رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنيسة المصرية.. والميلاد الجديد

في مقال سابق لي بجريدتنا الغراء "الدستور" حول أهمية تفعيل آليات التغيير لمواكبة ما يحدث على الأرض المصرية من إنجازات رائعة، أرى أنه عند الحديث عن التغيير لا يجب أن نتوقف عنده باعتباره فقط يحقق هدف انتقال البشر والوطن من حال إلى حال .. لأنه لو لم يكن ذلك الانتقال بأداء محسوب وفي تحرك ومسيرة ترتكن إلى ركائز تراعي تركيبة المواطن بأنماطه السلوكية وتراثه العظيم وهو الذي من أجله نسعى إلى التغيير وهو المستهدف به، فإن هذا الانتقال قد يُحدث نوعاً من التحول السلبي لا يحقق التطوير والتقدم والتنمية المطلوبة، ولن يضع المواطن وأمته على مضمار السباق بعد مكابدته لمدة عقود حياة رتيبة خارج الحلبة فاقدًا حتى حق الحلم في التغيير ما قبل دولة 30يونيو ..
وفي هذا السياق، ونحن نحتفل بعام ميلادي جديد، وأفراح عيد الميلاد المجيد، أسعدني سعي الكنيسة المصرية في مجال تطوير خطابها الروحي لأتباعها إلى التركيز على الأدوار المأمولة من المواطن فى المجتمع، ونقصد بها التفاعل الاجتماعى، والنشاط الإيجابى، وعدم الانسحاب من الأنشطة العامة في المجتمع من بينها، وكما جاء على لسان أسقف الشباب الأنبا موسى ما يمكن إيجازه في التالي:
أداء الواجب الإنتخابى  بدافع وطني يهدف إلى بناء الوطن، واختيار المرشح الصالح، بغض النظر عن الدين أو الحزب.
الاشتراك الفعال في الأحزاب السياسية... فمع أن الكنيسة لا تشتغل بالسياسة، إلا أنها تشجع أولادها على أداء دورهم الوطني في المجتمع.
الاشتراك فى النقابات المهنية بإيجابية.. وتقديم نموذج طيب للنقابي الإيجابي والموضوعي، الذي يخدم مهنته ومواطنيه..
الاشتراك في اتحادات الطلاب، وعدم الانسحاب منها، لكي تكون فاعلة ومفيدة للمجتمع الطلابي، إذ تقدم خدمتها للجميع، بمحبة إيجابية.
العمل في الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني.. وها هو يتنامى في مصر، بطريقة طيبة ومبشرة ..
إجمالاً.. أن يكون المواطن ( مسلم/ مسيحي) مواطنًا صالحًا يسلك بالانتماء للوطن لا للطائفة.. فالانتماء الطائفي يفرق، وأحيانًا يمزق الوطن، أما الانتماء الوطني فيجمع ويوحّد الكل في محبة مصرنا العزيزة والغالية التى تحتاج إلى مواطنين صالحين، يرفعون شعار المواطنة التي فيها يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات.
إن الجيل الرقمي لديه وسائل كثيرة للتفاعل الاجتماعي ومن خلال إمكانات الإنترنت والتكنولوجيا، ومواقع الفيسبوك وغيرها يستطيع أن يستثمرها حسنًا لبناء الجماعة الوطنية في محبة ووحدة وتآلف. 
ومعلوم أن كل ما سبق من مناشدات للمواطن لكي نعيش حلم التغيير وتحقيق دولة المواطنة قد أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ الأيام الأولى لتوليه مهام منصبه، فقد طالب بلجاجة تغيير الخطاب الإعلامي والثقافي والديني.. لقد ناشد مؤسساتنا الدينية إعادة صياغة رسائلها للمواطن في الداخل والخارج.. وإلى حد وصف المأمول من التغيير بأنه يمثل ثورة يطالبهم بتفجيرها، وحذرهم من يوم الحساب عندما يُسألوا عن تقصير أو تلكؤ أو إهمال في تحقيق الإصلاح والتغيير .. 
التغيير والإصلاح والتجديد والتحديث والتطوير والنهضة والصحوة والثورة وإعادة الهندسة وإعادة البناء وإعادة الصياغة.. وغيرها الكثير من المصطلحات الفكرية والعلمية وأحياناً "الحنجورية" التي تطالعنا عبر كل وسائل الإعلام تستصرخ أولي الأمر منا أن افعلوا أي شيء وكل شيء من أجل تغيير ملامح الواقع الرتيب والمخيف أيضاً، وصولاً إلى واقع الحياة التي ينبغي أن يعيشها البشر لتحقيق ما اتقق على تسميته “جودة الحياة”..
تجدر الإشارة إلى أن السيد المسيح قد أحدث وقاد ثورة للتغيير والاصلاح‏،‏ ثورة في التفكير والتدبير، ‏ وفي إرساء المفاهيم السليمة للقيم، إلا أن تعاطينا وتعاملنا مع قضايا المجتمع الآنية لا يمكن أن تكون بنفس السبل وآليات إيقاع تنفيذها ما كان في زمن الأجداد أو حتى الآباء.. وهنا تكمن أولى إشكاليات التغيير فنحن في أحيان كثيرة وعند تعاملنا مع القضايا الجوهرية التي تحتاج إلى إحداث تغيير نتبع نفس الخطوات التقليدية النمطية غير مدركين قوانين ومعطيات العصر ومنجزاته التي قد تتيح لنا حلولاً عبقرية تعبر بنا رتابة وبلادة أزمنة الأمية والتخلف.. 
في هذا الصدد، نتذكر قول قداسة البابا شنودة الثالث في إحدى عظاته أن السيد المسيح كان وديعًا،‏ وكان أيضًا شجاعًا،‏ يستخدم الوداعة حين تحسن الوداعة،‏ ويستخدم الشجاعة حين تلزم الشجاعة‏، وقيل عنه إنه لايخاصم ولا يصيح،‏ ولا يسمع أحد في الشوارع صوته،‏ قصبة مرضوضة لايقصف،‏ وفتيلة مدخنة لايطفئ ‏.. (‏ مت‏12:20,19)، ولكنه كان جريئًا في الحق،‏ لايجامل فيه أحدًا، يقف إلي جوار الحق والقدسية بكل قوة في هيبة واقتدار، لما وجد اليهود لايتصرفون بما يليق بكرامة الهيكل،‏ قام بتطهير الهيكل بكل حزم‏، أخرج كل الذين كانوا يبيعون فيه ويشترون‏، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام، وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يُدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص « مت‏21:13,12»، ولما وجد قادة الدين في أيامه من الكتبة والفريسيين يحملون الناس في تعليمهم أحمالًا عسرة الحمل،‏ انتهرهم وقال لهم‏:‏ الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون،‏ لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس،‏ فلا دخلتم أنتم ولا جعلتم الداخلين يدخلون «مت‏23:13»،‏ في هذا الإطار أرى أهمية ما قاله نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب في ضرورة التغيير.. قال "أن يكون التغيير شاملًا للكيان الإنساني كله وقادرًا على الاستمرار حتى إلى الخلود.. فما قيمة تغيير يصيب الجسد والمادة والزمن فقط، ولا يقود إلى تغيير الفكر والنفس والروح، ويقود إلى حياة أبدية؟!.. من هنا جاء السيد المسيح بشعار أفضل وأكمل وأشمل.. لخصه لنا بولس الرسول بقوله "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم".