنا بواسطة أهواء الغوغاء والجهلة والحمقى، وقبله قالت مارجريت جاردينر 1 سبتمبر 1709 - 4 يونيو 1849 كونتيسة بليسينجتون هذا المعنى: "إن الاستبداد يخضع الأمة  لطاغية واحد والديمقراطية تخضع الأمة للكثيرين". 
وأوضح بعض المفكرين أن لا فرق جوهرى بين الديمقراطية (حكم الشعب) والديكتاتورية (حكم الفرد)، حيث الديمقراكية تبدأ بالتصويت ثم تفرض الطاعة، أما الديكتاتورية تفرض الطاعة دون اهدار الوقت فى التصويت. 
أما  جان جاك روسو 1712 - 1778، الكاتب والفليلسوف الفرنسى، صاحب فكرة العقد الاجتماعى، قال مقولته الشهيرة: "رصيد الديمقراطية الحقيقى ليس فى صناديق الانتخابات ولكن فى وعى الناس".
ويخبرنا  الباحث السياسى الأمريكى "أوستن رانى" 23 سبتمبر 1920 - 24 يوليو 2006، فى كتابه "سياسة الحكم"، أن الديمقراطيات بجميع أشكالها وتطوراتها الحديثة، قد حكمها الأشخاص لا القانون.

 المشهد الثانى 
--------------------- 
فى أمريكا وفى الغرب، لا توجد ديمقراطية كما يزعمون فمنْ يصل إلى الترشح، يجب أن ينفق الملايين أو المليارات فى الإعلان والدعاية عبر كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة. وهذا متوفر للأثرياء فقط، أى فئة قليلة من الشعب، تملك الأموال وآليات الكذب والتضليل، وشراء الإعلام الجاهز للتأجير دائما، للتأثير على ناس أصلًا مغسولة الأدمغة.  
إن الأنظمة السياسية فى أوروبا وأمريكا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، التى تصدر فكرة الديمقراطية للعالم جاءت بسياسيين ورؤساء لا يختلفون جوهريًا مثلا فى أمريكا، يتنافس الحزبان الديمقراطى والجمهورى طوال الوقت، وفى أوقات الانتخابات يخدعوننا بتصاعد شراسة المنافسة لكن الاختلافات بينهما طفيفة، لا تصل إلى معارضة جذور النظام الرأسمالى.  
وحسب تقارير المؤسسات الراصدة للديمقراطية فى العالم، فان هناك تراجع فى التوجهات الديمقراطية على مستوى العالم فى العقد الأخير، وظهر مصطلح "الدولة المفترسة"، 
و"التدهور الديمقراطى" وهذا  طبيعى لأن الديمقراطية تحمل داخلها بذور فنائها، عاجلًا أو آجلا لو كانت صالحة، لأثمرت سعادة الانسان على كوكب الأرض، أليست هذه هى الغاية فى نهاية الأمر؟. 
المشهد الثالث
--------------------
الانتخابات الحرة والديمقراطية واسنفتاء الشعب الألمانى، جاء بهتلر إلى الحكم فى ثلاثينيات القرن الماضى، الشعب أراد هتلر، الفاشى، وواحد من الأساتذة الكبار فى الاجرام والتوحش والاختلال العقلى والنفسى وجنون العظمة، على مدى التاريخ. لقد تقدم الحزب النازى فى الانتخابات، وأيده القوميون والرجعيون والموالين للحكم الملكى والكاثوليك وأنصار الحزب الجمهورى، وأيضًا أيدته الأحزاب الديمقراطية، وكان شعار هتلر فى حملته الانتخابية "هتلر فوق ألمانيا". 
وفى الخمسينات والستينات من القرن الماضى، لو أجريت انتخابات ديمقراطية نزيهة واستفتاءات شعبية، لكان الشعب الأمريكى أيد بقاء التفرقة العنصرية بين البيض والسود، ورفض حركة الحقوق المدنية التى تزعمها مارتن لوثر كينج الابن 15 يناير 1929 - 4 أبريل 1968، والذى أغتيل لتمرده على رغبة الأكثرية من الشعب الأمريكى آنذاك.

