رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة جديدة لـ«نصر حامد أبوزيد» 18

محمد الباز يكتب: إمام التفكير.. نصر أبوزيد يرد على دعوى التفريق: لست كافرًا

محمد الباز 
محمد الباز 

- الاتهامات مبنية على اقتطاعات واجتزاءات لعبارات من سياقها وفُهمت فهمًا خاطئًا

- الإمام الشافعى ليس إلهًا ولا نبيًا معصومًا لا يجوز الاختلاف معه أو مع ما يؤسسه من مبادئ

 

كثيرة هى الفصول الصعبة فى حياة نصر أبوزيد، لكننى أعتقد أن الفصل الأصعب فى حياته كان عندما وجد نفسه مضطرًا لمساعدة محاميه لكتابة رد علمى على اتهامه بالكفر، وهو الاتهام الذى كان سيترتب عليه تفريقه عن زوجته ابتهال يونس. 

وكما وضعت أمامكم نص الدعوى الظالمة، فإننى سأضع أمامكم نص رد نصر الذى قدمه المحامون ضمن مستندات وتقارير أخرى كثيرة، تقول مذكرة نصر: 

بصدد دعوى الحسبة المرفوعة من محمد صميدة عبدالصمد على الدكتور نصر حامد أبوزيد والسيدة حرمه للتفريق بينهما بزعم الكفر والارتداد عن الإسلام، إليكم الآتى: 

بشأن ما أتى فى صحيفة الدعوى من اتهامات بالعداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة، ورفض السنة وتجاهل ما أتت به، وأنه يحمل هذه النصوص كل أوزار الأمة الإسلامية وأوضاعها المتخلفة، وأنه لم يترك مناسبة فى كتابه الصغير للغض من النصوص وتحقيرها وتجاهل ما أتت به إلا انتهزها، وأن كتبه تحوى كفرًا يخرجه عن الإسلام، وأنه يذهب إلى أن الإسلام دين عربى، وأنه يرى أن القرآن أسطورة وانتماءه إلى المصدر الغيبى أسطورة، وبناءً عليه فهو مرتد، كما أتى فى صحيفة الدعوى- يلزم إيضاح ما يلى: 

إن هذه الاتهامات مبنية على اقتطاعات واجتزاءات لعبارات من سياقاتها، وفهمها فهمًا خاصًا لا تقوله الكتب المشار إليها، ولا العبارات المجتزأة منها حتى لو قرئت بعيدًا عنها، وهذه العبارات التى تؤسس عليها الدعوى بردة وكفر المدعى عليه كما وردت. 

أولًا: ما أوردته الدعوى من أن «الذين يستسلمون للنصوص الشرعية على أن فيها حلولًا لكل المشكلات قد ألغوا عقولهم»، فدلالة النصوص فى العبارة المشار إليها لا تنصرف على الإطلاق إلى نصوص القرآن والسنة، إلا لدى من لديه نية مبيتة على أن يفهمها على هذا النحو لأسباب فى نفسه هو لا فى العبارة، ذلك أن سياق العبارة الواضح تمامًا هو سياق تحليل نصوص الإمام الشافعى، ومن ثم يكون معنى التحرر فى هذا السياق منصرفًا إلى نصوص الأسلاف، وهو ما يعنى فتح باب الاجتهاد وإعمال العقل فى نصوصهم، وتحليل هذه النصوص بأدوات العلم المعاصر، اللهم إلا إذا كان هناك من يرى أن الأسلاف من الأئمة معصومون لا تجوز عليهم القوانين البشرية، وأن ما قالوه هو اجتهاد قد يصيب وقد يجانبه الصواب، مثلما يكون مقصود السلطة فى هذه العبارة هو سلطة الجهل والتقليد دون درس وفحص واختبار لسلامة أقوال الأسلاف أو المعاصرين. 

فالدعوة للتحرر من سلطة النصوص تعنى التحرر من سيطرة نصوص الأسلاف، والتحرر من تقبلها دون إعمال للعقل واجتهاد العقل الذى حرص الإسلام والقرآن على إعماله والانتفاع به وليس على إغلاقه وتعطيله، الاجتهاد الذى فتح النبى، صلى الله عليه وسلم، بابه لكل مسلم حين قال: أنتم أعلم بشئون دنياكم، ولا شك أن أقوال الأسلاف ونصوصهم تعطل شئون دنيانا، ثم إن سلطة النصوص هى سلطة يضيفها العقل الإنسانى ولا تنبع من النص ذاته. 

