رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سرطان العولمة وحمى الخصخصة


طموح الشعوب فى الانتقال من المحلية إلى العالمية غير مشروع فى ظل العولمة المتوحشة، التى تقف فى وجه أىّ محاولة تقوم فى أىّ جهة تخرج عن نمطية الغرب الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية وعن نموذجها الثقافى والحضارى الذى تقوده مصالح البلدان المتقدمة.

العولمة لا تعنى الانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى والتواصل معها فى حوار وتأثير متبادل سعيا وراء جوّ الإبداع والتطور، وبعيدا عن محاولات طمس هذه الثقافات والنيل من شعوبها، فهذا ضرب من العالمية لا العولمة، لأن العولمة أبرز ما تتميز به لدى الوصف الأول هو أنّ طابعها مهيمن وتوجهها أحادى يفرض نفسه ويمارس التسلط والتعسف على ما هو ذاتى خاص يحرص على إقصائه بدعوى الانفتاح والتكيّف مع ما هو جديد ومع ما تتطلبه حاجات ومصالح العالم وبدعوى أنّ مصلحة أىّ جهة من الجهات مرتبطة بمصالح العالم ، رغم اتجاه العالم صوب الانفتاح الثقافى المبنى على الحوار والتسامح والداعى إلى احترام حقوق الإنسان بما فى ذلك الحريات والحقوق الثقافية، وهى مطالب مدونة فى مواثيق ودساتير الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية، الأمر الذى يعكس النوايا والمقاصد وراء محاولات عولمة الفكر والثقافة والسلوك فى الغرب الأوروبى والأمريكى وعولمة منتجات التقدم الحضارى الحديث والمعاصر، مما يؤكد إرادة الهيمنة والتسلط ونفى الآخر من خلال نفى خصوصياته الثقافية والتاريخية، ومن خلال فرض النمطية الأحادية الثابتة، النمطية الأوروبية الأمريكية الغربية الصهيونية، إلاّ أنّ ما تطمح إليه شعوب العالم هو الارتقاء بثقافاتها وقيّمها الخاصة من الخصوصية الضيقة إلى العالمية الرحبة، وممارسة التلاقح بين خصوصيات عدة للارتقاء بها فى درجات سلم الحوار والإبداع والتواصل والتعاون والأخذ والعطاء وغيرها نحو ما هو كونى عالمى عام، لأنّ الإسلام أكّد الحكمة من وجود التعدد الثقافى وتنوع الأجناس والاختلاف بين الشعوب والقبائل فى الكثير من الجوانب، وهى حكمة الغاية منها التعارف والتواصل والتعاون لا التباعد والتنافر والتناحر والاقتتال، وبقيّم التعارف والتواصل والتعاون تستقيم حياة الناس وتتحقق الغاية القصوى التى لأجلها خلق الله الإنسان وكرّمه أيّما تكريم وفضّله على كثير من مخلوقاته، غاية العبادة والتعبد.

لكن طموح الشعوب فى الانتقال من المحلية إلى العالمية غير مشروع فى ظل العولمة المتوحشة، التى تقف فى وجه أىّ محاولة تقوم فى أىّ جهة تخرج عن نمطية الغرب الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية وعن نموذجها الثقافى والحضارى الذى تقوده مصالح البلدان المتقدمة والذى لا يبالى بغير مصالح هذه البلدان، ويمارس الاختراقية على النماذج الثقافية والحياتية الأخرى متعاليا على كل ما هو مُشرق فى ثقافة الآخرين وفى حياتهم، متباهيا بما لديه بعيدا عن الموضوعية والحياد، الأمر الذى يجعل الآخر يستجيب وينفعل سلبا فى وجه توحش العولمة وشراستها ويطالب بأنسنتها، ليحتل هو الآخر مكانته فى العالم ويكون محل تقدير واحترام ويتسنى له الإسهام الإيجابى فى مجريات الأحداث المختلفة والمساهمة فى البناء الحضارى، لأنّ ظاهرة الاحتكار الحضارى تعسفية تسلطية تتنافى تماما مع روح وجوهر الحضارة والتحضر، وسنن التحضر ذاتها تقصى كل محاولة لاحتكار الحضارة، ومحاولة جعل الحضارة حكرا على جهة ما هو بداية لإقصاء سنن التحضر ولانهيار الحضارة، الحضارة التى لا تقوم إلاّ على اكتمال شروط البناء الحضارى وأهمها الطابع العالمى الأممى للتحضر فى نشأته وفى مشاركة التعدد الثقافى والتنوع الفكرى فى ذلك واستفادة الجميع من منتجاته بعيدا عن الاحتكار والهيمنة التى يمارسها توجه العولمة المعاصر من حيث احتكاره للتقدم العلمى والتكنولوجى ولسائر التقنيات المعاصرة المستخدمة فى كل مجالات الحياة، مستغلا ضعف الآخر ومستخدما هذه التقنيات فى تكريس تبعية هذا الآخر له واستغلال طاقاته البشرية ونهب ممتلكاته وخيراته دون هوادة ومن غير شفقة، هذا الأسلوب فى توجه العولمة يعكس بجلاء خط العولمة الذى لا يراعى البتة أدنى مبادئ وقيم الإنسانية من عدل ومساواة وتعاون وغيرها، انتشرت حمى الخصخصة مرة أخرى فى أرجاء دول العالم، حيث جنت الحكومات فى العام الماضى عائدات بنحو 213 مليار دولار لمبيعات شملت كل شىء تقريباً من الهواتف إلى الموانئ وشركات الغاز. وفاجأت أمريكا العالم بريادتها فى العام الماضى من حيث المبيعات الحكومية بحصدها لنحو 49 مليار دولار من العائدات. ومن المنتظر أن يستمر التوجه ذاته على نحو عالمى فى العام الحالى الذى شهد حتى الآن مبيعات قدرها 150 مليار دولار، مما يشير إلى أن عائدات الخصخصة قريبة من مستوى العام الماضى وهو أعلى رقم حققته الحكومات منذ بدئها بيع الأصول قبل ثلاثة عقود. يعتبر اقتصاد الخصخصة غاية فى البساطة، وهو الخصخصة عند ارتفاع معدل الديون، والتأميم عندما تسمح الأحوال المالية بذلك». ويوجد عدد من الفروقات الخاصة بالانتعاشات السابقة فى عمليات الخصخصة. سياسات الخصخصة وتطبيقاتها فى عدد من الأقطار العربية، التى احتلت وما زالت تحتل مكانة مبالغاً فيها فى سياسات الإصلاح الاقتصادى لهذه الأقطار، على حساب الاهتمام بشئون أكثر تأثيراً فى بناء الاقتصاد وتكوين قواعده الإنتاجية، بل وعلى حساب الاهتمام بالمبرر الأساسى لسياسة الخصخصة، وهو تحرير الأسواق ومكافحة الممارسات الاحتكارية فيها؛ إذ ركزت تلك التطبيقات بدلاً من ذلك على بيع الممتلكات والأصول العامة للقطاع الخاص، وإجراء ذلك أحياناً بإحلال الاحتكار الخاص محل الاحتكار العام، أى فى صورة تتناقض فى الأساس مع الفلسفة الاقتصادية الليبرالية التى تتمّ باسمها تلك التطبيقات. وقد انطوى ذلك الانحراف فى سياسات الإصلاح الاقتصادى على تشجيع لعوامل تزيد من الفساد، أخطرها إضعاف الدولة، ليس من خلال سلبها ملكيتها لمرافقها العامة فحسب، بل أيضاً من خلال تمكين المصالح الخاصة فى قطاع الأعمال من التغوّل على سلطات الدولة، وإضعاف مستوى عنايتها بمصالح الشرائح الأقل حظاً فى المجتمع، وما يعنيه ذلك من توسيع للفوارق بين الحيز العام والحيز الخاص، وجعل إمكانية تحقيق طموحات الشعوب بالحرية والديمقراطية والعيش الكريم، تتراجع إلى أفق زمنى بعيد الأمد.