المشهد الرابع  

---------------
فى مصر، ألم تجئ الانتخابات عام 2012، بمحمد مرسى الإخوانى إلى الحكم، وكان أول رئيس مدنى منتخب؟؟ وكانت سنة حكمه، خرابًا على الوطن، ومحاولة لبيع مصر بالجملة والقطاعى. 
إذن القول بأن الديمقراطية هى الحل، خدعة كبيرة يتم ترديدها دون تحليلها وتفنيد تاريخها والتفكير الجذرى فى مقوماتها ومعناها وآلياتها وعواقبها إن الاستفتاءات الشعبية لأغلبية جاهلة مغيبة مغسول عقلها بسيطرة رجال الدين والإعلام الذكورى، لن يجلب إلا التخلف والنكسات وترسيخ التفرقة.

المشهد الخامس  
-----------------------
البديل والمعيار والبوصلة هى ثقافة حقوق الإنسان الكاملة دون تمييز، ففى سوق التقدم الحضارى، العبرة ليست فى حجم العدد، فحكم الأغلبية أو الأكثرية، لم يكن أبدًا، دليلًا على العدالة وازدهار الحريات، وتحقق السعادة .
فى 10 ديسمبر 1948، تم اعتماد الميثاق العالمى لحقوق الإنسان. أليست حقيقة مؤسفة، أن العالم كله، بعد خمسة وسبعين عاما من وجود هذا الميثاق، ما زال يشهد أشكالا ودرجات مختلفة من انتهاكات صارخة، لبنود الميثاق العالمى لحقوق الإنسان. 
بل إننى أزعم من متابعتى لأخبار كوكب الأرض أن "حقوق الإنسان"، أصبحت محنطة فى المتاحف، مثل التماثيل، والكائنات المنقرضة. 
المفارقة المحزنة، أن العالم قد وصل إلى اكتشافات طبية وعلمية وتكنولوجية فى المائة عام الماضية، أكثر مما اكتشفه على مدار التاريخ البشرى، ومع ذلك فإن انتهاكات "حقوق الإنسان" فى المائة عام الماضية، قد أصيبت فى العالم كله، بضربات فى مقتل، لا تتناسب مع الثورة العلمية والتكنولوجية والطبية الحادثة. 
والمؤسف أن انتهاكات حقوق الإنسان، تتم باسم الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. وإجهاض الحريات والعدالة يحدث باسم الحفاظ على الحريات والعدالة. 
وأغلب البشر قد تم غسل عقولهم، أو إلغائها بشكل كامل أو جزئى. 
المفروض، والمتوقع، أن الاكتشافات تسعى فى نهاية الأمر إلى تحسين أحوال كوكب الأرض، مما يعنى ازدهار "حقوق الإنسان"، وبلوغها آفاقا جديدة، تحقق سعادة البشر، وتمتعهم بالعدالة والحرية، والعيش فى بيئة صحية متوازنة. 
المفروض أن أى اكتشاف لا يؤدى إلى انتشال البشر من الفقر والعجز والبطالة والمرض والقهر والتعاسة والإحباط، يُلقى فى عرض البحر، فما الفائدة منه؟؟ . كل اكتشاف، يستلزم انفاق مبالغ خيالية على مدى سنوات من البحوث والدراسات والتجارب. فإذا كان بعد كل هذا العناء، لن يفيد غالبية البشر، نساء، ورجالا، وأطفالا، فليذهب إلى الجحيم. 
طالما أن هناك فقرا فى العالم، فتحدثونى عن أن "الديمقراطية هى الحل" لقد وصل عدد الفقراء المدقعين فى العالم عام 2022 إلى 700 مليون شخص تقريبًا عن أى ديمقراطية يمكن أن تكون الحل؟. 
من بستان قصائدى 
---------------------- 
لم أعرف أبدا مذاق الدموع 
لأننى دائما أبكى تحت المطر
لا أعرف لى وطنا  
منذ لحظة ولادتى  
تبنتنى موانئ السفر   
لم يدق الملل على بابى
لأننى أعيش دائما 
على حافة الخطر 
أنا سيدة قرارتى ومشاعرى وأفعالى  
لست لعبة فى يد القدر 
لا تريحنى طبائع البشر 
لست أبالى 
بمنْ جاء أو حضر 
لا أنظر أبدا إلى النجوم 
فأنا بكل تواضع توأم القمر.