«الدولة الرابعة».. لماذا تهتم إسرائيل بالتطبيع مع السودان؟
اهتمت الصحف العبرية خلال الأسبوعين الأخيرين بالعلاقات بين إسرائيل والسودان، متحدثة عن كون الخرطوم أصبحت مستعدة للتوقيع على «اتفاقيات إبراهيم»، التى تم التوافق عليها قبل عامين بوساطة من الولايات المتحدة، لكن تم تعليقها بسبب عدم الاستقرار الذى شهدته البلاد.
وفى حال تم هذا التوقيع سيكون السودان هو الدولة العربية الرابعة التى تطبع علاقاتها مع إسرائيل فى إطار الاتفاقيات الإبراهيمية، بعد الإمارات والبحرين والمغرب، ما يستدعى النظر فى كواليس هذا الملف، خاصة بعد حديث الإعلام العبرى عن مناقشته فى زيارات مهمة معلنة وغير معلنة بين الخرطوم وتل أبيب.
السلام مع عاصمة «اللاءات الثلاث» مكسب معنوى كبير.. وزيارات متعددة لتمهيد الأجواء قبل توقيع الاتفاق
بعد عامين من الإعلان عن توجهه لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، توقع الإعلام العبرى أن ينضم السودان أخيرًا إلى «اتفاقيات إبراهيم»، التى توسطت فيها الولايات المتحدة، حسب تصريحات لمسئولين إسرائيليين، مع الحديث عن زيارات دبلوماسية معلنة وغير معلنة، تم تفسيرها على أنها زيارات تمهيدية لتهيئة الأجواء المناسبة لتوقيع الاتفاق.
كان السودان قد أعلن فى البداية عن استعداده الانضمام إلى «اتفاقيات إبراهيم»، لكن لاحقًا لم توقع الخرطوم على الاتفاقات الكاملة، وسط خلاف بين القيادة العسكرية والمدنية فى البلاد حول ملف التطبيع مع إسرائيل.
وتحدث الإعلام العبرى عن زيارة غير معلنة لوفد سودانى ضم مسئولين كبارًا فى الحكومة إلى إسرائيل الأسبوع الماضى، فى أعقاب زيارة وزير الخارجية الإسرائيلية، إيلى كوهين إلى الخرطوم فى أوائل فبراير الجارى، واجتماعه مع رئيس مجلس السيادة السودانى، عبدالفتاح البرهان، ووزير الخارجية وآخرين.
وقال «كوهين» إنه استعرض خلال زيارته إلى الخرطوم مسودة اتفاقية السلام بين إسرائيل والسودان، وصرح بعد عودته بأنه من المتوقع أن تتم مراسم توقيع الاتفاقية بعد انتقال السلطة إلى حكومة مدنية. وحسب تقارير لهيئة البث الإسرائيلية «كان» وصحيفة «هآرتس» العبرية، فإن دبلوماسيين أمريكيين أبلغوا نظراءهم الإسرائيليين، خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، إلى المنطقة نهاية الشهر الماضى، أن السودان أصبح مستعدًا لوضع اللمسات الأخيرة على الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم. وقالت التقارير إن اجتماعات عُقدت فى الأسابيع الأخيرة بين مسئولين سودانيين وإسرائيليين، بناءً على دعوة من الولايات المتحدة، ما يمهد الطريق لتوقيع الاتفاق، رغم معارضة عدد من الأحزاب السودانية الأمر، خاصة الأحزاب اليسارية، التى عبر عنها وجدى صالح، المتحدث باسم حزب «البعث العربى الاشتراكى»، بقوله: «نحن ضد التطبيع مع إسرائيل، وسنقاوم ذلك فى الشوارع».
وكان السودان دولة عدو لإسرائيل منذ عام ١٩٤٨، وانضمت ٦ سرايا عسكرية سودانية إلى الجيوش العربية فى حرب ٤٨، وقبل ٥٣ عامًا كان المبدأ السودانى هو «اللاءات الثلاث»، أى «لا سلام.. لا اعتراف.. لا تفاوض»، وهو المبدأ الذى صاغته قمة جامعة الدول العربية التى انعُقدت فى العاصمة السودانية بعد وقت قصير من انتهاء حرب يونيو عام ١٩٦٧. وإذا تم توقيع الاتفاق بين إسرائيل والسودان، فسيشكل ذلك خطوة مهمة لتل أبيب، لأنه ينهى عقودًا من العداء مع الخرطوم، وهو ما يمثل مكسبًا معنويًا فى المقام الأول، لأنه يعنى حدوث تغير واضح فى سياسات الشرق الأوسط، وبداية مرحلة جديدة من العلاقات فى الإقليم، خاصة أن السودان لم يعرف علاقات سرية قوية مع إسرائيل مثل عدد من الدول الأخرى بالمنطقة.
