رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التغيير للتطوير.. إرادة وطن

عندما نتحدث عن التغيير لا يجب أن نتوقف عنده باعتبار أنه فقط يمثل انتقال البشر والوطن من حال إلى حال .. لأنه لو لم يكن ذلك الانتقال بأداء محسوب وفي تحرك ومسيرة ترتكن إلى ركائز تراعي تركيبة المواطن بأنماطه السلوكية وتراثه التليد وهو الذي من أجله نسعى إلى التغيير وهو المستهدف به ، فإن هذا الانتقال قد يُحدث نوعاً من التحول السلبي لا يحقق التطوير والتقدم والتنمية ولن يضع المواطن وأمته على مضمار السباق بعد مكابدته حياة رتيبة خارج الحلبة فاقدًا حتى حق الحلم في التغيير ، فالأجدى هو التوجه المباشر نحو مواقع الخلل والوهن والركود والسلبية ـ وهي لم تعد غائبة عن أحد ـ والتعامل معها بموضوعية على أن يكون ذلك بإرادة حقيقية تمتلك قوة الاقتحام بفاعلية لتسقط معاقل لهياكل ونماذج سلبية لتطبيقات بيروقراطية وتكنوقراطية تجاوزها الزمن وأصبحت في ذمة التاريخ ..
إن أي تغيير عشوائي انتقائي مزاجي سوف يُحدث نوعًا من الفوضى وسيتوه بنا عن الأهداف بل وسوف يكرس عددًا من المفاهيم السلبية المرضية التي قد تؤدي بدورها إلى الانحراف والفساد .. فعلى سبيل المثال عندما تم التحول في النظام الاقتصادي من نظام انغلاقي اعتمد آليات لدعم المنتجات الخاسرة والتوظيف غير المرشد وغيرها من صنوف الولاية التي ينتفي معها الحافز على العمل والإنتاج والإجادة ويتشابه فيها البشر كصور منسوخة إلى نظام انفتاحي اعتمد العمل بآليات السوق ومعطيات العرض والطلب والانخراط في السوق العالمي الكبير .. عندما تم هذا التحول بشكل فوضوي دونما تحديد لأهداف هذا التغيير وعدم وجود رؤية استراتيجية محددة تستهدف نتائج بعينها يراد تحقيقها للوطن والمواطن .. فإن التغيير قد أتى بنتائج عكسية بالغة السوء شهدناها واكتوينا بآثارها وأطلقنا عليها الانفتاح الاستهلاكي ، فكان التأميم السلطوي الغير مرشد والتحول إلى خصخصة غير مرشدة !!
والبشر كأحياء خلقها المولى سبحانه وتعالى تتحرك وتنمو وتسعى وتعمل وتكد وتتقلد المواقع والمناصب وتتبادلها وتسلمها عبر الأجيال .. وهذه كلها أفعال وأنشطة متغيرة تتبدل حالها من آن إلى آن ومن مكان إلى آخر ومن واقع إنساني وحضاري إلى واقع مغاير ومن بيئة نوعية إلى أخرى لا تشبهها .. وهكذا فالتغيير سمة حياتية فطرية لا تغادرنا مادمنا أحياء .. وهو أيضاً ضرورة حتمية للأفراد والمجتمعات فرضتها ظروف تغير وتبدل الأزمنة والأوقات والأحوال نظرًا لتنامي احتياجات الناس وأعدادهم وطموحاتهم المتنوعة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتفاعلهم مع حضارات وثقافات شعوب الدنيا بعد أن صار العالم قرية كونية صغيرة .. 
ولهذا فإن تعاطينا وتعاملنا مع قضايا المجتمع الآنية لا يمكن أن تكون بنفس السبل وآليات إيقاع تنفيذها كما كان في زمن الأجداد أو حتى الآباء .. وهنا تكمن أولى إشكاليات التغيير فنحن في أحيان كثيرة وعند تعاملنا مع القضايا الجوهرية التي تحتاج إلى إحداث تغيير نتبع نفس الخطوات التقليدية والكلاسيكية النمطية التي تم تجاوزها حتى على المستوى الإقليمي ، غير مدركين لأهمية التشابك الإيجابي مع قوانين ومعطيات العصر ومنجزاته التي قد تتيح لنا حلولًا عبقرية تعبر بنا رتابة وبلادة أزمنة الأمية والتخلف .. 
