رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مجمع اللغة العربية.. معجم جديد

أقرّ مجمع اللغة العربية فى القاهرة صحة العديد من الكلمات التى تجرى فى حياتنا اليومية، ومن ذلك كلمة «فيسبوكى» للإشارة إلى الشخص المنتسب للموقع، وجمعها «فسابكة» وأيضًا كلمة «فسبكة»، وكلمات أخرى مثل «تأبيدة» بمعنى الحكم بالسجن مدى الحياة، ونحو خمسين كلمة أخرى كانت تعد عامية مصرية. وفى فبراير هذا العام أقر كلمة «تثاقف» بمعنى تبادل الثقافات. وقد تأسس مجمع اللغة فى ديسمبر عام ١٩٣٢ فى عهد الملك فؤاد الأول، وبدأ عمله فى ١٩٣٤، باسم «مجمع فؤاد الأول للغة العربية» ونص مرسوم إنشائه على أن يكون نصف أعضائه من المصريين، والنصف الآخر من العرب والمستشرقين بهدف الحفاظ على اللغة العربية وإعداد المعاجم، وكان طه حسين رئيسًا له من سنة ١٩٦٣ حتى ١٩٧٣. وأثار إقرار تلك الكلمات الجديدة السؤال عما إن كانت المعاجم الجديدة كفيلة بحل مشكلة المسافة بين العامية والفصحى؟. وهنا يجدر ملاحظة أن النقاش داخل المجمع لإقرار كلمات جديدة- كما يتضح من صفحة المجمع- يسترشد بالتساؤل عما إن كان للكلمة أصل فى اللغة الفصيحة أم لا وإن كانت قد وردت فى معاجم سابقة أم لم ترد. ومعنى ذلك أننا لا ننظر إلى الحياة لكن إلى الكتب والقواميس التى تشكلت لغتها فى حياة سابقة، وبداهة فإن كلمة مثل تليفزيون و«تلفزة» لم ترد فى «مختار الصحاح» ولا «لسان العرب»، ولا كلمة مثل «فيديو» وغيرها مما أسفرت عنه حياتنا المعاصرة المختلفة. وعندما نحاول الحفاظ على لغتنا- وهذا ضرورى للغاية- فإن علينا أن نقوم بإنعاشها بمفردات الحياة الجديدة، كما أن علينا أن نعترف بتلك المفردات لكى تكتسب مشروعية وتدخل إلى معاجم اللغة ويصبح استخدامها سليمًا. من ناحية أخرى فإن مجمع اللغة العربية، مشكورًا، يحاول ملاحقة التطور العلمى والثقافى، لكن المجمع بمفرده لن يتمكن من الحفاظ على اللغة، لأن التعليم هو الجبهة الأولى والثانية والثالثة فى تلك المعركة، فإذا أردنا أن نصون لغتنا وجب علينا أن نعيد النظر فى مناهج تدريس اللغة فى المدارس، خاصة ما يتعلق بالجانب الأدبى، حيث يدرس التلاميذ قصائد من نوع قصيدة النابغة الذبيانى: «أتانى أبيت اللعن أنك لمتنى.. وتلك التى أهتم منها وأنصب»، فيظل التلميذ يلعن الذبيانى والمدرسة واللغة ما تبقى له من عمر، بينما ينبغى لنا أن نبدأ فى المدرسة بقصائد حديثة سهلة تعقبها قصائد الشعر العربى القديم. أيضًا مطلوب أن نعيد النظر فى قواعد النحو العربى الذى جعل اللغة العربية رابع أصعب لغة فى العالم بعد الصينية والكورية واليابانية، وعلى سبيل المثال فإننا ما زلنا نستخدم صيغة المثنى، بينما مرت معظم اللغات بتلك الصيغة ثم شطبت عليها فى تطورها مثلما فعلت اللغة الروسية وغيرها، ولا بأس بالمرة من تشكيل لجنة لمراجعة اللغة الحكومية الخاصة بلافتات الشوارع قبل إجازتها لأن تلك اللافتات أمست قلعة شامخة لأخطاء اللغة العربية. وإلى جانب تعديل مناهج التعليم تتبقى مشكلة وسائل الإعلام والأدب، وقد كتب فى ذلك العميد طه حسين قائلًا: «إحسان العربية يفرض على الكاتب الشاب والشيخ ألا يُذكّر المؤنث ولا يؤنث المذكر.. فإن فعل غير ذلك فليس من الأدب فى شىء.. وإنى ليحزننى أن أقول إن كثيرًا من كتّابنا ومن كتّاب يرون أنفسهم كبارًا يتورطون من هذا كله فى شر عظيم، ولو شئت لضربت لذلك أمثالًا يخجل لها أصحابها من الشيوخ والشباب جميعًا».