رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كاثوليك مصر يحيون ذكرى القديس بطرس كانيسيـوس الكاهـن ومعلم الكنيسـة

الكنيسة
الكنيسة

تحتفل الكنيسة الكاثوليكية في مصر بعيد القديس بطرس كانيسيـوس الكاهـن ومعلم الكنيسـة، ووفقاً لدراسة قام بها الأب وليم عبدالمسيح سعيد على إثر الاحتفالات، فولد بطرس كانيسيوس فى بلدة " نيميج " فى هولندا يوم 8 مايو عام 1521م . كان أبوه جياكومو عمدة البلدة . درس القانون الكنسي فى بلجيكا والقانون المدني فى ألمانيا تعرف خلال دراسته على كتاب " الرياضات الروحية " للقديس أغناطيوس دي لويولا ، فكان له أثراً بالغاً على حياته ، وقرر الانضمام إلى الرهبنة اليسوعية ، حيث درس الفلسفة واللاهوت ثم رسم كاهناً . أرسل إلى ألمانيا ، فعمل بالوعظ والكتابة لتأييد الإيمان الكاثوليكي وحمايته من الأخطاء التى وقعت بها جماعات " الإصلاح اللوثري " آنذاك. 

أمضى القديس بيار كانيسيوس قسماً كبيراً من حياته في معاشرة الأشخاص الأكثر أهمية في زمانه على الصعيد الاجتماعي، وترك أثراً استثنائياً من خلال مؤلفاته. نشر المؤلفات الكاملة للقديس كيرلس الإسكندري والقديس لاوون الكبير، ورسائل القديس إيرونيموس، وصلوات القديس نيكولا دو فلو. كما نشر كتباً للعبادة بلغات عدة، وسير العديد من القديسين السويسريين، والنصوص الإرشادية. لكن مؤلفاته الأكثر انتشاراً كانت التعاليم الثلاث التي كتبها بين عامي 1555 و1558. كان التعليم الأول موجهاً إلى الطلاب القادرين على فهم المبادئ اللاهوتية العامة؛ والثاني إلى الشباب من أجل تربية دينية أولية؛ والثالث إلى الشباب الذين أتموا تنشئة مدرسية في المرحلتين الثانوية والعالية. كانت العقيدة الكاثوليكية معروضة باختصار على شكل أسئلة وأجوبة في مصطلحات بيبلية، بوضوح كبير ومن دون جدل. في حياته فقط، أُحصيت 200 طبعة عن هذا التعليم! وتتالت مئات النسخات حتى القرن العشرين. وبالتالي في ألمانيا، كان جيل والدي ما يزال يسمي التعليم بـ “الكانيسيوس”. إنه حقاً معلم القرون لأنه كوّن إيمان الناس خلال قرون.

إحدى مميزات القديس بيار كانيسيوس هي القدرة على جمع الأمانة للمبادئ العقائدية مع الاحترام الواجب للأفراد. لقد ميز القديس كانيسيوس بين الارتداد الواعي والمذنب عن الإيمان، وفقدان الإيمان غير المذنب، بسبب الظروف. وأعلن أمام روما أن معظم الألمان الذين انضموا إلى البروتستانتية لم يكونوا مذنبين. وفي مرحلة تاريخية من التناقضات الطائفية، كان يتلافى – بشكل استثنائي – القسوة وخطاب الغضب – مما يعتبر نادراً، كما ذكرت، في أزمنة الجدل بين المسيحيين –، وكان يتطلع فقط إلى إظهار الجذور الروحية وإعادة إحياء الإيمان في الكنيسة. هذه هي القضية التي خدمها اطلاعه الواسع على الكتب المقدسة وعلى آباء الكنيسة: هذه هي المعرفة التي كانت ترتكز إليها علاقته الشخصية مع الله، والروحانية المتقشفة المنبثقة عن الورع الحديث والصوفية الراينلاندية.