ثانيًا: العبارة الثانية التى تستند إليها صحيفة الدعوى لاتهام المدعى عليه بالردة ولإثبات أن ما يقصده بالعبارة السالفة هو «القرآن والسنة» «إن تثبيت قراءة النص الذى نزل متعددًا فى قراءة قريش كان جزءًا من التوجيه الأيديولوجى للإسلام لتحقيق السيادة القرشية». 

وتلك صورة أخرى لعزل السياق عن نص العبارة أو عزل سياق نصها، ومن تشويهها واستنتاج ما لذ وطاب للمستنتج، فالسياق الذى ترك فيه العبارة هو سياق كيف تعامل الإمام الشافعى مع قضية نزول القرآن على سبعة أحرف وموقفه من الكلمات الأجنبية أو غير العربية فى القرآن، مع مقارنة موقفه بمواقف غيره من الأسلاف والأئمة. 

والأحرف السبعة لهجات مختلفة كان يقرأ بها القرآن تيسيرًا أو تسهيلًا على المسلمين حتى زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وهذا أمر قال به القدماء والمحدثون، ولعل مراجعة لكتاب الطبرى «جامع البيان عن تأويل آى القرآن» تؤكد ذلك، حيث يورد أن الأمة أمرت بحفظ القرآن وخيرت فى قراءته بأى تلك الأحرف شاءت، فرأت لعلة من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد، قراءته بحرف واحد ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية. 

وهو نص أيضًا فى كتاب «الإمام الشافعى» لم تشر إليه بالطبع صحيفة الدعوى، أى أنه ليس قولًا من عند المؤلف، وإنما هى مسألة معلومة معروفة منصوص عليها فى كل كتب تاريخ القرآن وفى التفاسير. 

ثالثًا: أما العبارة الثالثة التى تستند إليها صحيفة الدعوى بوصفها دليل كفر وردة هى «أن النص الثانوى هو السنة النبوية والنص الأساسى هو القرآن». 

وتفسير هذه العبارة على أنها تحوى أو تدل على إنقاص من شأن السنة ليس فى الواقع سوى نتاج عدم فهم المصطلحات والمفاهيم المستخدمة كما سبقت الإشارة، فكلمة «ثانوى» هنا لا تعنى ولا تشير من قريب أو من بعيد إلى أى دلالة سلبية، بمعنى تافه مثلًا أو لا قيمة له، كما تحاول الصحيفة أن توحى، وإنما هى مستخدمة انطلاقًا من مفاهيم تحليل الخطاب وعلم النص»، حيث يفرق مجال تحليل الخطاب بين «الواقعية الأصلية» أو النص الأصلى الأولى الأساسى، الذى هو فى هذا السياق القرآن الكريم، وبين النصوص التالية الشارحة والمفسرة لهذا النص على أنها ثانوية بحكم كونها مبنية عليه ودائرة حوله وتتحرك باتجاهه وفى فلكه، وبما أن السنة النبوية الشريفة تدور حول تعاليم القرآن شرحًا وبيانًا وتفسيرًا، فهى بالنسبة إليه نص ثانوى، وهو ما لا يحتمل أى مجال للبس بالنسبة لمن له أدنى صلة أو معرفة بدلالات هذه المصطلحات والمفاهيم فى مجالاتها المعرفية، وعليه فليس هناك ما يمس العقيدة أو قيمة السنة النبوية الشريفة ومكانتها، بأى صورة من الصور. 

رابعًا: تنتزع الصحيفة أيضًا عبارة أخرى من سياقها يربط فيها المدعى عليه بين تصور الإمام الشافعى عن إطلاقية النص وشموليته وبين مفهوم «الحاكمية» فى الخطاب السلفى المعاصر، والعبارة التى تستشهد بها الصحيفة هى «هذا الموقف يعكس رؤية للعالم والإنسان تجعل الإنسان مغلولًا دائمًا بمجموعة من الثوابت التى إذا فارقها حكم على نفسه بالخروج من الإنسانية»، وليست هذه الرؤية للإنسان والعالم معزولة تمامًا عن مفهوم «الحاكمية» فى الخطاب الدينى السلفى المعاصر، حيث ينظر لعلاقة الله بالإنسان والعالم من منظور علاقة السيد بالعبد الذى لا يتوقع منه سوى الإذعان، ولما كانت رؤية الشافعى تلك للعالم كرست فى واقعها التاريخى سلطة النظام السياسى المسيطر والمهيمن، فإنها تفعل الشىء ذاته فى الوقت المعاصر. 

