رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوم عالمى للقصة القصيرة

احتفل الأدباء والمثقفون فى عدة أقطار عربية باليوم العالمى للقصة القصيرة الذى يوافق ١٤ فبراير من كل عام.

وقد تبلورت الرواية وشقت طريقها من أوائل القرن ١٧ «دون كيخوته ١٦١٥»، بينما ظهرت القصة القصيرة بعد ذلك بنحو مائة وخمسين عامًا، لتقوم بدور فكرى وفنى محدد وتسد احتياجًا خارج طبيعة الرواية، ألا وهو التقاط اللحظات الصغيرة باعتبارها منفذًا إلى العالم.

وبرز فى ذلك المضمار ثلاثة من المؤسسين الكبار أولهم إدجار آلان بو، وثانيهم موباسان الفرنسى، وثالثهم فى نفس المرحلة تقريبًا الروسى أنطون تشيخوف الذى أشاد بدور موباسان فى خلق شكل القصة القصيرة.

عندنا فى العالم العربى تاريخ طويل من السرد، بدءًا من الحكايات الشعبية، والخرافية، والسير الشعبية، وقصص ألف ليلة وليلة، وصولًا إلى المقامات التى بدأها بديع الزمان الهمذانى أواسط القرن التاسع ميلادى، والمقامة بشكل سردى يقدم أحداثًا أو طرائف أو حكاية تنتهى بموعظة، لكنها ليست القصة القصيرة التى ظهرت فى مصر فى عشرينيات القرن العشرين بعد نحو سبعين عامًا من ظهور القصة فى العالم، وكان ظهورها الأول على يدى العبقرى متعدد المواهب محمد تيمور بقصته «فى القطار» عام ١٩١٧.

ثم على أيادى مجموعة المدرسة الحديثة فى الأدب: يحيى حقى، وطاهر لاشين، والأخوين عيسى وشحاتة عبيد، وقد وثّق يحيى حقى تلك التجربة فى كتابه «فجر القصة المصرية»، الفجر الذى كان «حقى» من أهم رواده بدءًا من مجموعته الأولى «دماء وطين» عام ١٩٢٩.

واتصل بعد ذلك تاريخ القصة على أيادى أساتذة كبار منهم توفيق الحكيم، وعبدالقادر المازنى، ومحمود دياب، إلى أن ظهر يوسف إدريس فأقام صرح القصة القصيرة شاهقًا ومتجاوزًا كل البدايات. وأظن مع طبيعة العصر الذى نعيشه أن المستقبل مفتوح بأكمله أمام القصة القصيرة، بصفتها شكلًا موجزًا، ودقيقًا، أثبت على مدى أكثر من قرن قدرته على التعبير والنفاذ إلى الحقائق الكبرى. بهذا الصدد- أى الإيجاز الذى تتميز به القصة- كان أنطون تشيخوف يسخر من الروائيين قائلًا: «إن الرواية عمل النبلاء ممن يتوفر لهم وقت طويل». وبطبيعة الحال لا يمكن وضع الرواية والقصة فى حالة مواجهة، فكل منهما فن مستقل، يؤدى دورًا مختلفًا، وفى الوقت ذاته لا يمكن التهوين من شأن القصة، لأن هناك من القصص القصيرة ما عاش مائة عام بينما توارت خلال ذلك مئات الروايات، ونحن إلى يومنا هذا ما زلنا نقرأ قصة موباسان «القلادة»، وقصة تشيخوف «رسالة إلى جدى»، ومن الأدب المصرى قصة يوسف إدريس «نظرة» وغيرها. تبقى القصة القصيرة عملًا ساحرًا يطارد اللحظات العابرة ليمنحها حياة أطول ومعنى أعمق، وقد انتشرت مؤخرًا «القصة القصيرة جدًا» وهى شكل ليس جديدًا كما يظن البعض فقد كتب فيه كافكا وجابريل جارثيا ماركيز، وأنطون تشيخوف، بل وكتبها أيضًا نجيب محفوظ، وإليكم نموذج قصة «دعابة ذاكرة» تأليف نجيب محفوظ: رأيت شخصًا ذا بطن يسع المحيط، وفم يبتلع الفيل.

فسألته فى ذهول: «من أنت يا سيدى؟!»

فأجابنى باستغراب: «أنا النسيان هل نسيتنى؟!». 

فلنحتفل معًا باليوم العالمى للقصة القصيرة، إنها إنجاز فنى ضخم فى تطور الإنسانية والوعى والفن.