الأقصر تخاصم مثقفيها!
في الخامس من أبريل الجاري، قبل منتصف رمضان بيوم واحد، كتب السيد حسين القباحي على صفحته بـ"فيسبوك" ما نصه وحرفه: "قبل خمس سنوات، كانت ساحة معبد الأقصر وساحة سيدي أبي الحجاج مفتوحتين ومتاحتين لإقامة معارض الكتب والفعاليات الثقافية المتنوعة.. لكنهما الآن متاحتان فقط لشوادر بيع الأرز والمكرونة والطماطم والخيار وأقلام الرصاص" ا.ه
تعمدت ذكر رمضان الكريم؛ لأنه شهر تتوهج في لياليه الساهرة الطيبة أقمار الأنشطة الثقافية.. غفر الله لها، في الأقصر الرسمية، ورحمها برحمته الواسعة!
السيد حسين اسم رفيع المكانة اجتماعيا وإبداعيا ووظيفيا، وأظنه أشهر من أن أعيد التعريف به هنا، لكن قد يكون من المفيد، لمن فاته ظل الرجل المعتبر أو بعضه، أن أذكر أنه قاهري المولد وأقصري الجذور، أستاذ مادة التاريخ الخبير لفترة طويلة من حياته، والشاعر الكبير المرموق، المنتمي إلى جيل الثمانينيات الشعري في بلادنا، ومدير بيت الشعر بالأقصر، ورئيس مهرجان الأقصر للشعر العربي أيضا، مالئ المدينة الخالدة، من جهته، بالإبداع الأدبي والفني الفياض. القصد هو واحد من الثقات الذين إذا تكلموا وجب الإنصات إليهم؛ ومما يعزز مكانته لدي الناس اشتهاره بالأصالة الصادقة والإنسانيات العالية واتساع الطاقة للقيادة والإصلاح.
كتبت أنا سابقا عن موضوع شبيه بالأقصر، وبوحي من كتابته هو أيضًا، ولا أدري في الحقيقة إلى متى ندور في دائرة مفرغة، ونستغيث ولا نغاث!
الأقصر وما أدراكم ما الأقصر! قبلة العالم في سياحة الآثار، مدينة الشمس، مدينة النور، مدينة الصولجان، مدينة الآلهة، مدينة القصور "من مسمى القصور أطلق عليها العرب اسمها الحالي الشهير، بعد اسميها القديمين وايست وطيبة، نسبة إلى قصور الفراعنة التي ملأتها، ويرجع تأسيس المدينة العريقة إلى عصر الأسرة الرابعة حوالي عام 2575 قبل الميلاد"
أظنهم يعرفون ذلك وأكثر، وأظنني الآن كالمؤذن في مالطا، غير أنني أريد أن أنبههم إلى قيمة اقتران الثقافة بالحضارة القديمة الملهمة، لو أقيمت الأمسيات في ساحة المعبد الفرعوني، وقيمة اقترانها بالتصوف موفور الحب والجمال، لو أقيمت بين يدي مولانا أبي الحجاج، وبلادنا تحتاج إلى هذين الثقلين في السخرية من استهانة المغرورين بها، وهي أم العالم وعلومه يقينا، وفي الاستعانة بالدين الحق على الآخر الباطل في حربها الضروس على الإرهاب البشع الذي لا يزال يسيل دماء أبنائها في أراضيها المباركة!
يليق بالأقصر أن ترعى آمالنا، كما دامت راعية، وبالمثقفين الأقصريين أن يحتضنوا بلدهم العظيم كامل المعنى كما المبني، ويفخروا باتساعه لأفكارهم ويسعدوا بطيرانهم الحر في أجوائه الحميمة على ملأ من الناس بموقعي قبلتين زاهيتين فيه..
صالحوا الأقصر، يا أيها المسئولون هناك، بل ادعوا إليها المثقفين المصريين بقضهم وقضيضهم، بعد محو القبح، ليغنوا، بجوار شيوخها وفي قلب شموخها، غناء لا تزول أصداؤه النافعة!