إن منطق «لا تقربوا الصلاة» لا بد من أن يزيف الحقائق ويشوه المقاصد، ذلك أن العبارة واردة فى سياق موقف الشافعى من الاستحسان، وربط الشافعى الدائم بين الاستحسان والخلاف والتنازع، وهو ما يعنى أن العقل مقيد تمامًا، ليس من حقه أن يستحسن أو يستقبح أمرًا، ومثل هذا التصور هو ولا شك الخطر على العقيدة، كما أن هذا الغياب للعقل ودوره فى الاستحسان وفى الاجتهاد ليس بعيدًا عن مفهوم «الحاكمية» كما هو فى الخطاب السلفى المعاصر، لدى أبى الأعلى المودودى وسيد قطب الذى أخذه عنه وغيرهما ممن يسيرون على الدرب. 

إن خطورة هذا المفهوم هو أنه يلغى تمامًا من فهم الإسلام تلك المناطق الدنيوية التى تركها للعقل وللخبرة والتجربة كما وردت فى قول النبى، صلى الله عليه وسلم «أنتم أعلم بشئون دنياكم». 

فما الذى يمس العقيدة فى هذا الكلام؟

وهل هذا الكلام يمثل خطرًا على العقيدة أم عدم إعمال العقل والجهل هما الخطر الحقيقى على العقيدة والأمة كلها؟ 

خامسًا: يدعى أصحاب الدعوى أن المدعى عليه لم يترك مناسبة فى كتابه الصغير للغض من النصوص وتحقيرها وتجاهل ما أتت به إلا انتهزها، وهى دعوى مطلقة على عواهنها من غير شاهد أو برهان أو تحديد لماهية هذه النصوص، هذا فضلًا عن أن هناك بونًا شاسعًا بين ما يقصده المؤلف بهذه الكلمة وبكلمة «نص» السياقات التى ترد فيها، وبين الكيفية التى يفهم بها، أو يريد أن يفهم بها متهموه هاتين الكلمتين. 

سادسًا: تورد صحيفة الدعوى نصًا آخر من كتاب الإمام الشافعى بوصفه شاهد كفر وردة وهو «يبدأ الشافعى حديثه عن الدلالة بتقرير مبدأ على درجة عالية من الخطورة فحواه أن القرآن يدل بطرق مختلفة على حلول لكل المشكلات والنوازل التى وقعت أو يمكن أن تقع فى الحاضر أو فى المستقبل على السواء، وتكمن خطورة هذا المبدأ فى أنه المبدأ الذى ساد تاريخنا العقلى والفكرى، وما زال يتردد حتى الآن فى الخطاب الدينى بكل اتجاهاته وتياراته وفصائله، وهو المبدأ الذى حول العقل العربى إلى عقل تابع يقتصر دوره على تأويل النص واشتقاق الدلالات منه». 

والمدعون يعلقون على هذا النص بأن «هذا الذى أنكره المعلن إليه على الإمام الشافعى إنما هو المعنى الحرفى لقوله تعالى «ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين»، وهو أيضًا «إكمال الدين» فى قوله تعالى «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا». 

كما يأخذون على المؤلف عبارة أخرى فى السياق نفسه، وهى «والشافعى حين يؤسس المبدأ- مبدأ تضمن النص حلولًا لكل المشكلات- تأسيسًا عقلانيًا يبدو وكأنه يؤسس بالعقل إلغاء العقل» بوصفها شاهد كفر وردة. 

ولا شك أن القول بخطورة هذا المبدأ الذى يؤسسه الشافعى لا يعنى الردة والكفر، ذلك أن الإمام الشافعى ليس إلهًا ولا نبيًا معصومًا لا يجوز الاختلاف معه أو مع ما يؤسسه من مبادئ إلا إذا كان هناك من يريد أن ينزله هذه المنزلة. 

أما القول بأن ما يؤسسه الشافعى هو المعنى الحرفى للآيتين، فهو مغالطة صريحة ناتجة عن أن بعض الآيات يكون لفظها عامًا بينما مرادها خاصًا، وهو ما يعرف بإطلاق لفظ العموم مع إرادة الخصوص، وهو ما يتطلب ما يعرف فى علم التفسير بتقييد المطلق، ولا شك أن عملية تقييد دلالة مفردة أو كلمة قرآنية، كما هو معروف، يكون محكومًا بالسياق العام للنص القرآنى كله والسياق الخاص للآية التى تحوى الكلمة، وأحد المبادئ الأساسية التى تحكم عملية التفسير هنا أو تقييد الدلالة هو ألا يصطدم التفسير مع هذا السياق العام أو يتناقض مع سياق الآية ذاتها، وهى أمور يعرفها كل دارس نبيه لعلوم التفسير. 

