رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملايين تامر حسنى

قابلت تامر حسنى مرة واحدة فى حياتى.. كان مجرد شاب بسيط جدًا فى العشرين من عمره.. جاء لمقابلة زميل فى الصحيفة الخاصة التى كنت أعمل بها.. لم يكن الناس قد عرفوه بعد.. لم يكن قدّم شيئًا سوى مجموعة أغنيات صدرت فى ألبوم مشترك مع شيرين التى كانت جديدة هى الأخرى.. والتف شباب تلك الأيام حول تامر وشيرين. 

لم يكن الشاب الذى قال وقتها إنه من أسرة بسيطة.. وإن والده الذى يعيش بعيدًا عنه من عشاق الموسيقى.. ربما قال أيضًا إنه مطرب سابق لا أذكر.. كل ما أذكره ذلك الحماس الذى كان يتحدث به الفتى لزميلنا فى قسم الفن.. ذلك التحدى وتلك الشراسة والأحلام التى هى بغير حدود.. كانت الساحة تسمح بقبول جيل جديد.. وهناك منتجون يعملون فى عالم الموسيقى والسينما.. هناك فوضى أيضًا فى الساحة لكن هناك عملًا كثيرًا.. عدد مهول من الشركات تقدم أصواتًا جديدة كل يوم.. أشفقت على الشاب الذى لم يكن يملك صوتًا كبيرًا من وجهة نظرى مثل تلك الأصوات التى أعرفها.. لكنه يملك إصرارًا غريبًا على النجاح والوصول.. 

انتهى الحوار الذى نشرته جريدة «صوت الأمة» مطلع عام ٢٠٠١، وراح الفتى يتنقل من أغنية إلى أخرى.. ومن تجربة إلى أخرى.. ومن نجاح إلى آخر حتى صار نجمًا فى وقت قصير ينافس نجم ذلك الجيل عمرو دياب.. وفى كل مرة يخرج الشاب ليتحدث عن أحلامه وعن منافسيه وأساتذته بأدب شديد ثم يمضى، حتى وقع فى فخ الشهرة والمال والنجومية وتورط فى إحدى القضايا التى كانت كفيلة بأن تقضى عليه بصحبة زميله هيثم شاكر.. وقتها تصور أن ذلك القطار الجامح قد يتعطل خاصة أنه سيغيب لمدة عام ويزيد.. فى الوقت الذى يخرج فيه للناس كل يوم نجم جديد.. فهذه البلاد حمالة وولادة ولا تتوقف عن الطرح.. وخيّب تامر ظن الجميع وخرج من كبوته سالمًا.. وراح يتجاوز مشكلته وما وضعه البعض فى طريقه من عثرات.. وشائعات وضعته دومًا فى صراع مع عمرو دياب وجمهوره من ناحية ومع شيرين، زميلته، من ناحيه أخرى ومع ظروف إنتاجية تغيرت كثيرًا. 

لم أقترب من الفتى وعالمه أبدًا.. لكننى كنت أراقب قفزاته.. رغبته فى اكتشاف نفسه كملحن يصنع لنفسه وبعض أقرانه موسيقى غير مزعجة.. لكنها تشبه قفزاته السريعة ذاتها.. ومع أصوات مختلفة تمامًا عن شخصيته وصوته مثل بهاء سلطان.. ونجح تامر فى أن يصنع شخصيته.. كمطرب وملحن.. ثم قفز إلى عالم التمثيل ليحتل نفس المساحة التى كان يحتلها حسن يوسف الولد الشقى خفيف الدم.. مساحات أخرى أضافها تامر لتجربته وأرقام جديدة فى عالم الموسيقى والسينما.. صار اسمًا كبيرًا حتى إن إحدى القنوات قدمت برنامجًا عن رحلته التى لم تكن كبيرة.. الكبار تراجعوا ولم يستطع المقاومة منهم سوى الحجار ومنير.. وكلاهما يعتبره تامر أستاذًا له.. وخرج الجيل التالى من الساحة واحدًا تلو الآخر وأكثرهم نجاحًا فى عالم السينما محمد فواد ومصطفى قمر.. واحتل تامر كل هذه المساحات الخالية، حتى إنه قرر أن يصبح مخرجًا لفيلمه الجديد.. بعد أن جرّب تجربة الإنتاج من قبل.. جرّب الفتى كل شىء فى المساحة التى يحبها.. يكتب كلمات أغنياته ويلحنها ويلحن للآخرين.. يمثل فى السينما والتليفزيون.. ينتج ويخرج أفلامه.. وصل إلى ما كان يتحدث عنه من مكان بعيد جدًا. 

لا أخفى فرحى بنجاح الفتى الذى لا أعرفه.. لكنه نموذج للمصرى الذى لا يتوقف عن الحلم والقفز إلى بعيد ومتى أُتيحت له الفرصة.. يتعلم ويتعلم ويبدع.. لست بصدد تحليل موسيقى لأغانى تامر.. ولا تحليل اجتماعى لمن يسمعه ويشاهد أفلامه.. لكننى قرأت التقرير الأخير الذى أصدرته جهة موثوق بها فى الرياض عن الأفلام العربية والعالمية التى عرضت فى المملكة خلال العام الماضى، ومن بينها أربعة أفلام مصرية فى المراكز الأولى.. وأولها الفيلم الذى أخرجه تامر حسنى لنفسه، والذى حقق ملايين المشاهدات فى دور السينما هناك وحقق ما يقترب من ٥٩ مليون ريال.

هذه الأرقام تقول باختصار إن من يتحدثون عن سحب السجادة من تحت أقدامنا يتحدثون عن وهم.. فالسجادة نفسها مصرية لو كنتم تعلمون.. وتقول أيضًا إن السينما والموسيقى فى بلادنا أمن ثقافى قومى.. لا يجب أن نتركه للصدفة.. والأهم عندى أن تجربة تامر الذى يحصد الملايين والمحبة والنجاح معًا ولا يتوقف عن القفز ستتكرر مع شباب مصريين قادمين فى قادم الأيام.. ذلك أننا وكما يقول عمى وشيخى فواد حداد.. الدنيا تحب الجناينى يعيش.. الدنيا تحب هؤلاء الذين يتمسكون بأحلامهم على طريقة الفتى تامر حسنى.