رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدراما بخير إذاً مصر بخير

الفن ليس فقط أداة من أدوات التغيير والحراك المجتمعي، بل تقاس حضارات الأمم بما أنتجته من إبداع وفن.. وقد أفصحت دراما رمضان وبفصاحة عن أن مصرنا بخير وأن الأمة المصرية بخير وأنها تقدر وتستطيع لأن العقل المصري بخير ومتيقظ ومتقد والروح الإبداعية المصرية على أفضل ما يرام .. فالموسم الرمضاني الذي شهدناه على مدار الشهر الكريم أخرس و للأبد أي تهافت أو حديث عن الأفول أو سحب البساط من تحت أقدام الدراما المصرية والفن المصري والقوى الناعمة المصرية. 
فلقد انتصرت دراما رمضان ٢٠٢٣ لنفسها و للمتلقي وللإنسان وللمجتمع وللحقوق وللمرأة. 
انتصرت الدراما للعقل و للحق وللإبداع. 
دراما كانت مضامينها مهمة ورسائلها طليعية ووضعت في قالب كان الإتقان عنوانه.. فالحبكة الدرامية كانت غالبة على إنتاجات العام إلى جانب إبداع الصناع ومباريات التمثيل التي لعب فيها الكل دوره على أفضل نحو مستطاع. 
مما يجعلنا نفخر بأبطالنا على الشاشات ونفخر ونتباهى بأن لدينا ممثلين من جيل الوسط استطاعوا أن يحفروا أسماءهم في عالم النجومية وباقتدار. 
فمنى زكي ونيللي كريم ومنة شلبي ومحمد ممدوح  ومحمد فراج هم بالفعل الآن نجوم الصف الاأول في مصر والعالم العربي إلى جانب أداء مشرف وأعمال متقنة قام بأدائها كل من دينا الشربيني وروبي وروجينا ومي عز الدين وريهام عبدالغفور. 
حتى الأدوار الثانوية فلم تكن كذلك.. فمن كان يقال عنهم "السنيدة" أصبحوا نجوماً في أماكنهم وأدوا أدوارهم بشكل مذهل. 
"مريم الخشت" و"محمد فهيم" و"أحمد عيد" في مسلسل "عملة نادرة" كأنهم تم اكتشافهم في هذا العمل بعد مباراة التمثيل التي تفوق فيها كل منهم على الآخر. 
اما الريس "ربيع" وهو الممثل القدير "رشدي الشامي" في "تحت الوصاية" كذلك البحرية "علي صبحي" الممثل المجتهد الدءوب الذي بدأ من الصفر ومن مسرح الشارع لتتلقفه الدراما فيبدع فيها عندما أتيحت له الفرصة و"أحمد خالد" الممثل الغول المفعم بالحيوية والأداء المتقن والثبات الانفعالي والمقدرة على التلون بكل ألوان الطيف وتقديم مختلف الشخصيات وكأن الفنان "عادل أدهم" قد ترك لنا خليفة له على الأرض استطاع أن يطور من نفسه ومن أدواته ليتفوق على فيلين الشاشة التي تربع عليها لسنين وقد لفت إليه الأنظار منذ ظهوره من سنوات في مسلسل "ليالي أوجيني". 
كذلك "ثراء جبيل" و"دياب" والذي قام أيضاً بأداء دور "الفيلين" وباقتدار حتى كرهه الجميع وكأنه شخصية حقيقية لا ممثلا يقوم بأداء دور محدد على الشاشة. 
كذلك كان أداء "نسرين أمين" طبيعي وتلقائي وحيوي وأداء "نهى عابدين" والطفل ذي الأداء الاستثنائي "عمر الشريف" الذي قام بأداء دور "ياسين" ابن "منى زكي" في المسلسل الذي لابد من الإشادة ليس فقط به بل بكل العاملين فيه أمام الكاميرا وخلفها بقيادة المايسترو المخرج المخضرم "محمد شاكر خضير" الذي حفر لاسمه في دراما ٢٠٢٣ مكاناً لن ينمحي من الأذهان لفترة طويلة..  وواصل. 
"أحمد داش" صعوده المتأني في عوالم الدراما والسينما منذ مسلسل "سابع جار" حتى فيلم "أبو صدام"، والآن مسلسل "جعفر العمدة"، والذي شهد ولادة "إيمان العاصي" التي فاجأتنا وفاجأت نفسها بكونها ممثلة من العيار الثقيل وجدت لنفسها موطئ قدم في عالم الفن والتمثيل بعد أزمة صحية كتب لها من بعدها عمر جديد وكأنها حقاً ولدت من جديد لتصبح ملء السمع والبصر أمام الكاميرا ليس كمقدمة برامج ناجحة فحسب بل كممثلة موهوبة اكتشافها ودخولها إلى عوالم التمثيل يعد مكسبا كبيرا للفن المصري و القوى الناعمة المصرية..  و تواصل "ريم حجاب" الصعود بخطىً واثقة وتعرف طريقها جيدا وإلى أين تسير أما 
"فريدة سيف النصر" فقد سعت وباقتدار لتتويج مشوارها الفني في عوالم الدراما منذ دورها في مسلسل "بدون ذكر اسماء" وصولا لدور سكينة في "عملة نادرة". 