التعاون الأمنى والاقتصادى مقابل الوساطة لدى أمريكا لإزالة الخرطوم من «قوائم الإرهاب الدولية»
يختلف السلام مع السودان عن مثيله مع الإمارات والبحرين، لأنهما لم يكونا فى حالة حرب مع إسرائيل، لذا فإن الاتفاق مع السودان سيكون حقًا اتفاق سلام، جاء بعد فترة طويلة من العداء، وهو ما يشجع على اتفاقيات أخرى مماثلة مع عدد من الدول الإفريقية والإسلامية، حافظت على علاقات جيدة أو ودية أو متقطعة مع إسرائيل، وعلى رأسها موريتانيا وإندونيسيا.
ومن الناحية الجيوسياسية، فإن دولة السودان هى واحدة من كبرى الدول فى إفريقيا، وتمثل جسرًا بين إفريقيا شمال وجنوب الصحراء الكبرى، وبين العرب والأفارقة فى القارة، لذا فإن العلاقة معها تسهم فى جلب مزيد من الدعم الدبلوماسى لإسرائيل فى المحافل الدولية.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن وزير الخارجية الإسرائيلى أعرب عن الرغبة الإسرائيلية فى المساعدة بجهود تطوير السودان فى مختلف المجالات، وعلى رأسها ملفات الأمن، والغذاء، وإدارة الموارد المائية، والزراعة وغيرها.
وقال الإعلام العبرى إن «كوهين» استعرض أمام مسئولين سودانيين خطة مساعدات تركز على عدد من المشاريع وبناء القدرات فى مجالات المساعدة الإنسانية وتنقية المياه والطب، لافتًا إلى أنه من الممكن أن يتطور التعاون بين الخرطوم وتل أبيب إلى درجة إتاحة إجراء رحلات جوية مباشرة وأكثر قصرًا بين إسرائيل ودول إفريقيا وأمريكا الجنوبية، على غرار الرحلات المباشرة مع السعودية والإمارات. ولكون السودان دولة نامية، فإن إسرائيل تعرض تصدير أنواع مختلفة من البضائع إليها لجعلها سوقًا للمنتجات الإسرائيلية، وكذلك تعرض تصدير الخدمات والتكنولوجيا، فى مجالات تحلية المياه، والرعاية الصحية، والطاقة الشمسية، والطاقة البديلة، بالإضافة إلى خبرتها فى مجال الزارعة عمومًا، وفى مجال الزراعة بالمناطق الجافة وتحلية المياه، وهى أمور ضرورية للسودان.
أما من الناحيتين السياسية والعسكرية، وفقًا لتقارير دولية متعددة، فإن الاتفاق مع السودان سيكون مفيدًا لتل أبيب وله تأثير كبير فى إطار المواجهة بين إسرائيل وإيران، لأنه حتى عام ٢٠١٦، كان السودان حليفًا قويًا لإيران، وساعد «طهران» فى تهريب الصواريخ وغيرها من الأسلحة إلى الفصائل الفلسطينية فى غزة، كما أن إسرائيل قصفت وقتها عددًا من المنشآت العسكرية فى السودان بشكل متكرر.
وإلى جانب ذلك، وحسب التقارير الدولية، فإن تطبيع العلاقات فى ظل موقع السودان على البحر الأحمر وعلى طريق تهريب مركزى للبشر والسلاح والبضائع من وإلى شمال إفريقيا، يتيح لإسرائيل تقليل مخاطر وجود العناصر الإيرانية فى إفريقيا، ويسمح بإجراء أنشطة أمنية مشتركة على طول ذلك الطريق، مع منع تهريب الأسلحة وإحباط إقامة قواعد عسكرية لجهات لا ترغب فيها تل أبيب على البحر الأحمر، بالإضافة إلى احتمالات ممارسة الضغوط على السودان لإدراج تنظيم «حزب الله» اللبنانى ضمن قائمة الإرهاب.
وتوقع الإعلام العبرى أن يسمح التطبيع بالتفاهم حول إعادة طالبى العمل السودانيين والأفارقة فى إسرائيل إلى بلادهم، ما يعنى إعادة المئات منهم سنويًا، خاصة فى ظل وجود نحو ٣٨ ألف شخص من طالبى اللجوء من الأفارقة من عدة دول بالقارة السمراء، معظمهم من إريتريا بنسبة ٧٢٪ إلى جانب ٢٠٪ من السودان، وهو ملف كان يسبب الكثير من الأزمات فى ظل محاولات الحكومات الإسرائيلية المختلفة لترحيلهم أكثر من مرة، وفشلها فى ذلك. وإلى جانب كل ذلك، وحسب التقارير الدولية، فإن إسرائيل تعرض على السودان مقابل ملف التطبيع صفقتها الأهم، وهى التوسط لدى الولايات المتحدة لإزالة السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، وشراء الدعم الأمريكى لها خلال الفترة المقبلة. وتشير التقارير إلى أن توقيت الإعلان عن التمهيد للتطبيع تزامن مع إعراب واشنطن، مطلع الشهر الجارى، عن غضبها من الخرطوم، بعد إطلاق السودان سراح عبدالرءوف أبوزيد، أحد المحكوم عليهم بالإعدام فى قضية قتل أحد مسئولى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وسائقه السودانى، بعد تعرضهما لإطلاق النار خلال عودتهما إلى المنزل فى وقت مبكر من صباح الأول من يناير من عام ٢٠٠٨، فى العاصمة السودانية.