رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الثقافة كنز لا ينضب

  هناك حقيقة لا يعرفها الكثيرون، وهى أنه كلما زاد حبنا لأوطاننا، زاد بالضرورة نقدنا لها. ونقد الأوطان من ذوى حسن النوايا، مهم جدًا لتقدم الوطن الذى ينتمون إليه. 
أعرف جيدًا أن هناك الكثير من خبث النوايا، الذى»يصطاد فى الماء العكر»، بهدف تعطيل الوطن، وإبقائه محلك سِر دون نهضة اجتماعية وثقافية. 
 وأنا فى الحقيقة مهتمة بما يحدث فى أحوالنا من الناحية الثقافية. فالثقافة هى كل شىء. هى المفتاح السحرى الذى يسمح لنا بالتقدم والنهضة. 
  الثقافة هى «العقل» المدبر لأوضاع المجتمع، وهى الأساس الذى عليه تُبنى مختلف الانجازات الايجابية. «الثقافة كنز لا ينضب» كلما أوليناها من الاهتمام بما يناسب عصرنا، وتغير الناس، وتغير احتياجات المواطنات والمواطنين، منحتنا الضمانات الكافية لعدم حدوث نكسة أو ردة. 
  من هذا المنطلق، يؤسفنى القول إن أحوالنا الثقافية، ليست على ما يرام، ولا تسر عدوًا، أو حبيبًا، كما يقول المثل الشهير. 
 مصر، من الناحية الثقافية، أكبر بكثير مما هى عليه الآن. وهى تستحق بحكم تاريخها أن تتقدم ثقافيًا، وتكون فى منطقتها حقًا «وردة الأمة العربية». 
 وإذا تكلمنا عن التقدم الثقافى، فلابد أن نتطرق إلى ما يسمى «النخبة الثقافية». المفروض أن هذه النخبة، لأنها «النخبة»، هى التى تقود عملية التقدم الثقافى فى جميع أشكاله، ومراحله. وهى التى تبادر بالاقتراحات والتجديد، وتتابع هل يتم اللازم، أم لا. وهى مطالبة بالرقابة على الكتيبة الثقافية التى تنفذ، بشكل دقيق وجدى. ومن الضرورى أن تمتلك «النخبة الثقافية» خريطة للثقافة، واضحة ومحددة الأهداف. 
  ونحن بالتأكيد، لدينا ما يسمى «النخبة الثقافية». لكننى أجهل الكثير عن هذه النخبة. 
 «النخبة الثقافية»، أهم الناس، الذين يرسمون السياسة الثقافية؟ أم الذين ينفذونها؟ أهم الذين يطلون علينا، كل صباح، من أعمدة؟ 
الصحافة؟ أهم الذين يرأسون المؤسسات الثقافية، ودور النشر؟ 
أهم الذين يتخذون القرارات الثقافية؟ أهم الموظفون فى وزارة؟
الثقافة؟ أهم الذين تتم دعوتهم، لاجتماع الرؤساء؟ وكتابة الدستور؟ 
والظهور على شاشات الإعلام؟ أهم الذين يسافرون، ويعالجون، على 
نفقة الدولة؟ هل هم الذين يوصفون، بالكُتاب الكبار، والشعراء الكبار، 
والأدباء الكبار، والمفكرون الكبار؟ أهم الذين تقام لهم الندوات، فى 
معرض الكِتاب؟ أم هم الذين يحصلون على جوائز الدولة، وأوسمة الدولة؟ 
هل يدخل فى النخبة الثقافية، الممثلون، والمخرجون، والمطربون، 
ورؤساء تحرير الصحف، والمشرفون على صفحات الثقافة، والأدب؟ 
وهل تشمل النخبة الثقافية، الوزراء، والمحافظين، ورؤساء الأحياء، 
والمحليات، والمؤسسات الدينية؟ 
من متابعة دقيقة، لأحوال البلد، وجدت أن «النخبة الثقافية»، 
تعمل لصالح ما أسميه، «الوطن الرسمى»، فى مقابل ما أسميه، 
«الوطن الشعبى»، الذى تخدمه «نخبة» أخرى. 
المهمة الأساسية، للنخبة الثقافية، هى «أبعاد» النخبة التى تحمل 
فى أفكارها، وإبداعاتها المختلفة، «الخميرة» الطازجة، الضرورية، 
لأى تغيير حقيقى، يدعم «الوطن الشعبى». 
