رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مرحبًا بالكسل الجميل

تجاورت مثل نجوم فى السماء أفراح رمضان وعيد القيامة المجيد وشم النسيم وعيد الفطر توحد المصريين فى تحالف وجدانى وقومى تزينه خمسة أيام إجازة، يمكنكم أن تسترخوا فيها وتكسلوا قدر ما تريدون، فليس كل الكسل عيبًا، بل إن بعضًا من عظماء الأدباء امتدحوا الجوانب الممتعة والمفيدة من هذه الحال. وقد اعتبر الكاتب المصرى الفرنسى ألبير قصير أن الإنسان الكسول وحده يملك الوقت للتأمل والتفكير! وعندما سألوه: «لماذا تكتب؟»، أجابهم: «حتى لا يستطيع أن يعمل فى الغد من يقرأ لى اليوم»! أى أنه يكتب تشجيعًا للكسل. 

ولكى نرفع عن الكسالى أى حرج أقول إن كولومبيا شرعت فى الاحتفال بيوم الكسل منذ عام ١٩٨٥، وتعود فكرة الاحتفال إلى «كارلوس مونتويا» أحد سكان مدينة «إيتاجوى» الذى بدأ موضحًا: «علينا أن نحتفل بالاستمتاع بالحياة وليس فقط بضجيج الأعمال التجارية والصناعية». وفى ذلك اليوم يخترق آلاف الكولومبيين الشوارع رافعين المراتب والأسرّة والأغطية رمزًا للكسل الجميل، ويقيمون المسابقات لأفضل بيجاما، وأجمل غطاء نوم. 

أما أمريكا فقد بدأت الاحتفال بيوم الكسل العالمى منذ عشر سنوات. استرخوا واكسلوا إذن. وقد امتدح الاستمتاع بالحياة أدباء عظام منهم الكاتب الألمانى هيرمان هيسة فى كتابه «فن الكسل»، مشيرًا إلى أن الكسل: «فن قديم دمرته مكنة التفكير الحديثة الخالية من الروح علاوة على النظام التعليمى الذى سلب الفرد حريته الفكرية وشخصيته المستقلة»، ثم يوضح فكرته قائلًا: «لطالما كان الفنانون بحاجة إلى شىء من الكسل، ويرجع ذلك إلى حاجتهم لفهم وهضم التجارب التى تمر بهم، ومنح الفرصة للأفكار التى تخرج من اللاوعى حتى تنضج». 

هناك أيضًا فيلسوف عالمى معروف هو برتراند راسل الذى كتب كتابًا بعنوان «فى مديح الكسل»، صدر عام ١٩٣٥، ذهب فيه إلى أن الحضارة الإنسانية انتعشت فيما مضى بفضل الكسل الذى وفره كدح العبيد للسادة والنبلاء، بحيث تفرغ السادة للفنون والعلوم، ويستشهد راسل بقصة مسافر فى إيطاليا وقع بصره على اثنى عشر شحاذًا استلقوا فى الشارع، فعرض عليهم أن يقدم ليرة لأكثرهم كسلًا، فهب الجميع وقوفًا فقام المسافر بمنح الليرة للرجل الثانى عشر الذى بقى مستلقيًا وتكاسل عن النهوض! وعن الكسل تقول أجاثا كريستى الكاتبة الأكثر رواجًا فى العالم: «الاختراع ينبع فى تقديرى من الفراغ، وربما من الكسل أيضًا، بهدف أن يوفر المرء على نفسه الجهد الشاق». ويقول الكاتب الإنجليزى جيروم. ك. جيروم صاحب رواية «ثلاثة فى قارب»: «إننى أحب الكسل فقط عندما لا يصح أن أكون كسولًا.. حينذاك أحبه»! وسنجد فى تراث معظم الشعوب المثل القائل: «الكسل أحلى مذاقًا من العسل»، ومع ذلك كله فلا ينبغى أن يفهم من الحديث أنه دعوة للتكاسل، لكنه دعوة للاستمتاع بالحياة، فكما يتعين علينا أن نستمتع بالعمل حتى الشاق منه، فإن علينا أن نتقن فن الراحة، والاسترخاء، لكى نواصل العمل، سواء أكان عملًا أدبيًا، أو اعتياديًا، أو متعبًا، لأن العمل يظل أساس التقدم الإنسانى كله، وبفضله تقدمت البشرية وسيطرت على الطبيعة وغارت فى النفس الإنسانية، ووصلت إلى القمر. استرخوا إذن واكسلوا أيام أعيادنا الجميلة، لكى تتأهبوا لمزيد من الإبداع، والإنتاج، والثمار، والتقدم.