رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مهرجان شرم الشيخ للمسرح.. أفكار متمردة وفضاءات غير تقليدية

جريدة الدستور

- منير العمارى يحصد جائزة لجنة التحكيم فى الأداء التمثيلى بـ«هارب من الدولة الإسلامية»

- «ياش» اعتمد على الرقص والحركة مع موسيقى دالة على الحالات الانفعالية 

- عبدالله الخديم أجاد تجسيد حالة الصراع المستعر بين الخليفة والوزير فى «المملوك جابر»

- «المرأة والسلطان» للسودانى زهير عبدالكريم يفوز بـ«أفضل عرض».. و«أغسطس» يحصد جائزة سميحة أيوب

اختتمت الأربعاء الماضى الدورة السابعة من مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى، والذى عقدت دورته هذا العام فى الفترة من ٢٥ وحتى ٣٠ نوفمبر بقصر ثقافة شرم الشيخ، برئاسة المخرج مازن الغرباوى، وبرعاية معالى وزيرة الثقافة د. نيفين الكيلانى، واللواء أركان حرب خالد فودة محافظ جنوب سيناء.

تنوعت عروض المهرجان، والتى وصل عددها لثلاثة عشر عرضًا، ما بين عروض المونودراما، عروض محور الفضاءات غير التقليدية «مسرح الشارع» والعروض الكبيرة، وقد تنافست ثلاثة عروض على جوائز مسابقة المونودراما هى: ياش للولايات المتحدة الأمريكية، المملوك جابر للإمارات العربية المتحدة، هارب من الدولة الإسلامية لدولة تونس، كما تنافس عرضان فى مسابقة عروض محور الشارع هما: سجناء أحرار للسعودية، المرأة والسلطان للسودان، بينما تنافست عدة عروض فى محور العروض الكبيرة منها: آل كرامزوف/ مصر، أغسطس/ المجر، مخدة/ العراق، مطلوب للزبالة/ الإمارات، ألف عيلة وعيلة/ مصر.

وقد تنوعت هذه العروض ما بين العروض الكلاسيكية العادية التى تعتمد على الشكل التقليدى لطريقة حكى الحكاية وبالتالى لشكل الأداء التمثيلى وما بين تلك العروض الأخرى المتمردة على السائد والمعروف ومنها ما استحق بعض الجوائز، ومن هذه العروض المتميزة من محور مسابقة المونودراما العرض الأمريكى «ياش» والذى تم تقديمه من دون كلمة واحدة من ممثلته، فقد اعتمدت فى أدائها على الرقص والحركة داخل الفضاء المسرحى مع موسيقى دالة على حالات انفعالية مختلفة، فتارة نشعر معها بالطمأنينة والراحة وتارة أخرى تأخذنا إلى حالة من التوتر الشديد، كل هذه الحالات المتقلبة ما بين الهدوء والصخب نعرف فى نهاية الأمر وعبر الموسيقى التى تمزج ما بين الموسيقى الشرقية والغربية، وتعتمد على الاقتباسات الغنائية من أغانٍ عربية لفيروز وأم كلثوم وغيرهما، أن العرض يقدم مرثية لأحوال الشعب الفلسطينى ويدين الكثير من تعاملات كيان الاحتلال مع الفلسطينيين، ومما رسخ هذه الفكرة أننا رأينا الممثلة فى أحد مشاهدها وهى ترتدى الجلباب الفلسطينى وتحاول تقديم رقصة فلكلورية فلسطينية، إنها تنسجم وتبتهج عندما تستمع للموسيقى الشرقية ويظهر رقصها ناعمًا لينًا ووجهها تملؤه ابتسامة عريضة، لكن كل ذلك يتحول للضد عندما تتوقف الموسيقى لتحل محلها أصوات العراك والرصاص، وكأن العرض بذلك يقدم نوعًا من المقاومة بالموسيقى الشرقية ضد كل رصاصات القمع، توليفة غريبة جمعها عرض مونودرامى لا يعترف بالكلمات، تسود فيه الموسيقى والرقص مع الأصوات والتشكيلات الحركية، بالإضافة لكونه مونودراما أمريكية تتعاطف مع القضية الفلسطينية، لكنك ستعرف أن الأمر كله ليس غريبًا إذا عرفت أن مخرجته أمريكية من أصل فلسطينى وعندما صعدت لنيل الجائزة كانت ترتدى الشال الفلسطينى المميز، وقد حصل العرض على جائزة رئيس الهيئة الدولية للمسرح.