  وهذا «الابعاد»، فن فى حد ذاته. وهو يتجدد، ويتلون، وفقًا
لطبيعة، ومعطيات، العصر. ويمكنه أن يتحول، إلى ممارسات، 
فى منتهى العدائية، وفقًا لكل حالة. هذا لا يمنع من وجود «ثوابت»، 
مثل الإقصاء، والتشويه، وعمليات النصب الأدبى، والاحتيال الثقافى، 
والصيد فى الماء العكر.  
 وهذه النخبة الثقافية، نجدها أينما تسطع الشمس. ربما يكون
أفضل «تعريف» للنخبة الثقافية، هو الوجوه التى توجد، فى كل مكان، 
وفى كل المناسبات، وفى كل الاحتفالات، وفى كل الندوات. 
 والنخبة الثقافية، تتزاوج فيما بينها، لتضمن «نقاء» الولاء، فى الأجيال القادمة. 
 إذن تكون المهمة الموكولة، للنخبة الثقافية، عملًا «سياسيًا»، 
فى المقام الأول وليس عملًا «ثقافيًا». 
  إذن لكل «نظام»، «نخبته»، التى ترسخ بقاءه. والنخبة كما
عرفناها فى بلادنا، «عابرة» للأنظمة، لا تعرف تاريخاً، لانتهاء «الصلاحية».   
 إن الثورات تحدث بالتحديد، لإزاحة هذه النخبة. لكننا بعد ثورتين،
أزحنا فقط، رئيس النخبة. لكن النخبة كلها، بلحمها، المتشعب فى
كل الأركان، بقيت دون تغيير جوهرى.. بعد ثورتين، «تلمعت»، أكثر
«الوجوه»  النخبوية، لأنها ارتدت ثوب الثورة، ورددت شعاراتها.
 المعركة مستمرة، بين «الوطن الرسمى»، و«الوطن الشعبى».
ليس فى مصر فقط، ولكن فى العالم بأسره. 
 جولات هذه المعركة، هى قصة «الحرية» الإنسانية، وتاريخ 
«التمرد» الإنسانى. 
إن الثورات التى تكتفى بإزالة رأس الدولة السياسى، ليست ثورة، إنها مجرد البداية. لكن النهر الثورى، لن يستمر فى التدفق، إلا بازالة «النخب الثقافية»، وكل منْ يمثلها، فى جميع مؤسسات الدولة، فى التعليم، والإعلام، والآداب، والفنون، والدين، والرياضة، والتربية، والتشريعات والقوانين، خاصة تلك التى تتناول الأحوال الشخصية، وبناءالأسرة. 
 وأول وأهم شىء، يجب أن يكون فى الأذهان، هو أن هناك فارقًا هائلًا بين تقديم «الأنشطة الثقافية»، وتقديم «الثقافة». وأزعم من تأمل أحوالنا منذ 2013، أننا نقدم «أنشطة ثقافية» مثل إقامة المهرجانات والمعارض والندوات وغيرها من الأشياء المشابهة.
أما تقديم «الثقافة»، فهو تغيير المفاهيم والقيم والتوجهات الفكرية، المعششة فى عقولنا منذ قرون، التى فى جوهرها لم تتغير.
  هل من مستجيب؟. 
من بستان قصائدى 
-------------------------------
                
لا فرح يفرحنى 
لا طعام أشتهيه 
لا ماء يروينى 
لا حزن يحزننى 
لا أفكر فى الصداقة 
والحب يفزعنى 
العمر يكبر 
والحلم يصغر 
أود السفر حيث الفراغ 
وطنى الحقيقى فقدته إلى الأبد 
ألبس انتماءات ليست على مقاسى 
وأخاف من أوهام تخنق أنفاسى 
العقول المختلة والقلوب الباردة 
القلوب المغلقة والنفوس الفاسدة 
تحولنى سريعًا بلا سابق إنذار 
إلى جثة هامدة 
الشاى مُر.. القهوة مُرة 
كل منْ - بلا أغراض أحبنى - 
مات... 
لم يترك إلا بقايا الكفن والذكريات 
والهيكل العظمى لامرأة كانت حُرة.