ولا شك أن حمل آية سورة النحل «ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين»، على دلالة العموم والإطلاق هو ما يمثل إساءة صريحة وخطيرة للقرآن، ذلك أن التسليم يحمل عبارة «لكل شىء» على معناها الحرفى، بحيث تعنى أن القرآن يحوى حلولًا لكل المشكلات أو النوازل التى وقعت أو يمكن أن تقع فى الحاضر والمستقبل، هو الذى يضع القرآن موضع الطعن والتشكيك من قبل أى أحد يريد هذا، بل ويعطى فرصة لكل خصم ورافض للقرآن أن يتساءل: أين هو تبيان القرآن لحل مشكلة الانفجار السكانى أو أزمة المواصلات ومشكلة استصلاح الأراضى أو تفشى مرض السرطان، وهى مشكلات دون شك القرآن غير مطالب بتقديم حلول لها، إلا أن حمل الآية على هذا التفسير يفضى إلى هذا المأزق السخيف. 

سابعًا: تجتزئ صحيفة الدعوى كشأنها المستمر عبارة أخرى من سياقها فى كتاب «مفهوم النص» وتوردها بوصفها شاهد كفر، دون أن تشير أى إشارة إلى سياقها أو دلالتها فى موضعها من الكتاب، أو حتى تكلف نفسها عناء إكمالها بما يسبقها أو يلحقها ذلك قصدًا للتمويه والتعمية، والعبارة هى «الإسلام دين عربى»، هكذا توردها الصحيفة متهمة صاحبها بمناقضة آيات القرآن التى تشير إلى أن الإسلام موجه لكل البشر، وهو الأمر الذى لم ينقضه صاحب العبارة بكلمة واحدة أو حرف واحد فى كل ما كتب، ولكن هكذا يكون التشويه واقتطاع الكلام وتحريفه عن مقاصده، وإلا فكيف يدين ويتهم دون تزييف من يريد الإدانة والاتهام من غير بينة. 

والعبارة لا ترد هكذا فى الفراغ، وإنما تأتى فى سياق الحديث عن تحديد مفهوم العروبة، وأن مفهوم العروبة لا يقوم على الجنس أو العرق بمعناه العنصرى، خصوصًا أن النقاء العرقى الخالص وهم، وإنما يقوم فى الأساس على مفهوم الثقافة من لغة ودين وتراث مشترك، والعبارة فى صورتها المكتملة كما هى فى نص الكتاب هكذا «ومن منظور الثقافة فالإسلام دين عربى، بل هو أهم مكونات العروبة وأساسها الحضارى والثقافى»، فالعبارة لا تحتاج أن يترجم عنها أحد، وإنما تشرح نفسها بشكل غاية فى الوضوح لمن أراد أن يفهم، فهى تقول باختصار وبتكرار لما فيها إن الإسلام هو الأساس الثقافى والحضارى للعروبة، وهو ما لا يحتمل لبسًا أو مغالطة. 

ثامنًا: تقتطع صحيفة الدعوى نصًا آخر من كتاب «مفهوم النص» يقول «إن النص فى حقيقته وجوهره منتج ثقافى، والمقصود بذلك أنه تشكل فى الواقع والثقافة خلال فترة تزيد على العشرين عامًا، وإذا كانت هذه الحقيقة تبدو بديهية ومتفقًا عليها، فإن الإيمان بوجود ميتافيزيقى سابق للنص يعود لكى يطمس هذه الحقيقة البديهية ويعكر من ثم إمكانية الفهم العلمى لظاهرة النص، ثم تعقبه بنص آخر مقتطع من بحث «إهدار السياق فى الخطاب الدينى» يقول «يتم فى تأويلات الخطاب الدينى للنصوص الدينية إغفال مستوى أو أكثر من مستويات السياق لحساب الحديث عن نص يفارق النصوص الإنسانية من كل وجه، إن التصورات الأسطورية المرتبطة بوجود أزلى قديم للنص القرآنى فى اللوح المحفوظ باللغة العربية لا تزال تصورات حية فى ثقافتنا، ثم تعلق على النصين بأن المعلن إليه يرى أن إعجاز القرآن بهذا المعنى أسطورة وكونه كلام الله أسطورة. 

