رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إمبراطورية الشر على الأرض المقدسة «1».. كيف قضى الجيش على 3 آلاف نفق بتوجيهات الرئيس السيسى؟

خالد عكاشة
خالد عكاشة

- «الدستور» تنشر أجزاءً من أخطر كتاب عن سيناء للعميد خالد عكاشة 

- نشاط الأنفاق زاد بشكل كبير جدًا خلال حكم مرسى والتهريب من وإلى سيناء أصبح متاحًا للجميع

- الأنفاق تحولت من تهريب المواد الغذائية إلى الأسلحة والذخائر برعاية الإخوان والإرهابيين فى «أرض الفيروز»

فى حديثه خلال احتفالية «يوم الشهيد»، تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى، باختصار، حول المؤامرة الكبرى على سيناء، التى بدأت فى عام ٢٠٠٥ تقريبًا وتواصلت خطواتها فى السنوات التالية حتى وصلت إلى فصلها الأخطر فى ٢٨ يناير ٢٠١١، حين هاجم الإرهابيون المدعمون من قوى خارجية كل مراكز الدولة فى شبه الجزيرة وسيطروا على مساحات واسعة من الأراضى، وازداد الأمر سوءًا بعد ذلك، حتى إنهم وصلوا لمرحلة التمكين أثناء عام حكم الإخوان، ثم جاءت ثورة ٣٠ يونيو بالخلاص لمصر ككل ولسيناء بوجه خاص، بجهود رجال الجيش والشرطة والمدنيين من أهالى سيناء.

أما تفاصيل ما جرى على أرض سيناء فى سنوات ما قبل ٢٠١١ فقد كشفها كتاب فى غاية الأهمية لباحث وخبير فذ، وهو أيضًا شاهد عيان على ما جرى، حيث كان يخدم فى موقعه الأمنى هناك إبان هذه الأحداث.

أما الكتاب، الصادر فى عام ٢٠١٥، فهو «سيناء.. أرض المُقدس والمحرم»، للخبير العميد الدكتور خالد عكاشة، الذى قدم إصدارًا يستحق التوقف أمامه كثيرًا.

هنا ننشر فصلًا مهمًا من هذا الكتاب يسلط الضوء على جانب كبير من المؤامرة على سيناء.

عملية نوعية للجيش المصري في سيناء

- تاريخ الأنفاق

فكرة إنشاء الأنفاق استلهمها الفلسطينيون من أنفاق «الفيت كونج» التى حفرها مقاتلو «الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام» خلال حرب فيتنام مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعرفت الأنفاق الفيتنامية التى امتدت على طول ٢٠٠ كم تحت الأرض باسم أنفاق كوشى، وكان أول نفق تم اكتشافه من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلى عام ١٩٨٣م، أى بعد أقل من عام كامل من تطبيق اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام ١٩٨٢م. الأنفاق فى تلك الفترة كانت محدودة، وكانت سلطات الاحتلال تحاول السيطرة عليها ومنعها وهدمها، خوفًا من دخول السلاح لفصائل المقاومة المسلحة، خاصة مع بداية الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧م.

يبلغ طول الشريط الحدودى بين مصر وقطاع غزة من البحر غربًا حتى حدود عام ١٩٦٧م شرقًا تقريبًا ١٣ كيلومترًا، امتدت فيه الأنفاق لتغطى تقريبًا ٨ كيلومترات فقط من هذا الشريط، حيث احتلت المنطقة من تل زعرب غربًا حتى نهاية منطقة الجرادات شرقًا، أى شرق معبر رفح، وهذه المسافة تربتها طينية وهى التى تصلح لحفر الأنفاق بصورة آمنة، ومع بداية الحصار الذى فرض على قطاع غزة من قبل إسرائيل عام ٢٠٠٦م بدأت تنمو وتتوسع ظاهرة الأنفاق برفح بصورة كبيرة، وأصبح يهرب عن طريقها المواد والسلع بأنواعها المختلفة، وكان أشهرها فى البداية المواد الأساسية كـ«الدقيق والأرز والزيت والبقوليات والسجائر» لأن سعرها فى الجانب المصرى رخيص نسبيًا وتدر أرباحًا لا بأس بها، ثم ازداد إنشاء الأنفاق بين عامى ٢٠٠٦ و٢٠٠٧م بعد الغلق المتكرر للمعابر السبعة بين قطاع غزة والضفة ومدن إسرائيل، ليفقد القطاع جميع موارده المعيشية لساكنيه التى كان يستجلبها من تلك الأماكن ومنعت عنه بعد الحصار المشدد الذى تفرضه إسرائيل، وهنا بدأت فكرة التوسع الكبير فى حفر الأنفاق بين قطاع غزة وسيناء كوسيلة للمقاومة، ثم تطور الأمر مع استمرار حصار غزة وغلق المعابر إلى إدارة حماس المباشرة لحفر أنفاق التهريب بين قطاع غزة ومصر، حيث اعتمدت عليها كليًا كوسيلة لحصول أهل القطاع على مستلزمات المعيشة فى وقت غلق المعابر.

