رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرانس 24.. لسان الإرهابيين!

حوار مريب، كاشف وفاضح، أجرته قناة «فرانس ٢٤»، مع الإرهابى أبوعبيدة العنابى، زعيم ما يوصف بـ«تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى»، الذى وضعته الخارجية الأمريكية، فى ٩ سبتمبر ٢٠١٥، على قائمتها للإرهابيين الدوليين، ورصدت سبعة ملايين دولار لمن يدلى بأى معلومات تساعد فى تحديد موقعه، كما أدرجه قرار مجلس الأمن الصادر فى ٢٩ فبراير ٢٠١٦ على قائمة الأمم المتحدة للإرهاب.

الإرهابى الدولى، الذى وصفته القناة الفرنسية الحكومية بـ«القيادى الجزائرى»، يحمل الجنسية الجزائرية، ومعروف أيضًا باسم «يزيد مبارك»، وكان قد بايع زعيم القاعدة أيمن الظواهرى، فور إعلان «تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب» عن اختياره خلفًا لأميره السابق وزعيمه الأول، عبدالمالك دروكدال، الذى قتلته القوات الفرنسية بشمال مالى خلال عملية عسكرية فى يونيو ٢٠٢٠، وقبل ذلك، كان عضوًا فى مجلس شورى التنظيم ورئيسًا لـ«مجلس الأعيان»، و... و... وعليه، لم نجد تفسيرًا لهذا الحوار المريب، غير أن الإعلام الحكومى الفرنسى، قرر أن يكون لسانًا للإرهابيين، بعد أن سبقه إلى ذلك نظراؤه البريطانى والألمانى والقطرى!

الأكثر من ذلك هو أن القناة وصفت مراسلها، الذى أجرى هذا الحوار المريب، الكاشف والفاضح، بأنه خبير فى «الحركات الجهادية» لا «الإرهابية». ولعلك تتذكر أننا سبق أن تناولنا، مرارًا، طبيعة الدور الذى لعبه «ويلعبه» عدد من مراسلى وسائل الإعلام الغربية، والعربية أحيانًا، فى ضوء معلومات ووثائق، كشفت أنهم استغلوا تلك «الصفة» فى جمع معلومات لصالح جهات سياسية، أمنية أو مخابراتية، تستعملها، كما تستعمل هؤلاء «المراسلين»، أيضًا، فى ابتزاز الدول، بالشائعات والأخبار الكاذبة وغيرها من وسائل اللعب القذر.

فى تقرير ترويجى، بشّرت القناة مشاهديها بأن «القيادى الجزائرى» تحدث «فى هذا الحوار النادر»، الذى استغرق التحضير له وإنجازه قرابة عام كامل، عن قضايا إقليمية ودولية عديدة، من التهديدات الإرهابية لفرنسا، إلى الرهينة الفرنسى أوليفييه دوبوا. لكننا لم نجد جديدًا فى الحوار باستثناء إقرار العنابى بأن «القيادات الغربية» تعرف أهداف التنظيم، وتدرك أنه «يركز على القتال فى إفريقيا ولم يجهز لأى عمليات فى الغرب أو على الأراضى الفرنسية». وهنا، تكون الإشارة مهمة إلى أن ذلك «العنابى»، كان قد دعا، فى مقطع فيديو، سنة ٢٠١٣، إلى شن هجمات ضد المصالح الفرنسية فى جميع أنحاء العالم!

لا جديد، أيضًا، فى «هذا الحوار النادر»، بشأن الصحفى الفرنسى، الذى كان يعمل فى مالى، منذ سنة ٢٠١٥، واختطفه التنظيم منذ سنتين تقريبًا. صحيح، أن العنابى أقر، للمرة الأولى، بمسئولية التنظيم عن اختطافه، لكنك فى مقطع فيديو نشره التنظيم فى ٥ مايو ٢٠٢١، ستجد المخطوف نفسه يقول: «أنا أوليفييه دوبوا.. فرنسى.. خطفنى تنظيم القاعدة فى ٨ أبريل». ووقتها، أكدت الخارجية الفرنسية أنها تتواصل مع عائلته وشدّدت على أن «التكتم فى قضايا الاختطاف شرط أساسى لفاعلية عمل الدولة وسلامة المخطوفين». 

قبل أن تنتعش ذاكرتك، وتستدعى نكتة ذلك الذى كان يجلس على كرسى رئيس مصر، وتحدث عن «سلامة الخاطفين والمخطوفين»، نشير إلى أن الحكومة الفرنسية فعلت ما هو أكثر طرافة وغرابة، وسمحت لهذا الإرهابى بأن يظهر على القناة التى تملكها، وتمولها من أموال الفرنسيين، ليبتزها، ويقول بمنتهى الفجاجة إن «الكرة فى ملعبها» وإن عليها أن «تبادر بأى شىء» ليبدأ التفاوض على إطلاق سراح الصحفى الفرنسى، محذرًا من «أى مغامرة للإفراج عنه بالقوة»، ولافتًا، هو الآخر، إلى أنه يتعامل بسرية مع قضايا المخطوفين ولا يتحدث عنها فى وسائل الإعلام، لكنه وافق أن يتطرق للموضوع فى هذا الحوار على سبيل الاستثناء! 

.. وتبقى الإشارة إلى أن هذا الحوار المريب، الكاشف والفاضح، تزامن مع جولة قام بها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى القارة الإفريقية، استمرت لمدة خمسة أيام، وعرض خلالها، وفقًا لبيان أصدرته الرئاسة الفرنسية، استراتيجيته بشأن القارة للسنوات الأربع المقبلة و«المسار الذى سيسلكه» فى ولايته الثانية من أجل تعميق الشراكة بين فرنسا وأوروبا وإفريقيا!