وقد حصل الفنان منير العمارى من تونس على جائزة لجنة التحكيم الخاصة فى الأداء التمثيلى عن أدائه لمونودراما «هارب من الدولة الإسلامية» وهو بالفعل يستحقها لأدائه التمثيلى المميز وقدراته التعبيرية الكبيرة، فبالرغم من جسده الممتلئ نسبيًا إلا أنه استطاع أن يملأ فضاء المسرح بالحركة بخفة ورشاقة عالية كلفته الكثير من الجهد والعرق، وهو ما جعل مخرج المونودراما وليد دغاسنى يمنحه بعض اللحظات لالتقاط الأنفاس عندما كان يذيع شريطًا صوتيًا يحكى عن بعض التفاصيل التى لم يحك عنها البطل كفواصل ما بين المشاهد التمثيلية وبعضها، والعرض يرصد معاناة أحدهم من المتعاطفين مع فكرة الخلافة الإسلامية والذى يذهب بإرادته لدولة الخلافة لكنه يفاجأ هناك بأن كل ما حلم به وما تخيله لا يوجد هناك وأنه لم يذهب للجنة كما كان يعتقد بل ذهب للجحيم ذاته، لذا يحاول الهروب بكل السبل حتى يتسنى له ذلك، والمونودراما تعتمد القص لما تم وفات فى الزمن الماضى ولا توجد بها أى أفعال آنية مما يحول نصها إلى سردية قصصية أكثر منها أفعالًا درامية آنية ومتصاعدة للأمام.

أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فكانت من نصيب عرض «المملوك جابر» من الإمارات العربية المتحدة، وهو مونودراما تستلهم أحداثها وشخصيتها الرئيسية من نص سعدالله ونوس «مغامرة رأس المملوك جابر»، حيث يرصد العرض العلاقة المتوترة بين الخليفة والوزير فى بغداد مما يدعو الوزير للاستعانة بملك العجم ضد الخليفة لكنه لا يجد سبيلًا لإرسال رسالة له يخبره فيها بضرورة الهجوم على بغداد إلا من خلال كتابتها على رأس «جابر»، وهى الرسالة التى تتسبب فى مقتل هذا المملوك الطامح إلى المكافأة والمضحى برأسه من أجل الطمع، ولقد أجاد الفنان عبدالله الخديم تجسيد حالة الصراع المستعر بين الخليفة والوزير، والأهم إظهاره للصراع النفسى المشتعل داخله وقد جعله المخرج أحمد عبدالله راشد يشغل الفضاء المسرحى بعدة طرق منها الحركة على المستوى صفر ومنها التأرجح على الحبال المعلقة أعلى المسرح.