وهى صورة أخرى من صور الخلط والتحريف، لأنه لا هذان النصان، ولا سواهما قصد فيهما أن كلام الله أسطورة، وأن إعجاز القرآن أسطورة، وإنما المقصود ببساطة شديدة، وكما يرد مباشرة بعد النص الأول الذى اقتطعته الصحيفة قصدًا للإرباك والتشويش، هو «أن الإيمان بالمصدر الإلهى للنص أمر لا يتعارض مع تحليل النص من خلال فهم الثقافة التى ينتمى إليها»، وهنا ينبغى التنويه بالفرق بين الإيمان بالوجود الميتافيزيقى السابق للنص وبين الإيمان بالمصدر الإلهى للنص، وهو فارق مهم. 

فالإيمان بالوجود الميتافيزيقى السابق هو الذى يدخل فى حيز الأسطورة التى ترد لدى المتصوفة من أن القرآن مكتوب فى اللوح المحفوظ باللغة العربية، وكل حرف من كلماته فى حجم جبل يسمى جبل قاف، وجبل قاف هذا هو جبل أسطورى يحيط بالأرض من كل جهة، وهى تصورات فضلًا عن وجودها لدى المتصوفة فى وعى كثير من العامة. 

القول إذن بأن النصين يعنيان أن إعجاز القرآن أسطورة وأن كلام الله أسطورة ليس سوى ادعاء باطل وفهم مغرض ومتربص، بل إن مقصود النصين على العكس من هذا تمامًا، هو إزاحة وإزالة التصورات الخرافية الضارة حول القرآن والإسلام سعيًا لتنقية العقيدة مما يضيفه بعضهم عليها من تشويش وخرافات، وتأسيسًا لها على دعائم العقل والفهم العلمى السليم، فكيف يكون هذا هو القصد والمسعى ويقلب على هذا النحو الغريب فى فهم المقاصد والنوايا؟ ورأى المؤلف فى إعجاز القرآن موجود بكامله فى الفصل الخاص بالإعجاز فى كتاب «مفهوم النص» لمن يريد أن يفهم فهمًا موضوعيًا. 

تاسعًا: تقول الصحيفة فى القسم الثالث «لم ينف المعلن إليه شيئًا من تكفيره- على كثرته- بل لعله رضى به واستراح إليه، بحسبانه معبرًا عن عقيدته وجوهر فكره، الأمر الذى يرقى إلى الإقرار بما وصم به»، وهو ادعاء آخر صريح يتجاهل الوقائع ويزيف الحقائق، حيث فند المعلن إليه هذه الأباطيل المنسوبة إليه فى مقالين، نشر الأول فى الأخبار بتاريخ ٢٥ يونيو ١٩٩٣، تحت عنوان «أبوزيد يرد على البدراوى» ونشر ثانيهما فى الأهرام بتاريخ ٤ أغسطس ١٩٩٣ تحت عنوان «الإسلام بين الفهم العلمى والاستخدام النفعى»، وللأسف فإن تلك المقالات التى كفرت المعلن إليه كما تشير صحيفة الدعوى، لم تعن نفسها بفهم أعماله وكانت سبًا علنيًا مقذعًا. 

عاشرًا: تنص عريضة الدعوى فى القسم الرابع على أن المعلن إليه قد ارتد عن الإسلام طبقًا لما استقر عليه القضاء وأجمع عليه الفقهاء، تأسيسًا على أن الردة شرعًا هى إتيان المرء بما يخرج عن الإسلام، إما نطقًا أو اعتقادًا أو شكًا ينقل عن الإسلام، ومن أمثلة ما ذكره العلماء جحد شىء من القرآن أو القول بأن محمدًا، صلى الله عليه وسلم، بعث إلى العرب خاصة، أو أنكر كونه مبعوثًا إلى العالمين، أو القول بأن الشريعة لا تصلح للتطبيق فى هذا العصر، أو أن تطبيقها كان سبب تأخر المسلمين، أو أنه لا يصلح المسلمين إلا التخلص من أحكام الشريعة، كما قضى بأن من استخف بشرع النبى، صلى الله عليه وسلم، فقد ارتد بإجماع المسلمين، وحيث إن المعلن إليه لم يقترف أى موجب من تلك الموجبات للردة فى ضوء ما تم توضيحه، فإن هذه الدعوى تكون باطلة شكلًا وموضوعًا. 

الآن المواجهة واضحة، قدم الطرفان حوافظ المستندات، فريق محمد صميدة عبدالصمد وفريق نصر أبوزيد، وبقى أن تقول المحكمة كلمتها. 

غدًا.. المحكمة ترفض دعوى التفريق.. ودعاة التكفير يستأنفون