وبالطبع  "محمد فراج" على وضعه ومكانته على الشاشة محفوظة في مسلسل "حرب" وكان قد تم اكتشافه هو أيضاً. في مسلسل "بدون ذكر أسماء" لينطلق إلى عالم النجومية بعد ذلك وبسرعة الصاروخ. 
وكان كل هؤلاء حقاً من نجوم الصف الأول الذي يشار إليهم بالبنان. 
فالتمثيل الاحترافي المبهر الذي قام به هؤلاء النجوم، سواء كانوا من نجوم الصف الأول أو الثاني أو الثالث كان حقًا مذهلًا.
وما زالت مصر تستوعب وتحتضن وتمنح فرصاً ونجومية لفنانين غير مصريين كعادة مصر ودورها الرائد الذي لم ينته ولن ينتهي في مجال الفن والدراما والسينما
فإياد نصار أتيحت له فرصاً في مصر كان من المستحيل أن تتاح له في مكان آخر.. كذلك "عائشة بنت أحمد"، والتي كانت مصر بوابتها الرحبة للنجومية التي خطت عتباتها من أوسع الأبواب ..كذلك الفنانة "جومانة مراد"، والتي أثبتت أن ما زال بإمكانها العطاء وأنها حقاً ممثلة كبيرة وقد منحتها الدراما المصرية في ٢٠٢٣  فرصة جديدة وضخت في إبداعاتها دما جديدا فأتقنت دورها وأتقنت كذلك اللهجة الصعيدية وبتفوق، بل وتفوقت فيها على من سبقها إليها وهو الممثل السوري "جمال سليمان"، والذي يتحدث باللكنة السورية في أدواره الصعيدية! ولعله يصر على ذلك وهذا حقه وليس العيب فيه بل في من يصرون على منحه أدوار أبناء الصعيد المصري الذي لا يريد هو التحدث بلسان أهله أو تمثلهم على الشاشات.. وكأن إتقانه دوره في المسلسل المصري يعني نزع الجنسية أو الهوية السورية عنه! أما الشباب اللبناني الصاعد والواعد والذي ظهر في مسلسل "تغيير جو" وكان أداؤهم طبيعيا بدون تكلف أو تصنع ليعود الفضل في ذلك للمخرجة المصرية "مريم أبو عوف" وعملها الفني الأخاذ "تغيير جو" وكل هؤلاء المحترفين ظهروا بشكل مشرف 
مع مخرجينا الشباب الذين انتصروا لأنفسهم و للفن و الدراما المصرية وانتصروا أيضا
لبطلات مجتمعنا من النساء والأمهات المصريات المعيلات والأرامل .. وكانت المرأة في العموم حاضرةً في غالبية تلك الأعمال الدرامية وخصصت أربعة أعمال بالكامل لمناقشة قضايا مهمة تخص المرأة في قالب درامي موظف وأخاذ وتم التطرق لمأساة وضع أبناء الارملة تحت الوصاية "وصاية جدهم"- ومن ثم عمهم- وكأن الأم شخص هامشي أو فاقد الأهلية ولا حق لها على نفسها أو أبنائها! وما تعانيه النساء في هذه الحالة من غبن يتمثل في تلك "الوصاية" التي يشرع لها و يطبقها ما يعرف بـ"المجلس الحسبي" أملا في تغيير ذلك القانون الجائر الذي عفى عليه الدهر ولا بد من إعادة النظر فيه.. فنضال الأم من أجل أبنائها القصر ومعاناتها التي لا تنتهي الا بالوفاة! و كأنه لابد من أن يموت أحدهم ليعتق الآخر ويسترد حقه الطبيعي ووصايته على أبنائه! وكما كان لمسلسل "فاتن أمل حربي" دور كبير في الاشارة لمعاناة النساء مع قانون الأحوال الشخصية.. ففي هذا العام طرحت كارثة "الوصاية والمجلس الحسبي للأبناء القصر" وكأن الام ليست أمينة على أبنائها! وشخصت الفنانة الناضجة القديرة "منى زكي" دور تلك الأرملة المصرية المكافحة بشكل نرفع لها فيه القبعة. 
لتستكمل مسيرتها الفنية الجادة و تضع بصماتها عليها لتعيد النجومية للنساء في الدراما هي و "منة شلبي" و"نيللي كريم" بعد أن كانت أدوار البطولة دوماً للرجال والمرأة عنصر يساند فقط ويجمل الصورة أما الآن فصار للنجمات موطئ قدم حقيقي لنعود لعصر "سيدة الشاشة العربية" و"نجمة مصر الأولى" و"نجمة الجماهير" بفضل جيل الوسط من نجمات مصر 
وكما أبدعت "منى زكي" مع المخرج الاستثنائي "تامر محسن" منذ عامين في مسلسل "لعبة نيوتن". 
