رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كل يوم يزدرون النساء.. إلى متى؟

كل يوم أشاهد إعلانات وبرامج أرضية وفضائية، تتهكم على المرأة، وتتدنى بها إلى عصور البداوة، وأزمنة العبودية، ومفاهيم الرجعية. ولا شيء يردعها أو يحاسبها أو يعاقبها، عقابا رادعا.
حزب الإخوان والسلف والوهابية والبداوة والرجعية، تكتلت فى حلف واحد محكم، لكي "يخربوها ويقعدوا على تلها". فهم يعلمون جيدا أن الازدهار أو الخراب، إنما يبدأ بالمرأة.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن هذا الحزب المتحالف، لديه هوس شديد متجذر من الأصول والجذور، لكل ما يتعلق بالمرأة، ندرك الخطر الذي تحين بصدده، وكيف سيكون الوضع لنصف المجتمع.
إن الأخلاق أو الفضيلة أو الشرف، عند هذا الحزب، هي فقط علاقات المرأة الجنسية بالطرف الآخر.. الرجل منتهى الإهانة والتدني الأخلاقي والحضاري.
كل هذا يحدث، لأن النساء ضعيفات من الناحية الاجتماعية والثقافية والسياسية. ليس لهن صوت جريء يدافع عن جذور التفرقة بينهن وبين الرجال.
وما يزيد الأمر تعقيدا، وصعوبة ووعورة، أن كلمات مثل "حريات النساء"، أو "تحرير المرأة"، لها سمعة سيئة في أذهان مجتمعاتنا العربية. ولذلك نجد أن المطالبات بالعدالة للنساء، تستبدل كلمة "حرية المرأة" بـ"حقوق المرأة". ربما تكون تونس، هي البلد العربي الوحيد الذي اتخذ خطوات فعلية على أرض الواقع، وفي تغيير القوانين والتشريعات التي تكبل حرية الفتاة والمرأة، وليس مجرد كلام وشعارات وأمنيات وخطب في المؤتمرات المحلية والدولية.
وإذا تأملنا جيدا المناخ الثقافي الذي يشهد أحاديث عن تحرير النساء، نجد أن لها تيارين الأول يتهم أصحاب القضية من النساء والرجال بأنهم لا يقيمون اعتبارا للعادات والتقاليد وحسن الأخلاق.
والثاني يأخذ موقف الدفاع عن نواياه الحسنة التي تهدف إلى تحرير النساء، دون المساس بالعادات والتقاليد وحسن الأخلاق.
هذا الجدل لا يثار عند الحديث عن تحرير فئات أو قطاعات أخرى غير النساء، أو عند الحديث عن تحرير الشعوب والأوطان بصفة عامة.

قد يثير تحرير الوطن جدلا سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا، لكنه لا يثير الجدل الأخلاقي الذي يقترن فقط بشكل جوهري بقضية تحرير النساء.
ما هذه الحساسية المفرطة تجاه العادات والتقاليد، وهذا القلق المتضخم والخوف الشديد المزمن على حسن الأخلاق، حين تقترن الحرية بالنساء؟
لماذا لا يرى البعض حرية المرأة إلا مرادفة للانحلال والإباحية وإثارة الفوضى؟
إن التخوفات الأخلاقية المثارة تجعلنا نتساءل، ما العلاقة بين طموح المرأة إلى الحرية والمساواة والعدل، بضياع الأخلاق؟
من مقولات الفيلسوف نيتشه 15 أكتوبر 1844-25 أغسطس 1900، أحد فلاسفتي المفضلين: "إن الأخلاقيات أكثر الوسائل فاعلية لقيادة البشرية من أنفها".
إن الفضيلة أو الأخلاق الحسنة، كما أراها، يجب أن تتناغم مع المنطق ومع اشتياق البشر للعدالة والحرية، في تفاعل مع حركة الحياة المتجددة.
وكذلك فإن العادات والتقاليد الموروثة، ليست سجنا للإنسان الذي صنعها، وهي ليست كلمة نهائية في قاموس الحياة دائمة التغير، لا بد من أن يظل الباب مفتوحا دائما لخلق عادات وتقاليد جديدة، أصلح على مخاطبة طاقات الإنسان واحتياجاته، التي تزداد وعيا.
إن أصحاب الجمود والتزمت يروجون دائما بأن العادات والتقاليد هي بمثابة القوانين الطبيعية التي لا تقبل التغيير. والحياة دائما تكذب هذا المنطق، فهي تأتي على مدى عصورها بتقاليد جديدة.
إن الارتباط العضوي الحصري دائم التكرار بين تحرير المرأة من جهة، والخوف على محاسن الأخلاق والفضائل من جهة أخرى، يعنى عدة أمور.
أولا: يعنى أن المرأة في نظر البعض، ليست إلا الكائن القاصر العاجز عن تمييز السلوك القويم، وأنها الكائن المدنس الذي تحركه غرائزه دون ضابط، وأنها كائن عابث، إذا ترك لحال سبيله فسوف ينشر الفسق والشرور والفتن. وبالتالي هي كائن خطر لأنها تحرض الرجال على ممارسة الرذائل، وتثير فيهم أحقر الشهوات. أحقا النساء بهذه القوة والرجال بهذا الضعف؟. على الرغم وكما يقول جبران خليل جبران 6 يناير 1883-10 أبريل 1931
"على أكتاف النساء قامت الحضارات".
ثانيا: يعنى أن السياق الرئيسي الذي تتحرك فيه أخلاقنا وتقاليدنا هو أساس السياق الغرائزي الجسدي.
وثالثا: هو موقف يدل على عدم توازن فكري، حيث تتضخم أمور معينة شكلية، ويتم تجاهل أمور أخرى جوهرية.
نتساءل، ألا تسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية غير العادلة، لعدد كبير من النساء في المدن والريف، خدشا للعادات والتقاليد، ويمكنها إفساد محاسن الأخلاق، بالانزلاق إلى انحرافات أخلاقية متعددة؟

إن ضياع محاسن الأخلاق، للنساء أو للرجال، هو نتائج غياب الحرية، وليست كما يعتقد البعض من إنتاج مناخ الحرية.
إن الأخطاء التى نرتكبها بحريتنا واختياراتنا المستقلة، أفضل من الأفعال الصائبة المفروضة علينا. 
هذا أعتقد ما قصده ألبرت أينشتين 14 مارس 1879 - 18 أبريل 1955، حين قال: "كل شيء عظيم صنعه إنسان حر". 