وفى مسابقة عروض مسرح الشارع حصل العرض السودانى «المرأة والسلطان» للمخرج السودانى زهير عبدالكريم على جائزة أفضل عرض مسرحى لما تميز به من حالة موسيقية راقصة تناغمت فيها كل العناصر، واستطاع ممثلوه مواجهة الجمهور المتحلق حولهم من ثلاث جهات وهو ما استدعى طريقة أداء تمثيلى تعتمد على الحركة الدائمة الموقعة موسيقيًا، والعرض فى مجمله حالة جمالية لافتة للنظر وقادرة على التعبير عن طقسية المجتمع السودانى، أما العرض السعودى «سجناء أحرار»، والذى قدم أيضًا فى فضاء الشارع الحر بمنطقة السوق القديمة، فقد حصل على جائزة أفضل أداء جماعى، هذا بالرغم من بساطته على مستوى الفكرة التى تتعلق بفنان تشكيلى يرسم تشوهات الواقع الإنسانى وعلى مستوى التمثيل وبقية عناصر العرض، لكن أهم ما يميزه أن فريقه التمثيلى اشتمل على اثنتين من الفتيات السعوديات تمثلان من دون حجاب وسط المئات المحتشدة، وهذه تجربة جديدة على المسرح السعودى تخبرنا بتغير جذرى قادم على مستوى الشكل والمضمون وطريقة الأداء التمثيلى.

عروض المسابقة الكبرى.. جماليات شكلية وأدائية

أما جوائز مسابقة العروض الكبرى فقد حصل على جائزة سميحة أيوب لأفضل عرض مسرحى متكامل، العرض المجرى «أغسطس»، لما تميز به من قدرة تشكيلية عالية فى بناء الصور الجمالية. فما إن يكتمل مشهد راسمًا عبر أجساد الممثلين صورة جمالية حتى يهدمها العرض ليعاود بناءها عبر رقصاته المختلفة مرة أخرى، وهو ما شكل جمالية تشكيلية مختلفة تعبر عن قسوة الحياة والدوائر الكثيرة التى يدور داخلها الإنسان المعاصر فى ظل تعقيدات الواقع، لكن جائزة أفضل إخراج والمسماة باسم الفنان محمد صبحى، فقد حصل عليها المخرج المصرى عبدالرحمن محسن عن عرض «آل كرامازوف»، والذى حصل أيضًا معده إسماعيل إبراهيم على جائزة عن إعداده للنص، ويعتبر العرض إجمالًا عرضًا كلاسيكيًا منضبطًا وقادرًا رغم حالة الإبعاد المكانى والزمانى التى يعتمدها على التعبير عن الواقع الراهن بكل مجرياته.

ومن العروض المميزة الأخرى العرض المصرى «ألف عيلة وعيلة» للمخرج خالد جلال، والذى يعتمد على مجموعة من المشاهد المنفصلة فى قضاياها والمتصلة من خلال سردها لواقع الحال لدى الأسر المصرية، فمن خلال حيلة درامية هى حكايات يضمها كتاب يسمى «ألف عيلة وعيلة» يجد المخرج/ المعد سببًا كى يسرد علينا كوميديا جميلة عن الصراعات الأسرية وأهمية وجود القوام المتماسك لكل عائلة والبحث عن المشترك الإنسانى فيما بيننا جميعًا بدلًا من البحث عن أسباب للخلاف، والعرض إجمالًا قادر على اجتذاب المشاهد ووضعه فى حالة من الشجن والأسى على ما آلت إليه أحوال الأسرة المصرية.

أما العرض الإماراتى «مطلوب للزبالة» فقد رصد مخرجه سعيد الهرش أحوال الأسرة العربية وبيّن الكثير من أسباب الخلاف فيها، وصوّر أسباب العنف الواقع من بعضهم تجاه الآخرين وخاصة الواقع من الرجل تجاه المرأة، وذلك من خلال لحظة إضاءة خاصة ظلت معنا طوال مدة العرض، حوالى ٤٠ دقيقة كشف خلالها المخرج عن كواليس الفضاء المسرحى وكأنه يعرّى بذلك الواقع العربى وينبذ كل أسباب العنف الداخلة فى تكوينه.

إجمالًا نحن أمام دورة سابعة من مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى بها الكثير من الفعاليات، سواء على مستوى العروض المسرحية بمسابقاتها الثلاث، أو على مستوى الفعاليات الموازية من ندوات ومحاور فكرية وتوقيعات كتب، نرجو أن تكون قد أثمرت وعادت بالفائدة على حركة المشهد المسرحى المصرى فى لحظته الراهنة.