كانت الدولة قد باعت نفس هذه النسبة من 5 سنوات بحوالى 40 مليون دولار ومن بين عمليات الخصخصة أيضاً فى سنة 1993 تم عرض فندق المريديان للبيع وتبلغ مساحته 21 ألف متر مربع فى موقع نادر فى أقصى الطرف الشمالى لجزيرة المنيل وكان سعر المتر فى هذا الموقع لا يقل عن 30 ألف جنيه فى هذا التوقيت وقيمة الأرض كانت تزيد على 630 مليون جنيه مصرى و185 مليون دولار ولكن تم بيعه إلى أمير سعودى بمبلغ 75 مليون دولار فقط وبالتقسيط أى بنحو 40% عن قيمة الأرض وحدها فضلاً عن أن سعر بيع الفندق ألا يتجاوز قيمة الأرباح الصافية للفندق فى أربع سنوات أما شركة النصر للإسكان والتعمير التى تأسست فى 1959 كشركة قطاع عام وأقطعتها الدولة مئات الملايين من الأراضى بغرض تعمير الضواحى بمدينة نصر وظلت الشركة تقوم بدورها لما يزيد على ثلاثين عاماً وفى منتصف التسعينيات ومع بدء برنامج الخصخصة طرحت الدولة 65% من أسهم الشركة فى البورصة، بالإضافة إلى 10% لاتحاد العاملين فتحولت من شركة تخضع للقانون 159 إلا أن الدولة ظلت صاحبة الحصة الأكبر 35% مما أتاح لها الاستمرار فى تشكيل مجلس إدارة الشركة ورسم سياستها والسيطرة على كنز الأراضى بينما تفرقت الحصة الباقية على أفراد بحصص أقل أنه حتى آواخر 2006 كان للشركة القابضة للتشييد والتعمير 25% ولاتحاد العاملين 10% مما يجعلها أكبر المساهمين بـ 35% وكان معروفاً أن هناك محاولة لتجميع أسهم الأفراد من البورصة بواسطة مجموعة من التحالفات للسيطرة على اتخاذ القرار فى الشركة حيث اشترت شركة بيلتون كابيتال القابضة للاستثمارات بتاريخ 24/12/2006، 4.26% من الأسهم بمبلغ 464 مليون جنيه تزامن ذلك مع رغبة جامحة من وزير الاستثمار لبيع الأصول العامة وتسابق العديد من رؤساء الشركات القابضة والتابعة لإرضائه ومن هذا الإطار بدأ الضغط لبيع جزء من حصة الشركة القابضة للتشييد والتعمير وحذر الكثيرون دون جدوى من أن ذلك سيفقد الدولة السيطرة على القرار الخاص بكنز الأراضى واضطر رئيس شركة مدينة نصر السابق طاهر المغربى إلى تقديم استقالته ورغم كل ذلك وافقت الجمعية العامة للشركة القابضة للتشييد والبناء برئاسة وزير الاستثمار على بيع 10% من حصة الشركة القابضة وباع اتحاد العاملين 5% من أسهمه لتخفيض حصتها معاً إلى 20% فأصبحت شركة بيلتون هى صاحبة الحصة الأكبر والمسيطرة على مجلس الإدارة لأول مرة أى أن الملاك الجدد أصبحوا يتحكمون بمبلغ 464 مليون جنيه فقط فى اتخاذ القرار الخاص بكنز من الأراضى تزيد قيمته على 20 مليار جنيه.

■ أستاذ القانون الدولى