رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التسرع.. والتأنى


تدور حياتنا في مناح شتي بين إيقاع وإيقاع، أحدهما سريع للغاية وآخر بطىء أو متانٍ، وما بين هذا وذاك قد نبحث عن أنفسنا فلا نجدها لأنها تاهت بين هذا وذاك. لكن من العقل والفطنة أن نقف لنتأمل قليلًا إلى أين نحن ذاهبون؟ 
نعم لقد أخذتنا الحياة بإيقاعها السريع، مؤثرة في تركيبتنا النفسية والشخصية، غير عابئة بحجم التغييرات الخطيرة التي تعصف في داخلنا، فنبدأ بعشق السرعة في كل تفصيل من تفاصيل حياتنا، فنميل إلى الحب الإلكتروني السريع؛ وتثلج صدورنا المحاضرة المختصرة السريعة، ونعشق بناء العلاقات الاجتماعية منزوعة الحواجز ونلهث وراء التخطيط السريع للأهداف والأمنيات، فنُسارع إلى التخلي عن كل هدف يحتاج إلى جهد أو عرق مبذول. ولنبحث هذا الموضوع  من خلال:
أولا: طبيعة الحياة.                           ثانيا: التسرع.
ثالثا: الإبطاء أو التاني.
أولا: طبيعة الحياة:
ليست للحياة قيمة إلا إذا وجدنا فيها شيئًا نناضل من أجله. افحص ماضيك وحاضرك؛ فالحياة مكوّنة من تجارب متتابعة يجب أن يخرج المرء منها منتصرًا. "مصطفى محمود" الحياة كالبيانو هناك أصابع بيضاء وهي السعادة، وهناك أصابع سوداء وهي الحزن. دع الحياة تعيش فيك ولا تقلق إذا قلبت حياتك رأسًا على عقب؛ فكيف يمكنك أن تعرف أنّ الجانب الذي اعتدت عليه أفضل من الجانب الذي سيأتي؟ 
أقوال عن الحياة: لم أجد في الحياة سوى قضيتين أوليتين هما الجمال والحق، أمّا الجمال ففي قلوب المحبين، وأمّا الحق ففي سواعد العمال. "جبران خليل جبران" الحياة دون دين حياة دون مبدأ، والحياة دون مبدأ كمركب دون دفة. "غاندي" وحدها الحياة التي يحياها المرء من أجل الآخرين هي حياة ذات قيمة. 

"أينشتاين" أفقر الناس من عاش بلا أمل أو هدف أو رجاء.. إذا نظرت بعين التفاؤل إلى الوجود رأيت الجمال شائعًا في كل موقع وخلف كل باب، حتى القبح تجد فيه جمالاً لأن الجمال الإلهي  ينعكس على الجميع من دون أن ندري. نجاحك  في الحياه يبدأ في اللحظة التي قررت فيها التوجه إلى هدف ذي قيمة.. الألفاظ  هي سلاح قد يكون فتاكًا، فهي الثياب التي ترتديها أفكارنا.. فيجب ألا تظهر أفكارنا في ثياب رثة بالية بل في أبهي الثياب وأفخرها.  المجادلة ليست أفضل شىء في الحياة فهي سلاح ذو حدين . وبناء على ذلك :لا تجادل بليغًا ولا سفيهًا.. فالبليغ يغلبك، والسفيه يؤذيك. غضب الجاهل في قوله.. وغضب العاقل في فعله. وردة واحدة لإنسان على قيد الحياة  أثمن وأفضل من باقة كاملة على قبره. حاول أن تستمتع في كل الأمور حتى أصعبها. تحرر من سلطة ذاتك ترى الناس والدنيا والسعادة ملك يديك. لا يجب أن تقول كل ما تعرف.. ولكن يجب أن تعرف كل ما تقول. الحكمة وراء كل قول إن لكل مقام مقال.
بعض الناس لديهم من الصفات ما يجعلهم غير قادرين على التحكم فى الأمور، ومن أهم تلك الصفات التى قد تسىء إلى صاحبها أن يكون سريعًا أو أحيانا بشكل سلبي يكون متسرعا فى تفكيره، 
قد يظهر الشخص فى مواقف معينة وكأنه تدفعه الظروف إلي اتخاذ قرار يتطلب السرعة
نحن نتخذ في يومنا الواحد الكثير من القرارات، والتي تظهر فيها روح السرعة لعصرنا، فنميل إلى عمل أشياء عدة في ذات الوقت. ولأن الأمر يبدو معقدًا في إمكانية إتقان كل عمل منها على حدة فإنه قد تجعلنا السرعة نفقد المهارة والإتقان. ووسط هذا الجري بنفس لاهث وفكر عابس قد لا نجني ثمار أي شيء .نحن نخسر الكثير من الفرص والعلاقات والأهداف من جراء السرعة المفرطة أو عدم التيقن مما يجب عمله.