والأمر الأغرب ، وفي أحيان كثيرة ـ للأسف ـ يبدو أننا نستحدث ونضيف خطوات أشد تعقيدًا قد تعود لمتخذ قرار ارتعشت يده ، أو آخر يرى الأمر من وجهة نظر الموظف التقليدي ممثل السلطة فيجد في السلطوية جاهً ومكانة ونفوذًا فيطيب له البطش والقهر .. أو ثالث نال مكانة وموقعاً قياديًا بقدرات هائلة من التسلق والانتهازية فصارت قراراته وأفعاله وإنجازاته لصالحه فقط ولمن أولوه الثقة وأهدوه الكرسي ، ورابع وخامس وسادس من باتوا يمثلون أنماطًا متخلفة من رجال الإدارة ومن بيدهم صناعة واتخاذ القرار ومسئولية متابعته .. 
وتبدو هذه الإشكالية المحبطة لإحداث تغيير أو تطوير في الاتجاه الإيجابي في ظاهرها أنها تقتصر على البعد الإداري .. ولكن واقع الحال يشير إلى أبعاد أخرى حاكمة ساهمت في تشكيل ملامح الشخصية المصرية كالظروف التاريخية والتأثيرات الفولكلورية والتراثية بل وكل الأحوال البيئية والمناخية التي أحاطت بالمواطن عبر المراحل التاريخية المختلفة ومن خلال الأطياف الفكرية والثقافية والتراثية التي تعامل معها ..
وعليه ، لابد أن يعزز الخطاب الإعلامي والثقافي ويعتمد فلسفة المواجهة بشفافية وبمعرفية حقيقية لإمكانياتنا لتحقيق التغيير دونما تهوين أو تهويل من خلال قراءة جيدة لواقعنا وتصحيح المفاهيم المتخلفة لبعض الموروثات الفولكلورية وتأمين أسباب تحقيق التنافسية على أسس موضوعية وعلمية ، والأهم تحديد أولويات لذلك الخطاب الإعلامي وكفانا تخصيص ساعات طويلة من البث لمتابعة وملاحقة نجوم الفن والرياضة في حوارات غثة وبشعة حول ماذا يأكلون ؟ وكيف يعيشون ؟ وكيف ترعرعوا ؟!! بينما تراجعت المحاولات الجادة لمتابعة العلماء في مختبراتهم ومحاورة رجال الفكر المستنيرين من قبل وسائل إعلام يمارس تشغيلها من لهم وجهة نظر وليس مندوبين لبث الأخبار وإقامة حوارات غير حرفية الأداء  فيضعون ضيوفهم في حرج من شدة تفاهة وعقم الحوار .. وحين تتوافر الحقائق والمعلومات للمواطن ونجالسه عبر أجهزة الإعلام نقترب من تشكيل رأي عام حقيقي يستطيع أن يساهم في صنع التغيير الحقيقي ..
إن التغيير لا يأتي عبر سطور على ورق أو كلام نردده عبر ميكروفونات إنما من خلال عمل على أرض الواقع والاندفاع في اتجاه التعمير والانتاج والإبداع  بإرادة واعية وإدارة مدركة  لأهمية إحداث التحول وضرورة السعي نحو تحقيق واقع أفضل بإيقاع عصري  ..
ولعل النهج الجديد الذي التزمت به دولة 30 يونيو ومؤسساتها في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي التي تميزت بتجاوز فكرة الإعلان عن وضع حجر الأساس في احتفاليات طقسية كلاسيكية إلى مشاهد احتفاليات فرح بافتتاح إنجازات على أرض الواقع مباشرة ، هو خيرمثال ونموذج للتغيير والتطوير عبر الارتكاز على خطط إنجاز زمنية وقياسات جودة ونظم إدارية علمية وعملية تستجيب لإرادة مصرية لتحقيق حلم وطن عظيم.