رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة مهمة للباحثين عن السعادة‎‎

وهنا نسمع الأنات والآهات وتكرار العبارات، مَن مِن الخليقة لا يتمني السعادة ويسعي إليها، ويئن لتأخرها أو شبه ضياعها، وهنا نصغي إلى بعض علماء الاجتماع وهم يعلنون نداء عنوانه «كيف تشتري السعادة؟» نحن في عالم يكاد ييأس من قدرته تحقيق السعادة لما يحدث فيه من بؤس وتعاسة حتى بدت السعادة وكأنها بضاعة نادرة في عالم الأنين والبؤس فكيف نغير هذا العالم؟
وهنا يأتي السؤال: ما معني أن نغير العالم؟ وهنا يجيب العالم باديو "كل تعريفاتنا غير دقيقة ولذلك ربما يكون من الأنجح الجمع بين شعارين "كونوا واقعيين.. اطلبوا المستحيل" مع جملة عجيبة لجاك تقول "إن الواقع هو المستحيل أن نغير العالم"، هو إذن أن نطلب المستحيل بما هو الواقع عينه، الواقع الحقيقي كي نواجه الواقع الزائف، هكذا إذن يكون تعريف السعادة الحقيقية كما يتصورها باديو "إن السعادة إنما هي دومًا متعة المستحيل".
السعادة إذن هي شعور ممكن دائمًا فهي لا تكمن في سعادة المترفين وذوي البطون الشبعة بل تكمن في بهجة الحياة حينما نحب، وحينما نبدع فنًا، وحينما نسعد بولادة حقيقة ما، نحن نسعد بكل تغيير بهيج لما يحدث لنا. حيث إنه لا ينبغي أن نتأمل الوجود وأن ننعم بدفء أحضان مساحة الراحة والروتين، بل علينا الذهاب دومًا لملاقاة الحدث وتعلم الجديد، حدث هو ذاك الذي يغير نظام العالم.
إننا في حاجة ماسة إلي فكرة ما أو قيمة ما نسميها الحقيقة، بما يمكن أن نخاطر من أجل إيقاف هذه السرعة المجنونة لحضارة البضاعة المطلقة وهذا يعني أنه علينا التمسك بفكرة جديدة عن الحقيقة وعن الكونية معًا وذلك من أجل المراهنة علي شكل جديد من الكونية ضد كونية الرعب التي لم تنتج غير الفاشيات.
بيد أن الفلسفة ليست بمعني التفلسف الفارغ بل بمعناها الأعمق، وهي المعرفة وطرح تساؤلات حقيقية حول المعرفة، والأمر هنا لا يقتصر على المعرفة الأكاديمية بل يرتبط بالمعرفة اليومية. وما يواجه الإنسان في حياته ويستحق أن يطرح حوله الأسئلة التي تبين وضع الإنسان في هذا العالم، فالوصول إلي السعادة يبدأ حينما يكون الإنسان صادقًا مع نفسه.
وبعد طلب الحقيقة تأتي الأفكار التي يطرحها الآن باديو للوصول للسعادة ؛ فالإنسان الذي يحيا وسط النفاق والكذب حتي الوصول إلي درجة الكذب علي نفسه لن يشعر أبدًا بالسعادة، وبالنسبة إلي باديو فنحن نحتاج إلي نقطة توقف لا مشروطة من أجل كسر هذه السلسلة اللامتناهية لمجتمع تبادل السلع، لا شيء بوسعه إيقاف هذا البريق اللامتناهي لتدفق السلع ودوامة الرغبات الاستهلاكية غير مطلب جذري أو فكرة استراتيجية مناقضة.
إننا في حاجة ماسة إلي فكرة ما أو قيمة ما نسميها الحقيقة، بها يمكن أن نخاطر من أجل إيقاف هذه السرعة المجنونة لحضارة البضاعة المطلقة وهذا يعني بأن علينا التمسك بفكرة جديدة عن الحقيقة والكونية معًا حيث إن الفلسفة تمرد عقلاني في معني رهان كوني لمواجهة هذا العالم المعاصر القائم علي الشظايا والشذرات والاختصاصات أي أن تكون الفلسفة مسكونة في عمقها برغبة جامحة في الثورة علي ما هو سائد من بديهيات ومعتقدات وسياسات وعليه فإن الرغبة في الفلسفة إنما هي منذ أفلاطون رغبة في ثورة الفكر ضد التصورات السائدة حول السعادة الحقيقية وسعادة إشباع الرغبات.
أما عند الإمام الغزالي فيقول إن اللذة والسعادة عند بني آدم هما معرفة الله عز وجل ويكمل "اعلم أن سعادة كل شيء خلق له، فلذة العين الصور الحسنة، ولذة الأذن في الأصوات الطيبة، وكذلك سائر الجوارح بهذه الصفة، ولذة القلب خاصة بمعرفة الله سبحانه وتعالي، لأن القلب مخلوق لها".