 لكن الأسوا لو تحول هذا الإيقاع السريع إلى أمر شديد السوء هو "التسرع"، فكم من فرصة كانت لتغيِّر حياتنا لولا تسرعنا بالحكم عليها من الظاهر دون الغوص في تفاصيلها، وكم من هدف خسرنا الألق المصاحب له من جراء تسرعنا في بلوغ النتيجة؟
كما يتسرع معظمنا في تصديق الكلام السلبي الذي يُقال في حقنا، وبالنسبة لاختيار شريك الحياة
قد نتسرع فنحكم حسب الشكل الخارجي دون البحث في إيجابياته وسلبياته، كما نتسرَّع في اختيار الوظيفة التي تُعطِينا مردودًا ماديًا دون البحث عما يناسبنا.
ثانيا: التسرع
عند التسرع العقل يود الوصول إلى الحل دون تفكير وقد يتسرع أغلبنا في الحكم على الناس من مظهرهم على سبيل المثال، كما يتسرع معظمنا في جرح الطرف الآخر الذي يحاول استفزازنا أو التقليل من احترامنا. 
ولتعريفه: هو حالة من الاستعجال أو الإنجاز السريع للمهام دون مراعاة الإتقان في النتائج. 
ما هي أشكال التسرع؟
كيف تتعلَّم فن اتخاذ القرارات الصحيحة؟
أو ما هي عواقب التسرُّع؟
1-خسارة الأهداف
لاسيما بعيدة الأمد حيث يرغب في النتائج الفورية والسريعة للمهام التي يقوم بها؛
2-البعد عن القيم
ويترك لغرائزه التحكُّم بردود أفعاله وسلوكياته، فعلى سبيل المثال في حال غضبه من شخص ما؛ يميل الشخص المتسرِّع إلى إلحاق الأذى بالطرف الآخر وجرحه.
3-الندم
من أسوأ الآثار السلبية للتسرع؛ حيث تندم على كل موقف لم تحسن التصرف فيه، وعلى كل علاقة تسرعت في إنهائها، وعلى كل هدف لم تصبر على تنفيذه.
4-الخسارة والكآبة
يشعر الشخص المتسرِّع بمشاعر من الخسارة والكآبة والتشاؤم.
ما هو علاج التسرع؟
1-العقلانية، والتفكير في الأمر: 
العقلانيه تعلي جانب العقل على العاطفة أو الاندفاع المتهور، فمثلا: إن كان الشخص أمام اتخاذ قرار مصيري في حياته وهو قرار الزواج، فلابد ألا يلهث وراء عاطفته فقط. 
2- تقييم القرار:
يفكر ويوازن في القرار من حيث الإيجابيات والسلبيات لكل قرار محتمل أخذه. 
3- التفكير الموضوعي:
على الإنسان المتسرِّع أن يعتاد فصل مشاعره عن الحدث، لكي يقرر قرارًا صحيحًا
بالنسبة للتسرع والتحرك الأهوج دون دراية أو تفكير موضوعي سليم:
نروي قصة حدثت مع السيد المسيح أن شابًا غنيًا أراد التوبة شكليا، فيعيش مستمتعا بنعمة الله التي تشفي كل شرير وبعيد. لكن لأن الشاب كان غنيًا فقد أراد المسيح أن يجري اختبارا عمليا له فهل هو يتمسك بالشركة مع الله أكثر أم باكتناز المال؟ فقال له:
إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي». فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ. فَقَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَعْسُرُ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ! وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنَّ مُرُورَ جَمَل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ! الانجيل بحسب البشير متي إصحاح 19 وإعداد 21-24  (ملكوت الله يقصد به النعيم الأبدي مع الله في السماء- التي قد يطلق عليه الجنة).