نحو 100 قتيل.. الجيش المصري يعلن نتائج عملياته في شمال سيناء - RT Arabic

- كيف تُحفر الأنفاق؟

فى الغالب تكون الأنفاق فى بيوت العائلات التى ترتبط بمصاهرة أو علاقات نسب بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية، ومعظمها يقع على الشريط الحدودى، ثم يتم تحديد سعر البيت الذى سيكون فيه فتحة النفق فى رفح المصرية حسب قربه من الحدود، فمثلًا كلما اقترب البيت من الحدود كان سعره أعلى، فالبيت الذى يقع على بعد ٥٠٠ متر فقط سعره أكبر من ذلك الذى يقع على بعد كيلومتر أو كيلومترين، لكن إجمالًا أقل نفق لا يقل ثمنه المدفوع عن ١٠٠ ألف دولار، وهناك بيوت بها أكثر من نفق حسب موقعها الاستراتيجى بالنسبة لـ«حماس»، ويستغرق بناء النفق المخصص لعبور المواد الغذائية والأفراد من أسبوع إلى ١٥ يومًا، أما النفق المخصص لعبور السيارات فيستغرق حوالى شهر ونصف الشهر.

وتُحفر كل الأنفاق يدويًا من خلال معاول حفر وجراكن لتفريغ الرمل الذى يتم استخراجه، وبالطبع لا يوجد نظام «مجسات»، وفى كل متر يتم حفره تُجرى عملية «تسقيف» بالخشب ليستمر العمل فى المتر الذى يليه وهكذا..، أما البيوت المطلوب حفر أنفاق بها فيقف صاحب البيت على الحدود ويعطيه «علامة» معينة فيبدأ فى التحرك بناء على هذه العلامة للوصول إلى البيت المحدد.

بعد انتهاء الحفر تتم إنارته بالكامل ووضع مراوح للتهوية فى حالة استخدام النفق لعبور الأفراد، بعد الانتهاء من حفر النفق يتم عمل «قطار» عن طريق وضع «موتور» فى بداية النفق وموتور آخر فى نهايته، وبين الموتورين تُوضع «حصيرة خشبية» على شكل أسطوانات أو «حصيرة صاج»، مع وضع حاجز يمنع انزلاق المواد المهربة على يمين ويسار هذه الحصيرة، وتُوضع فوق هذه الحصيرة «براميل بلاستيكية» كبيرة مقسومة نصفين، بحيث يمثل كل نصف منهما وعاءً كبيرًا يحتوى على البضائع، مع ربطها ببعضها البعض بحبال قوية للغاية تمر فى منتصف كل برميل لتعطى فى النهاية شكل «القطار» الموصولة عرباته ببعضها البعض، وعندما تبدأ عملية التهريب يقوم الموتور بدفع الحصيرة من ناحية، والموتور الآخر بسحب الحصيرة من الجهة الأخرى؛ لكى تصل البضائع من سيناء إلى غزة والعكس.

ويكون المسئول عن فتح النفق وغلقه صاحب البيت نفسه ويُطلق عليه «أمين الخط»، وهذا هو المصطلح الذى يُطلق على كل صاحب بيت لديه نفق، ويتلقى الأوامر ويُرسل المعلومات التى يريدها أيضًا من خلال خط موبايل «أورانج» أو «جوال»، وهى خطوط اتصالات إسرائيلية تعمل فى المنطقة الحدودية فقط، يتم تسليمها لكل «أمين خط» ولا تكون له علاقة بشبكة الاتصالات المصرية، أما تحديد المواعيد ونوعية البضاعة فيكون من خلال عمليات التنسيق بينهما، وكل «أمين خط» لديه مجموعة لا تقل عن ٣ - ٤ أفراد من الشباب الصغير تتراوح أعمارهم بين ١٥ و٢٢ سنة هو الذى يتولى توجيههم، ويعمل بعض منهم أيضًا «ناطورًا» على الخط لتأمين عمليات التهريب، ويتم التواصل معه عن طريق أجهزة لاسلكى، كما يحصل كل واحد منهم على ١٥٠- ٢٥٠ جنيهًا فى «النقلة» الواحدة عبر النفق.

