رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العزلة سلاح ضد الخوف.. الوحدة تسمح لنا بالعودة إلى أنفسنا الحقيقية فى ظل الضغوط المتزايدة

العزلة
العزلة

- الإبداع لا يمكن أن يزدهر دون وحدة.. وكلنا فى حاجة للابتعاد عن «السوشيال ميديا» 

دائمًا ما يُنظر إلى الوحدة باعتبارها من الأمور السلبية، لكن فى بعض الأحيان قد تكون وسيلة جيدة للنجاح، الأمر الذى أدركته سارة ميتلاند، الكاتبة وخبيرة التنمية الذاتية، ودفعها لإصدار كتابها: «كيف تكون وحيدًا؟»، والذى سلطت خلاله الضوء على «فوائد» الوحدة والعزلة، وكيفية تسخيرها لتحقيق الأهداف والنجاح.

وقالت «ميتلاند» فى كتابها هذا: «على الرغم من أننا نعيش فى مجتمع يروج للفردانية قبل كل شىء، مجتمع نُظهر فيه جميعًا تفردنا بالوشم والقمصان المصممة ذاتيًا والمدونات الشخصية، ما زلنا نتجنب وندين أولئك الذين يفضلون قضاء وقتهم بمفردهم، بدلًا من البحث عن الفوائد التى يحصلون عليها».

واعتبرت أن «العلاقات جزء من الحياة السعيدة، لكن لم يقل أحد إنه يجب أن تكون اجتماعيًا طوال الوقت، على الرغم من أن هذا هو ما نفترض أنه القاعدة»، مشيرة إلى أن كتاب «كيف تكون وحيدًا؟» يوضح لك أن العزلة لها فوائدها، بل وعنصر حيوى للسعادة.

وأشارت إلى عدة تجارب حقيقية لأشخاص عاشوا فى عزلة واستطاعوا أن يجنوا الفائدة الكاملة، بما فى ذلك التركيز الإبداعى والتعبير عن الذات وتنمية الفردية، من خلال تحليل نظريات علماء النفس البارزين، جنبًا إلى جنب مع أمثلة من حياة المبدعين الأسطوريين مثل هنرى ديفيد ثورو وفيرجينيا وولف.

ورأت الكاتبة أن الوحدة أو العزلة سلاح فتاك ضد الخوف، فهى تجعلك تتصدى لمخاوفك فى المستقبل أو فى وقتك الحالى، خاصة فى الأمور التى تخص العمل أو العلاقات العاطفية والاجتماعية.

وعلى الرغم من أن المجتمع يحكم فى كثير من الأحيان على «المنعزلين» بأنهم «أشخاص غير طبيعيين»، فإننا نتوق جميعًا، على الأقل فى بعض اللحظات التى نكون فيها وحدنا، لتذكر اللحظات السعيدة والفوز ببعض الابتسامات، وتذكر الأوقات الحزينة والتعلم منها.

وشرحت سارة ميتلاند فى كتابها: «قضاء الوقت بمفردنا يسمح لنا بالعودة إلى أنفسنا الحقيقية، ففى ظل الضغوط المتزايدة فى يوم العمل، والتى تتطلب أن نبقى اجتماعيين ونشطين، ونبقى فى تركيز شديد خلال كل دقيقة من كل يوم، نحن لا نُرهق فحسب، بل نفقد أنفسنا ونفقد مسار صوتنا الداخلى، وأهدافنا، وأفكارنا، وأحلامنا التى تعبر عنا».

ورأت أيضًا أن «الإبداع لا يمكن أن يزدهر دون العزلة»، مبينة أن «الافتقار إلى الكتابات النسوية فى عشرينيات القرن الماضى، لا يمكن أن يُعزى إلى نقص الموهبة أو الطموح، بل إلى حقيقة أن معظم النساء يفتقرن إلى المساحة والخصوصية للسماح بإبداعهن أن يزدهر».

وأضافت: «إذا فكرنا للحظة فى الرابط بين العزلة والإبداع، سنجد أن الكثير من النساء فى عشرينيات القرن الماضى كن يتمتعن بالعزلة، الأمر الذى جعلهن أكثر إبداعًا عندما أخذن المساحة فى نشر هذه الأفكار، فأصبحنا نجد الرسامة والفنانة والممثلة اللاتى تغلبن على الكثير من الرجال فى هذا الوقت، وذلك بفضل العزلة التى أسهمت فى تطوير الإبداع لديهن».

وكشفت عن أن «أبسط طريقة للحصول على مزيد من الوقت بمفردك، ومعرفة ما إذا كان يمكنك رؤية فوائد ذلك الفعل، هو التوسع ببطء فى الوقت الذى تحصل عليه بمفردك بالفعل، فعلى سبيل المثال قد تواظب على الجرى أو ركوب الدراجات بشكل منتظم، وهى أنشطة فردية بالفعل، لكن يمكنك أخذ جلسات أكثر أو أطول من تلك الأنشطة».

ونبهت إلى أن «الوقت ليس دائمًا سلاحًا يقتل صاحبه، كلما استطعت أن تروض الوقت فى التمتع بكل ما حولك»، مشيرة إلى أنه «عندما يتعلق الأمر بتحديد مقدار الوقت الذى تحتاجه بمفردك، عليك فقط اكتشاف ما يناسبك وهل سيخدم أهدافك أم لا».

تطرقت الكاتبة سارة ميتلاند أيضًا إلى الفوضى التى تسببها مواقع التواصل الاجتماعى لدى الإنسان، وفوائد فصل التكنولوجيا عن فوضى حياتك اليومية، مقترحة الابتعاد بعض الشىء عن هذه المواقع، والتأمل فى الطبيعة، والاستفادة من سحرها والقوة الكامنة بداخلها، فغمر نفسك فى جمال الطبيعة وهدوئها، هو الطريقة الوحيدة للانفصال والاستمتاع بالعزلة الإيجابية.

وفى فصل آخر من فصول كتاب «كيف تكون وحيدًا؟»، تأخذك «ميتلاند» إلى عالم المنعزلين، وتكشف لماذا يُنظر إلى الأشخاص الذين يقضون الوقت بمفردهم غالبًا على أنهم غريبون أو أنانيون أو حتى غير طبيعيين.

وأجابت الكاتبة عن هذا السؤال بالقول، إن «المجتمع غالبًا ما يخشى الفردية»، مستشهدة بدراسة أجراها الفيلسوف فيليب كوخ فى كتابه Solitude، تبين ردود الأفعال السلبية لمجتمعنا تجاه أولئك الذين يختارون العزلة كنمط حياة نشط.

وشددت على أن «الأشخاص المنعزلين لديهم مستويات مختلفة من التفاعل الاجتماعى الأمثل، ولكن بطريقتهم الخاصة، والتى تتمثل فى عدم التعمق فى حياة الآخرين، الأمر الذى يجعلهم أشخاصًا متميزين».

ونصحت مؤلفة كتاب «كيف تكون وحيدًا؟» بأنه «بسبب وصمة العار التى تحيط بالعزلة، فمن المحتمل جدًا أن يكون لديك بعض المخاوف أو الشكوك حول الانفصال لبعض الوقت عمن حولك، لذا من المهم أولًا تحديد مخاوفك، وأن تكون صادقًا مع نفسك»، كما يجب أن تدرك أيضًا أن هذه المخاوف قد لا تكون دائمًا موجودة فى عقلك، وفى بعض الحالات، قد تظهر على أنها الشعور بأنك ترغب فى أن تكون وحيدًا، ولكن لسبب ما لا يمكنك العثور على الوقت المناسب للدخول فى عزلتك هذه».