"كان سجين البيت".. كيف قضى طه حسين العام الأول فى باريس؟
ربما لا يعرف الكثير من القراء عن حياة طه حسين في باريس إلا القليل، سافر طه حسين في بعثة تعليمية، وعلى مدار عام كامل لم يخرج من بيته إلا إلى السوربون، ولم يتذكر أنه خرج من باريس إلى ضاحية من ضواحيها في أيام الراحة مع رفاقه.
كما لم يعرف المقاهي في الحي اللاتيني في خلال هذا العام، والذي كان رفاقه يذهبون إليه، كان زملاؤه من المصريين يذهبون كثيرًا إلى تلك المقاهي، بحسب ما جاء في كتاب "طه الذي رأى أيام ما بعد الأيام" الذي رصد التفاصيل الدقيقة في حياة عميد الأدب العربي.
سجين في باريس
وبعد فترة من الجلوس بمفرده يقرأ الكتب ويتلقى الدروس، وجد نفسه اشتاق إلى ارتياد المسارح والملاهي ومعاهد الموسيقى التي سمع عنها كثيرًا، ولكن لم يكن بإمكانه أن يذهب إليها بمفرده، ولا يريد أن يكلّف غيره من الناس عناء مرافقته وتحمُّل المزيد من النفقات التي تقتضيها تلك المرافقة، وقضى هذا العام كأنه سجينٌ في باريس.
خلال جلسات حسين بمفرده، رافقته ذكريات أبي العلاء المعري التي كانت تلازمه في أحلام اليقظة وفي الفترات التي لا يستمع فيها إلى الدروس.
معاملة خادمة عميد الأدب العربي
وعقب وصوله إلى باريس قامت الجهات المعنية آنذاك بأمر طه حسين بتكليف سيدة تساعده وتقرأ له الكتب، وتصطحبه كلَّ يوم دون أن تلقي عليه كلمة، أو يسمع صوتها.
والغريب أن تلك المرأة تعلم حال عميد الأدب العربي من أنه كفيف، على الرغم من ذلك كانت تعطيه ذراعها صامتةً، وعندما تصل إلى مقاعد الدرس كانت تتركه في مكانه، وتعود إليه بعد انتهاء الدرس، فتصحبه إلى منزله، وتتركه في حجرته، بعد أن تخبرَه أنها ستعود إليه في الموعد الذي تحدّده، حياة صامتة.
المرأة الصامتة
وكأن القدر شاء وخدم طه حسين من رحيل تلك السيدة من حياته، فقد اعتذرت تلك السيدة التي أطلق عليها "المرأة الصامتة" عن مهمتها، إلا أنه لم يفرح بذلك، فقد حلّت محلها سيدة أخرى كثيرة الكلام "ثرثارة"، كان كلامها يؤذيه أكثر من صمت الأولى.
وحال الخادمتين دفعه إلى أن يتعلم حسين كيف يرتدي زي الأوروبيين، بأن يدخل ساقيه في البنطلون، وساعداه في القميص، أمّا ما ضايقه فيه فكان رباط العنق، لذا تولى أخوه عنه تلك المهمة، ولمّا غادره أخوه، تولى صديقه إحضار رابطات عنق جاهزة، حلّتْ تلك المشكلة.
وخلال هذا العام، كانت حياة عميد الأدب العربي مضطربة، ففي أثناء دراسته لم يستوعب دروس التاريخ، إذ لم تتكون له قاعدة في الدروس السابقة تؤهله لفهم تلك الدروس، وكان عليه أن يقرأ دورس المدارس الثانوية التي درسها الطلاب الفرنسيون خلال وجوده في البيت، واختار لنفسه أستاذًا من معلمي المدارس الثانوية ليشرحَ في البيت ما فاته من دروس التاريخ.