اتخذت بعض العائلات التابعة لحركة حماس فى قطاع غزة عملية الحفر كمهنة تقوم بها لحساب أشخاص يتولون توفير المكان مقابل مبالغ مالية تصل إلى عدة آلاف من الدولارات، يحتاج كل نفق إلى عدد من العمال للعمل به، حيث يبلغ عدد العمال بكل نفق من ١٥ إلى ٢٠ عاملًا، يعملون بنظام الورديات كل وردية من ٦ إلى ٨ عمال يعملون على إخراج البضائع والمواد والسلع من الأنفاق، وأغلب العاملين بالأنفاق سواء المشاركون فى الحفر أو أعمال المناولة من الأنفاق يمثلون جميع مدن ومخيمات قطاع غزة، لكن النسبة الكبرى منهم من محافظتى رفح وخان يونس وبينهم نسبة كبيرة من الأطفال وصغار السن، ويبلغ طول النفق من ٣٠٠ متر ويصل أحيانًا إلى ١٥٠٠ متر، وعمق النفق من ٨ أمتار إلى ٣٠ مترًا تحت الأرض، لكن هناك بعض الأنفاق بها نظام «طوابق»، أى تجد نفقًا على عمق ٨ أمتار وتحته نفق على عمق ١٥ مترًا وثالثًا على عمق ٢٠ مترًا.. وهكذا. 

يحتاج كل من يريد حفر نفق إلى رخصة خاصة من بلدية رفح، كما يستلزم على المتوجه لطلب رخصة حفر نفق إلى أن يدفع للبلدية مبلغ ١٠ آلاف دولار، وتذكر التقديرات أن هناك بضع مئات من ملايين الدولارات أدخلتها رفح فى خزانتها فترة رواج هذا النشاط فقط بهذه الطريقة.

الجيش المصري يقتل 23 إرهابياً في سيناء ‹ جريدة الوطن

- صناعة الأنفاق فى غزة

أصحاب الأنفاق دائمًا بالطبع من طبقة الأغنياء أو ممن يملكون رءوس الأموال، فهى تجارة مربحة تدر الأموال والأرباح الطائلة فى أقصى سرعة، فتكلفة النفق الواحد تصل من ٧٠ - ١٠٠ ألف دولار، وفى بعض الأحيان يزيد المبلغ على ذلك، ويوجد بالنفق أكثر من شريك ويدار عبر الأسهم، ويجرى توقيع العقود لدى محامين ومن خلالهم يحدد سعر كل سهم وعدد الشركاء ونظام توزيع الأرباح على المساهمين، وهناك أمين نفق مصرى يشرف على أعمال التهريب، ففتحة النفق فى الجانب المصرى تسمى «عين النفق» ويسمى المشرف عليها «أمين العين»، وهو مصرى الجنسية وفى الغالب من سكان رفح المصرية ويحصل على نصف أرباح النفق، ويتولى الأمين مسئولية هذه العين وإنزال البضائع فيها والمحافظة عليها، ويقدر البعض بأن الاستيراد الشهرى عبر الأنفاق يتراوح بين ٣٥ و٤٠ مليون دولار مع العلم بأنه لا يتم تصدير أى سلعة أو مادة لخارج قطاع غزة، أى أن الاقتصاد فى قطاع غزة استهلاكى، والنقد يخرج من قطاع غزة باتجاه مصر والخارج فقط، وتقدر الأرباح التى يجنيها أصحاب الأنفاق والعاملون بها سنويًا من ٢٠٠ إلى ٣٠٠ مليون دولار.