إن المرأة الحرة هى الأكثر قدرة على الفعل المسئول الذى ينهض بها وبمجتمعها، وكذلك الرجل الحر هو الأكثر قدرة على التحكم فى غرائزه الهوجاء، التى تؤذيه وتضر بغيره.

لا خوف على الأخلاق والفضيلة من الحرية، وإنما الخوف كل الخوف من الوصايا الأخلاقية التى تُستخدم لخنق أنفاس الحرية، وإرهاب أصحاب قضايا التحرر والتغيير. إن منطق الهجوم على الحريات «خاصة حريات النساء» بدعوى الحفاظ على محاسن الأخلاق، هو منطق ضد محاسن الأخلاق نفسها وضد حركة الحياة.
حدث فى القرن التاسع عشر قيام أحد الناشرين المتشدقين بالفضيلة بطبع مؤلفات كل من موليير ولافونتين وراسين، فى طبعة خاصة "بالعائلات الفاضلات"، لكن المحاولة فشلت، لأن الأفكار التى تعمّد الناشر حذفها حتى لا تفسد أخلاق الناس كانت موجودة سلفًا فى نفوس هؤلاء الناس.

المقصود من الواقعة، أن الذى يتصور فساد الأخلاق لأن النساء يتحررن، إنما تكمن المشكلة فى داخله هو وليس فى التحرر وليس فى النساء، وعليه أن يحل مشكلته بعيدًا عن تقدم الحياة وعن طموح النساء للعدل والحرية. 

إذا كنا نريد عالمًا جديدًا أخلاقيًا، فعلينا تحرير الأخلاق نفسها من السجن الضيق الشكلى غير الأخلاقى الموروث، وعلينا إعادة تعريف الشرف والفضيلة والحرية، وتغيير النظرة إلى المرأة الحرة أو التى تنادى بالتحرر.

ليست هناك قضية مثل قضية تحرير المرأة، تمس جذور المشكلة الأخلاقية، وتكشف عن تناقضاتها وأقنعتها.  

وهنا أقترح تشريع قانون جديد عاجل اسمه قانون "ازدراء الحرية"، الذى يحمى الأفكار المغردة خارج السرب، طالما أنها سلمية، لا تهدد، ولا ترهب ولا تسفك الدم. 
قانون "ازدراء الحرية" سيصنع حائط صد، لمنْ يأكل «عيش»، ليشتغل وصيا علينا، فى آرائنا ومعتقداتنا وإبداعاتنا. يعطل مسيرة النساء الأحرار، والرجال الأحرار والوطن الحر الذى نحلم به. 
الشعب المصرى، لا بد أن يكتب عقدًا اجتماعيًا جديدًا، بينه وبين حب الحرية وضمانها للجميع، كالماء والخبز والصحة والتعليم  والهواء. 
"الحرية" هى مجد الحياة، خلودها هى الصحة النفسية والعضوية، وهى جوهر السعادة والانتماء للوطن.  

لكننى على يقين من أن المؤسسات الدينية، ستقف دون كتابة هذا العقد الاجتماعى الجديد، كما فعلت مع كل تغيير أو تجديد فى مراحلها المختلفة. 
إن الأزهر وقف ضد مبادرة الرئيس السيسى لتوثيق الطلاق الشفهى، ولم يقم منذ 2014 بأى تجديد جوهرى فى الخطاب الدينى كما ناشد رئيس الجمهورية أيضا. وهو يعارض حذف المادة الثانية من الدستور، رغم أن الدول ليست لها أديان، وتقف محايدة أمام جميع الأديان والعقائد. وهو يصر أن مصر دولة إسلامية. وهذا غير صحيح ينطبق وصف الدولة الإسلامية على إيران وأفغانستان، ولكن ليس على مصر المدنية. 

نكرر للمرة المليون، أن نهضة مصر أو أى بلد، تبدأ بنهضة نسائها على جميع المستويات، وبدءا من البيت والتأخر والرجعية والفساد، يبدأ بالتخلف فى النظرة إلى النساء وإلى أوضاعهن، بدءا من قانون الأحوال الشخصية الذى يحكم البيت. 

 

من بستان قصائدي 
شهور وأنا 
أصحو من النوم كل صباح 
لكن الأدق 
أنني أصحو من عدم النوم 
 كل شىء فى بيتى مرتب 
إلا عقلى 
طيور لا أعرف أسماءها تشدو 
إلا قلبى 
رائحة البخور تخفف قليلا من روعى 
رائحة القهوة تعيد ذكريات تبكيها عيونى 
أجد صعوبة فى تحديد تاريخ اليوم 
وأنشغل كيف سأواجه العالم بأعراض جنونى 
أتذكر أن اليوم موعد إرسال القصيدة
كيف أكتب؟ والكلمات هربت من أصابعى 
وقريبا سأعلن اختفاءها فى ظروف غامضة 
فُزعت فلا أحد يحبنى إلا القصيدة