تحليل خبر كاذب
مع كل خبر- صحيح أو كاذب- يوجد تحليل.. وأشهر خبر كاذب كان الذى نشره صحفى إسرائيلى على تويتر ويدعى فيه أنه حصل على عقد إدارة شركة إسرائيلية لقناة السويس لمدة ٩٩ عامًا.. لا أحد فى حاجة لتأكيد أن الخبر كاذب.. لأنه كاذب فعلًا.. ولأنه خبر غير معقول.. وغير منطقى.. حتى إنه غير متقن كخبر كاذب من الأساس.. إننا نفهم جميعًا أنه جزء من الدعاية السوداء التى تشنها أجهزة مخابرات بعينها ضد مصر.. وضد الرئيس السيسى شخصيًا.. هذا الخبر إذن «حركة» أو «مكيدة» أو «كذبة» أو «مقلب» سبقته أخبار وحركات وأشخاص وعملاء.. وستتلوه أخبار و«حركات» وأشخاص ومكائد.. ستصنعها أجهزة مخابرات معادية وسيروج لها أشخاص يحملون الجنسية المصرية أو عملاء تم اختيارهم لأنهم مصريون.. وأول درس فى تحليل هذا «الخبر» أن شخص العميل الذى يروج الخبر ليس مهمًا.. إنه مجرد أداة.. عميل.. شخص قابل للبيع.. سيظهر مرة فى صورة مقاول هارب يدعى أن له ماضيًا فى مصر.. أو محامٍ يتعامل مع سبعة أجهزة مخابرات فى وقت واحد.. أو تاجر أقطان غامض ومريب وضعت الأجهزة الأمنية خطًا أحمر تحت اسمه منذ ربع قرن على الأقل وطردته من مصر التى جاءها فى صورة مستثمر أجنبى أو مغترب عائد.. إن أول درس فى تحليل أكذوبة تأجير القناة وما سبقها وما سيتلوها أن العميل ليس مهمًا فى حد ذاته وأنه ليس أكثر من ورقة منديل يتم إلقاؤها فى القمامة بعد استخدامها.. هو ليس شخصًا حقيقيًا لتحبه أو تكرهه أو تهاجمه أو تكذبه.. هو مجرد أداة.. أما الدرس الثانى فهو أن الخبر الكاذب وكل ما يشبهه من أخبار شهادة فى حق الرئيس السيسى.. أن هذا الرجل ذمته نظيفة.. لا يمكن الافتراء عليها.. لن يصدق الناس شائعة تتهمه بالفساد مثل غيره.. حتى الذين يقفون ضده لأنه أضر بمصالحهم يعرفون هذا.. من الصعب فبركة خطاب أو بيان يتهمه فى ذمته المالية لذلك يتم التفكير فى عقد بيع ساذج يقول إنه سيبيع حق انتفاع قناة السويس أو الهرم الأكبر أو السد العالى!! إن هذا يتماشى مع مناخ التخويف من الأزمة الاقتصادية ويبدو مقنعًا أكثر من محاولة اتهام رجل نظيف فى ذمته المالية.. من إيجابيات تحليل الخبر الكاذب أيضًا أنه يقول شيئًا آخر.. من المستحيل اتهام الرئيس السيسى بالتبعية لهذه الدولة أو تلك مثل غيره.. إنه رجل مستقل عن الشرق والغرب عن العرب والعجم.. إن لهذا الاستقلال عشرات الأدلة ومئات البراهين.. إنه وطنى مصرى فقط ولاؤه لمصر ولشعب مصر.. من الصعب جدًا إقناع الناس بعكس هذا.. الناس غاضبون من الأسعار مثلما كان الحال منذ خمسين عامًا تقريبًا.. لكن الحياة تستمر.. الناس لديهم عتاب كبير على السياسات الاقتصادية نعم.. بعضهم لا يفهم جدوى المشروعات القومية نعم.. بعضهم يريد تغيير الحكومة جدًا.. بعضهم متأثر بالدعايات حول سوء الأداء الاقتصادى نعم.. لكن ولا واحد منهم يصدق أن هذا الرئيس غير وطنى ولو بنسبة واحد على مئة فى المئة.. لذلك لا يتم فبركة أخبار فى هذا الاتجاه.. هذه ميزة أخرى من ميزات تحليل هذا الخبر الكاذب والعقد المفبرك على طريقة ألعاب الأطفال.. إن هذا الرجل لا يمكن اتهامه فى ذمته ولا فى وطنيته ولا فى إخلاصه.. لذلك فلتخرج الشائعات فى اتجاه واحد.. المبالغة الهائلة فى آثار الأزمة الاقتصادية.. إخفاء أى مظهر يقول إن الحياة فى مصر مستمرة وإن المصريين يحبون الحياة إذا ما استطاعوا إليها سبيلًا.. نشر آلاف المنشورات الكاذبة عن المعاناة الاقتصادية «المعاناة كانت وستظل موجودة فى مصر وغيرها أبد الدهر».. ثم فبركة أخبار تلعب على وتر تضخيم الأزمة.. الدولة ستبيع قناة السويس.. إلحق.. الدولة ستبيع القناطر الخيرية.. انتبه!! الدولة ستبيع هرم زوسر المدرج!! جرس إنذار!! أكاذيب رخيصة ولكن لها هدف آخر.. إن هدفها أن تغلق الأبواب المنطقية لحل الأزمة!! من المفهوم طبعًا أن هناك هيئات لها مكانة تاريخية وعاطفية وسياسية وأمنية فى قلوب المصريين.. لكن الهدف من هذه الأكاذيب أن ترتعش يد الحكومة فلا تبيع شركة أو قطعة أرض أو مصنعًا يبدو بيعه ضروريًا للخروج من الأزمة.. أنا لا أقول إن البيع شىء جيد أو غير جيد.. أنا فقط أحلل الخبر الكاذب والهدف منه وما وراءه وما سيأتى بعده.. هناك أمر آخر نفهمه مما يحدث فى المنطقة.. هو أن هناك حالة سيولة كبيرة جدًا فى مفهوم العروبة والنظام العربى والأمن القومى العربى.. أعداء الماضى أصبحوا أصدقاء اليوم بالنسبة للبعض.. العدو المشترك لم يعد عدوًا للبعض بل ربما صار صديقًا.. رءوس الحيوانات على أجساد الناس كما كان يقول صلاح عبدالصبور أو رءوس الأعداء على أجساد الأصدقاء كما أقول أنا بتصرف.. فتحسس رأسك أو تحسس عقلك.. أو كما قال.