فماذا فعل الشاب عندما صدمه السيد المسيح وكأنه يقول له تمهل هل تعرف أي طريق تريد أن تسلك فيه؟ والمسيح كان يعلم أن ما يملأ قلبه ليس حب الله بل حب المال. ماذا فعل ترك طريق الله كلية، حيث   "مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ" هذا الشاب أراد أن يجمع بين حبه لله وحبه المال فهل فكر متانيًا وأدرك أولوياته وهل عرف تبعات قراره؟
ثالثا: الإبطاء أو التاني
إن الإبطاء أو التأني لا يعني الكسل، بل يعني القيام بالشيء وفق السرعة المناسبة، سواء أكان ببطء أو بسرعة هائلة. كما يعني أن نمنح كل لحظة في حياتنا الوقت والانتباه اللذين تستحقانه بدلاً من الجري  غير المبرر والمنهك للقوي الذهنية فنريد اللحاق بموعد محدد فحتـى لو كنا تحت الضغط لحل مشكلة  فلابد أن نلتقط أنفاسنا، ونبحث من جديد في رحلة البحث عن حل مدروس و هناك اقتباس للكاتب كارلسون من كتابه "تمهَّل لتجري مع دبيب (Slowing Down to the Speed of Life)الحياه"
حيث يقول: عندما تتهادى مع سرعة الحياة فإن منظورك للعالم سوف يتغيَّر. سيغدو أبسط وأكثر حيوية. ستدرك أن عديدًا من الأشياء التي كنت تعتقد في السابق أنها أساسيات ما هي إلا أمور غير مهمة. يعيننا العيش مع دبيب الحياة على وضع أولويات حياتنا بطرق أمتع، يمكننــا أن نتعلَّـم الاستمتاع بالرحلة بدلاً من أن تتسمر أعيننا فقط على المحطة الأخيرة.
إن الإبطاء وسيلة للتعافي .لا تقتصر مساوئ السرعة على تأثيراتها في أنماط الحياة المهنية والاجتماعية والعادات الفردية فحسب، بل يصل تأثيرها إلى صحة الإنسان الجسدية والنفسية، فالاستعجال الدائم يزيد من مستوى الضغوط العصبية مما يزيد من مستويات الكورتيزول في الدم. ترتبط هذه الزيادات ارتباطا وثيقا بأمراض ارتفاع ضغط الدم وضعف المناعة والاكتئاب والإرهاق وفقدان السيطرة الشعوري وأمراض أخرى. 
في المقابل يؤدي الإبطاء إلى انخفاض ضغط الدم  ويعيد للمرء اتزانه العاطفي ويجعله أكثر تركيزا وانتباها لما يجري حوله. يزيد الإبطاء من قدرتنا على الاستمتاع بما نفعل والانغماس فيه دون قلق من المستقبل، مما يُحسِّن الحالة المزاجية ويقي من أعراض الاكتئاب.
الوقت الذي نمنحه للأشياء يعكس قيمنا ومبادئنا الراسخه والاصيله فعندما نستعجل في عمل الأشياء ننزع منها قيمتها. لا يمكن للمرء أن يحيا حياة جيده مع كثرة الالتزامات والضغوط. يساعدنا الإبطاء على ترتيب أولوياتنا وتحديد المهام الأنفع. 
مع ذلك، يبقى الإبطاء لدى البعض رهينا بالقدرة  علي التكيف على ذلك لأن ايقاع الحياة أصبح يتسم بالسرعة التي أدت إلى نوع من الإدمان ونمط حياة يصعب تصديقه أو فهمه!!!
في الأسطر التالية نُقدِّم لك بعض النصائح التي ستُعينك حتما على تخفيف سرعتك:
1* تقليل المهام: لا تحمل كل الالتزامات المحشورة في جدولك الضيق الأولوية أو القيمة نفسها. امنح وقتا أكبر للمهام الأولى.
2* اجعل في جدولك اليومي أوقاتا للفراغ لا تُقرِّر فيها سابقا ما الذي ستفعله فيها. 
3* اقضِ وقتا في التأمل والتفكر: قد لا يجد البعض أحيانا متسعا للتفكير في  أمور هامة في حياتهم، ولعل أنسب الأوقات لهذا التفكير هي الأوقات التي تقضيها في تنفيذ مهام روتينية معتادة. 
4* جدِّد صلتك بالطبيعة: لا شيء يمنح المرء الاستقرار والسكينة مثل الطبيعة فالاستمتاع بالطبيعة يخلق نفسا سوية قادرة على مواجهة التحديات. 
5* اجعل لنفسك وقتا تقضيه بعيدا عن وسائل التكنولوجيا: أغلق اتصالك بالإنترنت والموبايل وحاول تناسي هذه الأجهزة المستنزفة طاقات الإنسان وقدرته الإبداعية. أعِد اكتشاف هواياتك القديمة وخصِّص وقتا للاهتمام بأفراد عائلتك وأصدقائك.
في الختام
كن جادا لبلوغ هدفك، ولكن دون تسرُّع أو تهور؛ بل ابقَ محافظًا على عقلانيتك وحكمتك في كل الظروف والمواقف، وكن أنت الماسك بزمام الأمر من بعد الاتكال على الله سبحانه وتعالي. كن الفعل وليس رد الفعل، كن أنت المتحكِّم بانفعالاتك ومشاعرك، فأنت تستحق حياة مستقرة وهادئة وسعيدة، وليس حياة مليئة بالندم والكآبة والخسارات المتراكمة من جراء التسرُّع. عش الحياة جميلة كجمال خالقها وواهبها واحتضنها كأغلي الهدايا.