الجيش المصري: مقتل 8 مسلحين خلال استهداف بؤر إرهابية في شمال سيناء -  20.02.2019, سبوتنيك عربي

- أنواع الأنفاق

هناك أنفاق للبضائع الغذائية وأخرى للسلاح وثالثة للأفراد ورابعة للسيارات، وكل نفق يكون مجهزًا لنوع البضاعة التى تمر منه، حيث لا توجد أنفاق شاملة لمختلف البضائع فى وقت واحد، أما من الناحية الهيكلية للنفق فيمكن تصنيف الأنفاق إلى ٣ أنواع من حيث نوعية الحفر، فهناك أنفاق «عيون، سلالم، مدفونة»، فضلًا عن أنفاق سرية لها تكتيكات خاصة فى التنفيذ لا يعلم عنها أحد شيئًا، وهى مخصصة لقيادات حماس وكوادرها فقط.

«النفق العين» يعنى أنك حينما تصل إلى نهايته يكون هناك كرسى يجلس عليه الأفراد الهاربون عبره ويسحب الكرسى لأعلى بموتور، أما النوع الثانى «سلالم» فإنه ينتهى بسلالم تصعد إلى سطح الأرض على هيئة درجات تشبه نظام المقبرة، أما «النفق المدفون» فهذا لا يظهر أفراده على سطح الأرض أبدًا، بحيث يخرج من النفق إلى مخبأ سرى تحت الأرض أيضًا ويظل مختبئًا.

الأنفاق المخصصة للسلاح عددها الفعلى غير معروف، ولكنها تقدر بالمئات، وحركة حماس وحدها هى التى تحددها إذا كان هذا النفق يصلح لتهريب السلاح أم لا، وهنا تُجرى تحريات مضاعفة من جانب الحركة عن صاحب البيت وعائلته وجيرانه وترصد كيف يتعامل مع الوسط المحيط به، هل يتكلم كثيرًا أم أنه كتوم؟ هل هناك أحد من أفراد عائلته له علاقة بالأمن أم لا؟ فهى فى النهاية أنفاق سرية للغاية.

ويتم حفر النفق فى رفح المصرية وفى الجهة المقابلة تفتح هذه الأنفاق فى أماكن تابعة لقيادات حماس فقط، بمعنى أنها قد تكون مدرسة تابعة لحماس أو مركزًا تابعًا للمخابرات فى حماس، أو ساحة كبيرة تابعة لهم أو سجنًا، كما لا تفتح أيضًا هذه الأنفاق فى أماكن على الحدود فى رفح الفلسطينية، بل يسير بها بعمق كيلو ونصف الكيلو على الأقل إلى ما بعد الحدود للوصول إلى هذه الأماكن المحددة فقط، ومن ثم يتم تفريغ شحنة السلاح وتعبأ فى سيارات «جيب مصفحة تابعة لسلطة حماس»، ثم يتم توزيعها على الأمن الداخلى ومعسكرات التدريب بعد ذلك.

وهناك أنفاق مخصصة لتهريب أسلحة «لكتائب القسام»، وهى تختلف عن الأنفاق المخصصة «لسرايا القدس» التابعة لتنظيم الجهاد الإسلامى، فكل كتائب عسكرية مسلحة لها منفذها الخاص لتهريب السلاح، لكن نشاط الأنفاق بإجماله تحت قيادة حماس.

الجيش المصري يقتل 30 مسلحاً شمالي سيناء (مصدر أمني)

- رسوم التهريب عبر الأنفاق

تختلف الرسوم المحصلة من التهريب حسب نوع المادة المهربة، فتسعيرة تهريب البضاعة ١٠٠٠ دولار، والأفراد ٢٠٠ دولار، أما السلاح فتسعيرة تهريب قطعة السلاح الآلى الواحدة تقدر من ٥٠٠ - ١٠٠٠ دولار، وعند تهريب الأسلحة الثقيلة والصواريخ يصل المقابل المادى إلى مليون دولار.