تتسم روحانية القديس كانيسيوس بصداقة شخصية عميقة مع يسوع. يكتب مثلاً في يومياته في 4 سبتمبر 1549 متحدثاً مع الرب: “في النهاية، وكما لو كنت تفتح لي قلب الجسد الكلي القداسة، الذي بدا لي كأنني أراه أمامي، طلبت مني أن أشرب من هذا النبع، داعياً إياني إذا جاز التعبير إلى استقاء مياه خلاصي من ينابيعك، يا مخلصي”. من ثم يرى المخلص يعطيه ثوباً من ثلاثة أقسام تسمى السلام والمحبة والمثابرة. وبهذا اللباس المؤلف من السلام والمحبة والمثابرة، أنجز كانيسيوس عمله على تجديد الكثلكة. إن صداقته مع يسوع – التي تشكل محور شخصيته – التي تغذت من محبة الكتاب المقدس، من محبة السر المقدس، من محبة الآباء، هذه الصداقة كانت بوضوح متحدة مع الإدراك بأنه في الكنيسة مكمّل مهمة الرسل. وهذا يذكرنا بأن كل مبشر حقيقي هو دوماً أداة موحدة مع يسوع وكنيسته، وهذا ما يجعله مثمراً.

كان القديس بيار كانيسيوس قد نمى الصداقة مع يسوع في الأجواء الروحية للدير الشارتري في كولونيا، حيث كان على صلة وثيقة مع متصوفين شارتريين اثنين هما جوهان لانسبيرغر، المسمى “لانسبيرغيوس” باللاتينية، ونيكولاس فان هيشي، المسمى إسكيوس باللاتينية. عمق لاحقاً تجربة هذه الصداقة، ، بالتأمل في أسرار حياة يسوع التي تشكل جزءاً كبيراً من تمارين القديس اغناطيوس الروحية. هنا تحديداً يكمن أساس تعبده الشديد لقلب الرب، الذي يبلغ ذروته في تكريس ذاته للخدمة الرسولية في البازيليك الفاتيكانية.

في روحانية القديس بيار كانيسيوس المتمحورة حول المسيح، تتجذر قناعة عميقة: ما من نفس حريصة على كمالها لا تمارس يومياً الصلاة الفكرية، السبيل العادي الذي يسمح لتلميذ يسوع بالعيش في صحبة المعلم السماوي. لذلك، وفي المؤلفات المخصصة لتربية الناس روحياً، يشدد قديسنا على أهمية الليتورجيا مع تعليقاته على الأناجيل، والأعياد وطقس القداس والأسرار الأخرى. لكنه في الوقت عينه يحرص على أن يظهر للمؤمنين ضرورة وروعة الصلاة الفردية التي ترافق وتتخلل المشاركة في الشعائر العامة للكنيسة.

نحن هنا بصدد إرشاد وأسلوب يحافظان على أهميتهما، بخاصة بعدما اقترحهما مجدداً المجمع الفاتيكاني الثاني بشكل رسمي في الدستور" المجمع المقدس" الحياة المسيحية لا تنمو إن لم تقتات من المشاركة في الليتورجيا، بخاصة في قداس الأحد، ومن الصلاة الفردية اليومية،  “والعلاقة الشخصية مع الله. وسط آلاف النشاطات والانشغالات التي تحيط بنا، من الضروري إيجاد أوقات يومية للتأمل أمام الرب للإصغاء إليه والتحدث معه.

في الوقت عينه، إن المثال الذي تركه لنا القديس بيار كانيسيوس ليس فقط بأعماله وإنما بخاصة بحياته، هو دوماً مناسب وقيّم. إنه يعلمنا بوضوح أن الخدمة الرسولية لا تكون قاطعة ولا تؤتي ثمار الخلاص في القلوب إلا إذا كان الواعظ شاهداً شخصياً ليسوع، وإنساناً قادراً على أن يكون أداة في تصرفه، متحداً معه بالإيمان في إنجيله وفي كنيسته، بحياة متماسكة أخلاقياً، وبصلاة لا تنقطع كالمحبة. وهذا ينطبق على كل مسيحي راغب في عيش اتحاده مع المسيح بالتزام وأمانة.

عرض عليه البابا بيوس الخامس درجة الكاردينالية ، لكنه فضل أن يبقى راهباً بسيطاً . رقد في الرب فى مدينة فريبورغ فى سويسرا يوم 21 ديسمبرعام 1597م . من صلواته : " فتحت لى قلبك الاقدس ، ثم أمرتني أن أشرب من هذا الينبوع ، يامخلصي وإلهي ، وأنا اشتهيت شهوة أن تنسكب منه على مياه الإيمان والرجاء والمحبة " .