رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتخابات تونسية.. بلا إخوان

بلا مال سياسى فاسد، وبلا تمويل أجنبى، أو توظيف الدين فى الدعاية الانتخابية، جرت الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية التونسية، التى يراهن عليها الشعب الشقيق، لإنهاء عقد من الفساد السياسى والمالى والفوضى الأمنية، وسيطرة «حركة النهضة» الإخوانية، التى نرى أنها أسدت خدمة جليلة لتونس والمنطقة، والعالم كله، حين قررت، مع أذرعها أو أذنابها، مقاطعة تلك الانتخابات، التى تأتى بعد مرور ١٧ شهرًا على تعليق برلمانها، الذى تم حله لاحقًا.

ضغوط خارجية مكثفة، وممتدة، واجهها الرئيس التونسى قيس سعيد، لإطلاق حوار مع «إخوان تونس»، الذين أعلنوا، مبكرًا، عن مقاطعتهم الانتخابات، وشككوا فى نتائجها، بشكل استباقى، بعد أن رفضوا الدستور الجديد، الذى أقره الشعب التونسى باستفتاء جرى فى ٢٥ يوليو الماضى، واعترضوا على القانون الانتخابى، الذى صدر، فى منتصف سبتمبر الماضى، وقلص عدد مقاعد مجلس نواب الشعب، أو البرلمان، من ٢١٧ إلى ١٦٤ مقعدًا، واعتمد النظام الفردى بدلًا من نظام القوائم، ومنع الإرهابيين وأصحاب السوابق من الترشح، وأتاح سحب الوكالة من النائب فى دائرته الانتخابية حال إخلاله بواجب النزاهة أو تقصيره البين فى القيام بواجباته النيابية، أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذى تقدم به عند الترشح.

وفق هذا القانون، تنافس أكثر من ألف مرشح على الـ١٦١ مقعدًا، فى الجولة الأولى، التى جرت يوم السبت، ومساء أمس الأول، الأحد، عقدت الهيئة العليا للانتخابات، اجتماعًا بشأن النتائج، أرجع فيه فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة، نسبة التصويت الضعيفة إلى «تغيير نظام الاقتراع وغياب المال السياسى عن الحملات الانتخابية»، موضحًا أن «هذه النسبة، وإن كانت ضعيفة، فهى كافية قانونيًا، لتشكيل مجلس نواب الشعب المقبل». كما أكد أن «الانتخابات نظيفة، وأن الحملة الانتخابية دارت لأول مرة فى أجواء نقية من المال السياسى المشبوه، الذى كان السبب وراء شراء الأصوات، ومن توظيف وسائل إعلام لفائدة أحزاب سياسية». 

القانون الانتخابى السابق «كان مخصصًا لخدمة فئة معينة، كأنه ثوب أو حذاء، ما أدى إلى تمثيل جزئى للمواطنين، وإلى انهيار كل المؤسسات السياسية وتفاقم الفساد»، طبقًا لما قاله الرئيس التونسى، خلال اجتماعه مع وزير الخارجية الأمريكى، الأربعاء الماضى، على هامش مشاركته فى «القمة الأمريكية الإفريقية». ومع عدم ترحيبنا بأى تدخل خارجى فى شئون الدول، استوقفنا بيان الخارجية الأمريكية، الصادر أمس الأول، الأحد، الذى قال إن الانتخابات التونسية «تمثل خطوة أولية أساسية نحو استعادة المسار الديمقراطى للبلاد»؛ ورأى أن «الإقبال المنخفض للناخبين يعزز الحاجة إلى زيادة توسيع المشاركة السياسية خلال الأشهر المقبلة». كما حث بيان الخارجية الأمريكية الحكومة التونسية على اتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة الأزمة الاقتصادية الحالية، وتحقيق الاستقرار والازدهار على المدى الطويل لجميع التونسيين!.

استوقفنا، أيضًا، أن الصحف البريطانية، الصادرة أمس الأول، أولت اهتمامًا بتلك الانتخابات لا يقل عن ذلك الذى توليه لانتخابات مجلس العموم البريطانى. إذ قالت جريدة «الفاينانشال تايمز» إن «تونس كانت ديمقراطية عربية نادرة بعد ثورة ٢٠١١»، ثم «غرقت عميقًا فى الاستبداد منذ استيلاء سعيد على السلطة». وتوقعت جريدة «الجارديان» أن تفضى إلى برلمان يقوض حقوق المرأة ويسيطر الذكور على غالبية مقاعده. وفى السرب نفسه غردت هيئة الإذاعة البريطانية، بى بى سى، وقالت فى تقرير، من بين تقارير عديدة تناولت فيها الانتخابات التونسية، إن «هناك مخاوف لدى الكثير من التونسيين، أصحاب الديمقراطية الوحيدة التى تمخض عنها الربيع العربى فى ٢٠١١، حيال أن تتحول البلاد إلى دولة استبدادية»!. 

.. أخيرًا، ومع إعلان نتائج الجولة الأولى، يبدأ الاستعداد لجولة ثانية فى غالبية الدوائر، التى تضم أكثر من مرشحين اثنين، وبحلول منتصف مارس، سيكون لدى تونس برلمان حقيقى، يُكمل حلقات المسار التصحيحى للرئيس قيس سعيد، الذى تعهد، فى أكتوبر الماضى، خلال الاحتفال بعيد الجلاء التاسع والخمسين، بصناعة «تونس جديدة.. وجلاء جديد» وتطهير البلاد من كل «عميل أو خائن» يريد أن يضرب استقلالها.