ها هي تبدع في رمضان ٢٠٢٣ في دورها في مسلسل "تحت الوصاية" ويبدع معها كل من حولها.. فجميع من ظهر على الشاشة في هذا العمل الفذ كان بطلا ويستحق لقب البطولة 
ولا يمكن أن تكون الدراما بهذه الجودة بدون كتابة جيدة فتحية للكتاب "شيرين وخالد دياب" في "تحت الوصاية" و"ناصر عبدالرحمن" في مسلسل "ستهم" والذي طرح مع مسلسل "عملة نادرة" أزمات المرأة في صعيد مصر والغبن الذي تتعرض له.. فتحرم من الميراث بعد رحيل زوجها هذا الى جانب التصنيف والإقصاء والتنمر الذي تتعرض له ..كذلك مسلسل "حضرة العمدة" للكاتب "إبراهيم عيسى" والمخرج "عادل أديب" والذي تعرض ايضا لقضية من قضايا المرأة التي لها فيها أحقية واستحقاق ويجب عدم إقصائها من أدوار أو مهن تستطيع القيام بها كسائقة التاكسي "الأرملة المعيلة" "ثراء جبيل" في مسلسل "تحت الوصاية".. فالأرملة المعيلة كان لها صوتان "مسلسلان في دراما رمضان" كما كان للأم المطلقة المعيلة مساحة كبرى في دراما ٢٠٢٢.. وفتح المجال هذا العام لاعمال اكثر وصلت لأربعة أعمال. 
ووضعية النساء في كل المسلسلات مثلث المرأة بصدق ووعي بل واحترام كبير مقارنة بالدراما التي كانت تقدم المرأة بصورة فيها قدر كبير من الانبطاح ظهر في اعمال مثل "عائلة الحاج متولي" والذي كان نموذجا سيق وتكرر في أكثر من عمل.. كذلك نموذج "زهرة و ازواجها السبعة" ناهيك عن مسلسلات العشوائيات و التوكتوك و فتيات الليل والمناطق الشعبية التي مللنا في فترة ما منها وأظهرت المرأة بشكل محقر! وكأن المجتمع المصري كله يعيش- أو تم اختزاله- في حارة أو منطقة عشوائية يحيط بها السلاح الأبيض والصراخ والابتذال والاغتصاب والتحرش.. والمرأة في تلك الأعمال دوما مهانة ومحقرة ويمارس ضدها عنفا جسديا ولفظيا وتظهر بشكل سلبي ومنحط ومقزز! حتى انتهت تلك الظاهرة التي كانت غالبة وللأسف على الأعمال الدرامية وقدمت في السابق نماذج سيئة للنساء أسهمت وبلا أدنى شك في تربية ذهنية خطيرة الصقت بالمرأة وأضرت بها ضرراً بالغاً ورسخت كذلك للذكورية المقيتة في المجتمع ورسخت أيضاً لثقافة البلطجة وربت ذهنية جعلت من البلطجي والعشوائي نموذجاً ومثالا يحتذى به! وصار القتل والعنف المجاني أمراً عادياً في المجتمع! 
وفي النهاية لا يسعنا سوا الفخر اليوم بالمنجز الإبداعي الذي سطى على المشهد وصحح أوضاعاً كثيرة و استعدنا من خلاله قوتنا الناعمة المتمثلة في الممثل المصري وكتابنا ومخرجينا وبالموسم الرمضاني الناجح الذي تشرفنا به في الداخل وأحدث صدىً كبيراً له في الخارج.. و إن أراد أحدهم تكريم نجم أو فنان أو إقامة احتفالية ما هنا أو هناك يكون الفنان المصري والمبدع المصري والكاتب المصري والإبداع المصري حاضراً مشرقاً لم ولن يأفل مهما قيل عنه أو فيه ومهما سكبت أموالًا كثيرة لتمحوه أو تنحيه .. فسيظل حاضرًا متفوقاً حاصداً النجاحات والإعجاب الذي يدعونا حقا للفخر دون مبالغة أو شيفونيه 
وشكلت جهات الإنتاج المتعددة في هذا الموسم الرمضاني لحمة وفسيفساء مع شركة المتحدة التي كان لها دور كبير في إنتاج دراما تليق بالفن المصري وريادته دون أن تجور على غيرها من شركات الإنتاج التي أتيح لها هذا العام التواجد على الساحة وفتح المجال لمن يريد التواجد وشاركت المتحدة كيانات أخرى لتكون المحصلة تلك الدراما التي نفخر ونباهي بها الآخرين.
فشكراً 
لكل من وضع لمساته وأسهم في غزل تلك الفسيفساء التي غزلت حقاً بدقة حرفي وحيوية راكب أمواج.