رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوحدة العربية والانتخابات الرئاسية


قد يبدو الحديث عن الوحدة العربية عند الحديث عن الانتخبات الرئاسية غريبا، حيث لا بد من الإشارة إلى أن كلا المرشحين في دعايته الانتخابية، بل وقبلها وبعدها، لم يأت على ذكر الوحدة العربية من قريب أو بعيد، رغم أن الوحدة العربية كانت أحد عناصر ثلاثة لأهداف العمل الوطني الحرية والاشتراكية والوحدة ،

ورغم أن كلا المرشحين ينتمي بدرجة أو أخرى إلى الفكر الناصري المعروف بوحدويته حيث كان حمدين صباحي عضوا في الحزب العربي الديمقراطي الناصري في حين عبر المشير السيسي وهو المرشح الأول، والفائز كما هو واضح من النتائج الأولية والتي يحتمل أن تعلن قبل مثول الجريدة أمام القارئ، عبر عن إعجابه الشديد بالرئيس عبد الناصر.

إذا كان هذا ما حدث فقد نتفهم سبب غياب الوحدة كهدف أو حتى كوسيلة لتحقيق الأهداف، فالواقع يقول أن الوحدة غابت عن 25 يناير 2011 وعن 30 يونيو 2013، وأن ذلك نجم أولا عن غياب هذا الهدف خلال فترتي الرئيسين الأسبقين السادات ومبارك، وطبعا لم يكن لها وجود مع محمد مرسي، ثم لأن كثيرين شغلهم البحث اليومي عن لقمة العيش عن البحث الاستراتيجي عنها من خلال الوحدة العربية حيث يقول الواقع أن الوحدة ليست بعيدة عن لقمة العيش، ويكفي أن نحاول أن نتذكر عدد المصريين العاملين الآن في دول عربية أخرى سواء في الخليج أو في شمال افريقيا فضلا عمن عملوا سابقا في العراق وفي اليمن، فإذا أضفنا إلى ذلك علاقة مصر بالسودان وارتباطها بمياه النيل شريان الحياة فيها، ثم مساهمة العرب في الحياة المصرية هنا سواء في مجال التنمية ألاقتصادية أو الفن والأدب والصحافة لعرفنا أن لقمة العيش المصرية مرتبطة بمحيطها العربي كما أن هذا المحيط العربي مرتبط بها. ولا نستطيع أن ننسى أو نتناسى الهجمة الشرسة على العرب والوحدة من عدة جهات منها الغرب الذي يعادي الوحدة ربما أكثر من عدائه للشيوعية والإرهاب، وهناك جماعة الإخوان التي كثيرا ما وضعت العروبة مناهضا للإسلام، وهناك العرب الذين بحثوا عن مصالحهم الذاتية بعيدا عن صالح بلادهم وأهلهم.

هذا لا يمنع ولم يمنع من التفكير في تحقيق الوحددة العربية باعتبار أنه قد ثبت عمليا أنه ليست هناك دولة أو شعب عربي قادر على تحقيق اهدافه الرئيسية في الأمن والتنمية معنمدا على إمكانياته وحدها. ويكفي أن نلقي نظرة على الاوضاع في الدول العربية لكي ندرك ذلك، وربما كان الوضع في لبنان يوضح الأمر أكثر، فلبنان بتركيبته الطائفية وبصورته التي تبدو ديمقراطية يواجه موقفا غريبا حيث يفشل مجلس النواب في ترشيح رئيس للجمهورية ويترك الرئيس المنتهية ولايته القصر الرئاسي، بينما يذهب أكثر من مئة الف سوري مقيمين في لبنان إلى السفارة لانتخاب رئيس لسوريا واضح أنه بشار الأسد، ويخرج باحث لبناني بدراسة تقول أن أزمات لبنان الاقتصادية ليست اقنتصادية بل سياسية وانه لابد من إعادة انظر في تركيبته الطائفية ويلمح بأن الحل هو في وحدة سورية ولبنان.

وفي غرب مصر تقع أحداث في ليبيا تشير إلى الفراغ السياسي في ليبيا بعد التدخل الأطلسي وينذر الواقع الاجتماعي القبلي بضرورة تغيير اساس الدولة ويبدو أن الحل في وحدة مصر وليبيا، بينما نظرة إلى الجنوب في السودان وجنوب السودان تشير إلى الحاجة إلى تحقيق وحدة مصر والسودان وخاصة لمواجهة مشاكل وأزمة المياه، وهشاشة الموقف الأمني في السودان نفسها في شرق السودان وفي دارفور في الغرب وكردفان والأزمة في جنوب السودان، وهناك تكرار الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء السودانية.

أما في منطقة الخليج نجد ان حكم الأسر الحاكمة يواجه أزمة كبر سن الجيل السابق وعدم قدرة الجيل القادم على حل للمشاكل بالإضافة إلى التغير في المسرح الاستراتيجي نتيجة التقارب الغربي الإيراني، وهوما دفع دول الخليج إما إلى الا قتراب من مصر كالسعودية والكويت والإمارات أو الاحتماء بالقوى الدولية وبغض النظر عن الموقف من إيران، في حين أن الموقف في اليمن يثير أسئلة حول التدخل الأمريكي فيها والحرب ضد الحوثيين.

يبقى أن الوحدة وإن بدت اتجاها للحل، إلا أننا لا بد أن نضع دروس الماضي في الحسبان حيث أن الوحدة العربية توحد الأعداء أيضا، وأن مشاكل التضخم يجب أن توضع في الاعتبار، خاصة وأن هناك تفاوتا في درجة التطور الاجتماعي بين مكونات المجتمعات العربية مما يعني أن التطور نحو الوحدة لا بد ان يتم بهدوء ودراسة، وليس حماسا خالصا. والأمر يحتاج إلى التمهيد التدريجي للوحدة مع الإيمان بحتمية الوحدة ولكن بالتدريج.