رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعادة فهم العاطفة.. أرقى ما نملك

١٤ فبراير هو اليوم الذى يجمع احتفالات العالم حول الحب، وربما يتساءل البعض: هل لدى العالم من طاقة على الحب والاحتفال به وكوكب الأرض غارق فى المشكلات والحروب والزلازل المدمرة، وزيادة استهلاك أدوية الاكتئاب والتعاسة والأمراض المستعصية، والموت الغادر المفاجئ، والتنغيص اليومى من المتاجرين بالأديان، المستثمرين فى البشر، نساء ورجالًا وأطفالًا؟
لكن فى الحقيقة إن المعادلة طردية عكسية، بمعنى أنه كلما غرقنا فى المآسى ازدادت حاجتنا إلى الحب، وبالتالى الاحتفال به.

وقد لاحظت أن عدد الناس الذين يتشككون فى الحب، أو لنكن أكثر رحابة، ونقول يتشككون فى عاطفة الإنسان ووجدان البشر يزدادون، ولا أعتقد أن زيادة عددهم نابعة حقًا من تشككهم فى العاطفة ودورها النبيل فى حياتنا وفى إثراء عقولنا، بقدر ما هو رد فعل عنيف لفشلهم الذاتى فى إيجاد الحب المثمر والعاطفة التى تشبعهم وترويهم وتسعدهم.

فالإنسان امرأة أو رجلًا عندما يفشل فى تنمية الحب والعثور على العاطفة المناسبة له أو لها، فإن أسهل حل هو الكفر بالشىء كليًا ومحاولة نفيه وإلغاؤه، طبعًا والهدف واضح، أن ينسى فشله الخاص، وأن يتفادى الاعتراف بمسئوليته الشخصية فى عدم  عثوره على العاطفة السعيدة.

وأنا لا ألوم مثل هؤلاء الأشخاص، ولا أحاول الحكم عليهم بقدر ما أريد أن أفهم، وأن ألمس أصل الأشياء وجذور الحقيقة، إن أغلب الأغانى والأفلام واللوحات والقصائد وغيرها من الفنون، مستلهمة من الحب بكل عذاباته وحلاوته، وإذا أنكرنا العاطفة الوجدانية التى نسميها الحب بين المرأة والرجل فهذا معناه أننا نزيل أجمل ثمار الحضارة البشرية.
الحب عاطفة ذكية لها عقلها وقاموسها الخاص، وتمتلك أنواعًا فريدة من "الرادارات" التى تلتقط أصغر التفاصيل.
وبالتالى يكون من المنطق ومن الطبيعى أن يأتى الحب أو العطفة الوجدانية لمنْ تتميز قلوبهم بالطيبة والنبل والذكاء والحيوية والشغف العاطفى.
لكن  ما أكثر الناس الذين يحصدون المال والمناصب والشهادات ورضاء الناس، لكن عواطفهم ميتة وقلوبهم باردة غارقون فى الحماقات عطاؤهم شحيح أو منعدم، مشاعرهم خشنة، أحلامهم تخاصم العدالة لا شىء بداخلهم إلا التعصب والفراغ والخواء والأنانية.

على مر العصور يتم "تهميش" دور العواطف بل وتحقيرها، وهذه جريمة أولى، أما الجريمة الثانية فهى الصاق صفة "العاطفية" على المرأة فى اشارة الى أنها هوجاء، مضطربة الانفعالات، كثير من الوظائف ما زالت تُحجب عن المرأة اعتمادًا على أنها عاطفية، لا يمكن الاعتماد على عقلها.
يؤكد الواقع أن العمل الفريد المتميز، هو بالتحديد العمل المتكامل الذى ألف بين العقل والعاطفة، إن الإبداع نفسه بالتعريف الدقيق هو ذاتية الإنسان فى قالب جمالى ممتع.
بمعنى آخر، هو كيفية تحويل ذاتية فرد واحد، ألا وهى ذاتية المبدع إلى عمل يمس ذوات الآخرين.
كما سبق ذكرنا أن جميع أنواع الفنون تُفصل من قماشة العواطف والمشاعر والأحاسيس، وهى تجذبنا وتسحرنا بشكل أكبر وأجمل مليون مرة من المحاضرات والدروس التى عادة تخلو من صوت العواطف.
إن العاطفة السليمة فى العقول السليمة والعقول السوية تثمر العواطف السوية، والحضارة السليمة السوية تحتاج إلى العقل والعاطفة معًا حتى تتوازن، وحتى لا يأتى تطورها كيانًا ماسخًا مشوهًا عاجزًا عن إسعاد البشر كما هو الحال فى عالمنا المعاصر.
أليس من المألوف أن يرضى المحامى بالدفاع عن موكله الذى تتشابك كل الأدلة العقلية المادية لترسله إلى المشنقة وتكون فعلًا قضية خاسرة؟ لكن المحامى يتبنى القضية مفسرًا: "أشعر أن موكلى برىء.. شىء بداخلى ينبئنى أنه لم يرتكب الجريمة".
هذا الشىء الداخلى هو صوت العاطفة السليمة السوية التى لم تكتف بالدلائل العقلية ولديها رأى آخر فى القضية، وفعلًا يجد المحامى بعض التفاصيل المنسية أو بعض التناقضات فى مجرى الأحداث وأقوال شهود الإثبات التى تؤكد صدق عاطفته وتنقذ بريئًا من الإعدام.
وكم من الأبرياء أنقذتهم العواطف بمعن الحب الذى بدونه ينعدم الشغف ونضل الحقيقة ونتوه وسط ضباب لا نهاية له، فالعاطفة الوجدانية أو الحب ليس مطلوبًا فقط بين الرجل والمرأة، ولكنه مطلوب فى كل شىء نفعله حتى يحسه الآخرون ويستفيدون به.
وما أكثر التجارب التى تمر بنا، تجبرنا على الإنصات إلى قلوبنا، إذا كان العقل السليم السوى يقرأ سطور القصيدة، فإن العاطفة السليمة السوية تقرأ ما بين السطور، إذا كان العقل السليم السوى هو الطريق، فالعاطفة السليمة السوية هى الطاقة الإيجابية المشعة التى تضىء هذا الطريق.
والحب، هو تلك الطاقة الإيجابية المشعة التى تفتح كل الأبواب المغلقة والنوافذ الموصدة.
وحين يحتفل العام بـ14 فبراير، فهو يجدد الإيمان برسالة الحب والعطفة الوجدانية فى حياتنا.

من بستان قصائدى 

بعد فوات الأوان
أدركت أنه كان هدية الأقدار
بعد مرارات التعب وطول الانتظار
بعد فوات الأوان
أدركت أنه الشفرة 
التى تفك سر وجودى
وتحل ألغازى وأسرارى 
بعد فوات الأوان 
أدركت أنه كان الحصان الأصيل
انطلق بى إلى برارى الحرية
أنقذنى من وحوش الغابات 
من الأعاصير
وهجمتها العتية  
بعد فوات الأوان 
أدركت أنه الوحيد الذى يشبهنى
دمه من فصيلة دمى ويكملنى
بعد فوات الأوان 
أننى ما خلقت إلا لأبحث عنه 
أحتضنه.. أسعده
أكون عزاءه حينما يتألم 
بعد فوات الأوان 
أدركت وفهمت وأبصرت
كل شىء عنه
كل شىء عنى