خلال 5 سنوات من ثورة يناير.. ماذا جرى في مصر؟

- الأنفاق بعد ثورة يناير 2011م

ارتفع عدد الأنفاق من حوالى ١٠٠٠ نفق قبل ثورة يناير ٢٠١١م إلى نحو ٣٠٠٠ نفق فى عام ٢٠١٤م، وخصصت «حركة حماس» منذ ثورة يناير ٢٠١١م - وهو التاريخ الذى شهد توسعًا كبيرًا فى إنشاء الأنفاق وتشغيلها- وحدة خاصة لحفر الأنفاق تابعة مباشرة «لكتائب القسام»، وهى وحدة مستقلة عن بقية تشكيلات القسام، وحسبما رصد بالتقارير الأمنية تُشيّد الوحدة الهندسية التابعة لكتائب القسام كل نفق بأطنان من الأسمنت حتى لا ينهار، ويكون عادة عريضًا إلى حد يسمح بتحرك الأفراد بسهولة، وبعضها مجهز بسكك حديدية خفيفة وعربات نقل سريعة وفتحات جانبية، وتقدر التقارير الأمنية أن حماس تستثمر نحو ١٤٠ مليون دولار فى السنة لحفر الأنفاق تحت الأرض، سواء تلك التى تستعمل لتهريب السلاح من جهة سيناء أو دفعها عكسيًا إليها مصحوبة بالمواد المستخدمة فى صناعة العبوات الناسفة، أو لتنفيذ عمليات نقل كوادر إرهابية تدخل القطاع قادمة من سيناء للتدريب والتأهيل فى معسكرات خان يونس ودير البلح تحت رعاية حماس المباشرة، كما وضع الإشراف على حفر الأنفاق ضمن اختصاصات «بلدية رفح الفلسطينية» التى تديرها حكومة حماس وتراقب بمعرفة الأمن الوطنى المنتشر على الشريط الحدودى التابع لحكومة حماس أيضًا.

وأثناء فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسى التى سميت هناك «ربيع الأنفاق» زاد نشاط الأنفاق بشكل كبير للغاية وأصبح التهريب من وإلى سيناء متاحًا للجميع، وسمح بتهريب كل ما يخطر بالبال بداية من المواد الغذائية، مرورًا بالأفراد والأسلحة والذخائر، وانتهاء بالمخدرات مثل الأفيون والبانجو والحشيش، ولكن من الملاحظ أنه فى ذلك العام كثير من الأنفاق العاملة فى تهريب السلع الغذائية تحولت إلى تهريب الأسلحة ومشتملاتها، وبدأت فى التواصل وخدمة الأنشطة الإرهابية التى انتشرت على أرض سيناء.

أما بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣م فكانت الأنفاق سببًا رئيسيًا فى دخول مختلف الأسلحة لسيناء، فى مقدمتها كل الأسلحة المضادة للطائرات، فضلًا عن الرشاشات الآلية الصينية الصنع، وخزن السلاح الـ«١٤ ونصف، والنصف بوصة»، وبعد فض اعتصامى رابعة والنهضة أصبح يهرب منها السلاح الثقيل «قذائف الهاون- ٣٢ و٨٢ مللى» و«قذائف الآر بى جى» والدانات الخاصة بها، وأيضًا العبوات الناسفة التى تقوم بتصنيعها «كتائب القسام» لكون التنظيمات الإرهابية بسيناء لا تمتلك المواد التفجيرية الخاصة بها، مثل مادة TNT، وأسلحة القنص وM16، وهذه الأسلحة يتم تخزينها فى مخازن خاصة لحين وقت استخدامها فى العمليات الإرهابية.

ثم يتم نقل السلاح المهرب من خلال السيارات المسروقة التى لا تحمل لوحات معدنية، خاصة السيارات الكروز والفيرنا والتايلاندى والإلنترا، حيث تعبأ هذه الأسلحة فى أجولة ثم يتم الخروج بها من منطقة الأنفاق، من خلال طرق خاصة سرية بعيدة تمامًا عن أعين الأجهزة الأمنية.

عند قيام عناصر من غزة بتنفيذ عمليات إرهابية داخل أراضى سيناء يدخلون عبر تلك الأنفاق السرية وفق مواعيد محددة لتنفيذ عملياتهم والعودة مرة أخرى إلى غزة، بمعنى أنه قد يكون أمام العنصر الإرهابى نحو الساعة فقط لدخول سيناء إلى المكان المحدد وتنفيذ العملية والعودة، وبناء على هذا التوقيت يجرى فتح وإغلاق النفق ولا يفتح مرة أخرى إلا مع عملية جديدة، وهم مدربون جيدًا على تنفيذ ذلك كله من خلال تكتيكات عالية جدًا فى الوقت المحدد، وقد بدأوا مبكرًا فى تدريب العناصر التابعة لهم فى سيناء على تنفيذ هذه الخطط والتكتيكات أيضًا.

فى حالات أخرى يتم إرسال عناصر جهادية من سيناء عبر الأنفاق أيضًا إلى «معسكر جباليا» للتدريب؛ لكونه المكان الأكثر أمنًا والأعلى تجهيزًا كى يتم فيه التدريب، وهناك أنفاق سرية تكون فتحتها داخل المعسكر مباشرة أو بالقرب منه، وبعد انتهاء المدة التدريبية تعود تلك العناصر الإرهابية إلى سيناء، من خلال الأنفاق التى تسللت منها.

سيناء 2018".. أحدث عمليات الجيش المصري ضد الإرهاب | سكاي نيوز عربية

- الدولة المصرية تواجه أباطرة الأنفاق

بعد الهجوم الإرهابى على النقطة العسكرية «كرم القواديس» بالشيخ زويد يوم الجمعة ٢٤/١٠/٢٠١٤م، الذى أسفر عن استشهاد ٣٣ جنديًا وضابطًا، اجتمع «مجلس الدفاع الوطنى» فى اليوم التالى، وبعد انعقاده صرح السيد رئيس الجمهورية/ عبدالفتاح السيسى بأنه سيكون هناك حل جذرى لمشاكل المنطقة الحدودية، فى إشارة واضحة للأنفاق بين سيناء وقطاع غزة.

ثم أصدر الرئيس قرارًا جمهوريًا بتحديد المناطق المتاخمة لحدود جمهورية مصر العربية والقواعد المنظمة لها، وذلك بهدف تأمين المناطق المتاخمة للحدود الغربية والجنوبية والشرقية للبلاد، وفيما يخص سيناء نص القرار على الآتى:

أولًا: تتولى القوات المسلحة وحدها مسئولية حراسة الحدود السياسية لجمهورية مصر العربية.

ثانيًا: القواعدالخاصة بالمنطقة الأولى «الممنوعة» المتاخمة للحدود الدولية السياسية على كل الاتجاهات الاستراتيجية لجمهورية مصر العربية كالآتى:

١- يمنع وجود أى أفراد/ عربات أو تحرك أى وسائل انتقال بكل أنواعها وأشكالها «فوق/تحت الأرض» عدا أفراد وعربات ومعدات القوات المسلحة، وذلك بالمنطقة المحددة بالخريطة المرفقة بهذا القرار.

يُستثنى من ذلك الأفراد والعربات التابعة أو العاملة مع أجهزة الأمن والشرطة المدنية، وذلك بموجب تصريح يصدر عن هيئة عمليات القوات المسلحة على أن يحدد به الغرض من الوجود، وتقتصر تحركات الأفراد والعربات المصرح لهم بالوجود فى هذه المنطقة على الأماكن المحددة بالتصريح.

ثالثًا: القواعد الخاصة بالمنطقة الثانية «المحظورة» المتاخمة للحدود الدولية السياسية على كل الاتجاهات الاستراتيجية لجمهورية مصر العربية كالآتى:

١- يحظر الوجود فى المنطقة المحددة بالخريطة المرفقة بهذا القرار على غير أفراد القوات المسلحة والعاملين بالدولة الذين تقتضى أعمالهم الرسمية وجودهم فيها والحائزين على تصاريح من هيئة عمليات القوات المسلحة.

٢- يسمح لأبناء محافظة مرسى مطروح المقيمين إقامة دائمة هم أو أصولهم فى دائرة تلك المحافظة قبل الخامس من يوليو سنة ١٩٦٧م بالوجود فى مدينة السلوم عدا- الهضبة- دون حاجة لتصريح كتابى بذلك اكتفاء بمراجعة تحقيق شخصيتهم.

٣- يسمح لأبناء محافظات «البحر الأحمر- أسوان- الوادى الجديد» المقيمين بها إقامة دائمة قبل ١/١/١٩٨٧م هم أو أصولهم فى دائرة المنطقة بالوجود فيها دون حاجة إلى تصريح كتابى بذلك اكتفاء بمراجعة تحقيق شخصيتهم.

٤- يسمح بوجود الأجانب والمصريين غير المقيمين فى المنطقة المتاخمة المشار إليها بعد الحصول على تصريح من الجهة العسكرية سالفة الذكر.

وكان هذا بداية النهاية لإمبراطورية الأنفاق.