رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مينيكه شيبر: الأديان رحيمة بالنساء لكن الجماعات الدينية فرضت التطرف عليهن (حوار)

مينيكة شيبر الأديان
مينيكة شيبر الأديان دائما ما تكون رحيمة بالنساء والجماعات

استضافت مكتبة الإسكندرية، الكاتبة والباحثة والأكاديمية الهولندية “مينيكه شيبر”، وذلك لمناقشة كتابها "تلال الفردوس.. تاريخ الجسد الأنثوي بين السلطة والعجز"، من ترجمة  الشاعر والمترجم  القدير عبد الرحيم يوسف، اللقاء الذي أدارته الكاتبة والقاصة هند جعفر.

وأشارت الباحثة خلال اللقاء إلى أجزاء عدة من كتابها والذي يلقى نظرة واسعة على القصص والأفكار المتعلقة بأجزاء الجسد التي منحتها الطبيعة للنساء فقط، والتقاليد التي انتقلت عبر العصور نحن واقعون في أسرها حتى الآن، وفكرة خلق الحياة المتمركزة حول الذكر، وكيف لعبت الأساطير بطريقة ماكرة دورا رئيسيا في تاريخنا.

وأجابت الكاتبة خلال اللقاء على سؤال «ما الذي نتشاركه نحن البشر؟»، موضحة أنه رغم الاختلافات الثقافية الكبرى ثمة تشابهات مذهلة بين الناس فنحن نتشارك نفس الأجساد والوظائف الجسدية باستثناء الأجزاء القليلة التي تميز جسديًا بين النساء والرجال.

وفي حوارنا مع شيبر أشارت إلى أنه لا يمكن التخلي عن الأساطير والعادات والتقاليد، وأن سطوة السلطة الذكورية تؤكدها مجموعة العادات والتقاليد والأساطير المتوارثة والتي تمتد إلى اللحظة الراهنة، وتشير إلى أسباب توجيه النقد القاس لعدد من الكتاب والباحثين الأبرز في المشهد الثقافي العالمي.

وترى شيبر أن الأديان كانت رحيمة بالنساء إلا أن الجماعات الدينية أخذت مواقف قاسية ومتطرفة ضدهن، وإلى نص الحوار.. 

هل يمكن وصف كتاب "تلال الفردوس" بأنه يستعيد التاريخ المسكوت عنه من سطوة السلطة الذكورية؟

هو شذرات من التاريخ يتم تجميعها، حيث إن العالم كأنه بيت قصص، وعندما نعيد تلك الشذرات هو بمثابة إعادة تكوين البيت وننظر له من منظور جديد.

يرصد كيف أثارت الاختلافات الجنسية وهذه الأجزاء الفريدة لدى النساء مواقف مشوهة ومشاعر مختلطة تتراوح بين السلطة المطلقة والعجز المطلق، بين البهجة وانعدام الأمن وانعدام الثقة والخوف.

وهذا الكتاب عن هذه المشاعر الملتبسة نحو أجزاء الجسد الأنثوي الحيوية والمرغوبة والمحسودة والمفترى عليها.

-هل للجماعات الدينية في العالم يهودية ومسيحية ومسلمة وبوذية دور في تحديد نظرتنا تجاه النساء؟

للأسف الأديان في البداية تكون رحيمة مع النساء، وهذا ينطبق على جميع الأديان، ففي المسيحية كان في البداية الرجال والنساء يدخلون الكنيسة للصلاة سويا، ولكن أصبح بعد ذلك هناك فصل بين الجنسين بداخل الكنيسة، وهو ما يظهر في الكنيسة الكاثوليكية، وفي الإسلام كان النبي محمد يتم لذلك كان يمتلك رحمة كبيرة وكان تعامله مع النساء وزوجاته يتميز بالرحمة عن سائر الرجال، فضلا عن أنه كان يشاركهن ويتشاور معهن.

كما أنني قرأت أنه في بداية الإسلام كان الرجال والسيدات يصلون في نفس المسجد دون فواصل، وتدريجيًا الأديان بدأت تأخذ ناحية التغيير فكلما كبر الدين وأصبح مؤسسي أكثر، كلما زاد عدد اللاهوتيين في المسيحية ورجال الدين في الإسلام، وبدأوا يفرضون شروطا ومحددات وعوائق، وهو ما ينطبق أيضًا في اليهودية حيث إنه دين متشدد جدا.

مع زيادة المذاهب والعقائد والجماعات، في الأديان جميعا، أصبحت كل جماعة تفرض شروطها وقيودها ونظرتها للمجتمع ككل وللمرأة بالطبع. (في كتابي المكشوف والمحجوب هناك جزء كبير عن الثلاث ديانات ونظرتهم للجسد بشكل عام وللمرأة).

وقد حظيت أحادية المنظور الذكوري بحماية إضافية في المجتمعات أو الطوائف الدينية التي لم يكن مسموحا فيها للنساء حتى بالتلاوة أو التعليق علانية على الكتب المقدسة والنصوص الرسمية والأنواع المرموقة: الأساطير، الملاحم، وأحيانا حتى الأمثال. مثل هذه القواعد زادت في تقليص الإسهام الأنثوي في تشكيل التقاليد.ففي بعض الثقافات والأديان ما زال غير مسموح للنساء بتلاوة، ناهيك عن تأويل، النصوص المقدسة أو عالية المكانة أو قيادة الطقوس الدينية. مثلًا: الكنيسة الرومانية الكاثوليكية حيث لا يمكن إلا للرجال أن يصلوا إلى منصب الكاهن أو البابا.

الكاتب  والمفكر يوفال نوح هراري 

-في كتابكم تلال الفردوس وجهت نقد قاس ليوفال نوح هراري، وليف ستراوس فيما ذهبا إليه في كتابتهما ووصفتيهما بأنهما يعانيان من ضعف نظر على أصل عدم المساواة الجنسية؟

كانا مصابين بالعمى (متعامين) عن أن ينظرا للجنسين معا، أن يكونا عادلين في النظرة، الشخصيتان مؤثرتان جدا، وكتاب «هراري» الأكثر مبيعا فأصبحت وجهة نظره مؤثرة جدا فعندما تكون وجهة النظر ناقصة فلابد أن تنتقد، أيضا «ليف ستراوس» واحد من المؤثرين جدا في التكوين البنيوية والأساطير فعندما نجد مفكر مؤثر يجب أن يوجه إليه النقد إذا أغفل نقاط هامة مثل هذه.

-إلى مدى ترى مينيكه شيبر دور الطقوس والعادات والتقاليد في تحديد مسارات وخريطة العالم، هل تخطت دورها الإقليمي، وهل ثمة ما يجمع أصحاب الحضارات القديمة مع العالم الجديد؟

العادات والتقاليد هي الغالبة حتى هذه اللحظة تشكل فكرة نظريتنا للعالم، وتلعب دورا مهما لأنها وضعت واستقرت فهي تشكل النظرة مهما تغيرت إلا إذا حدثت ثورة على فكرة العادات والتقاليد، وإذا نظرنا لكتاب" تلال الفردوس" نرى أنه يتحدث على أدوار العادات والتقاليد والأديان والأساطير والقصص في تشكيل هذه النظرة غير المتوازنة للمرأة.

في كتابي «الأرامل. تاريخ لم يكتب من قبل» أتناول فيه كيف يمكن للتقاليد أن تحصر المرأة الأرملة في عالم ضيق جدا وتحاسبها على أفعالها ومظهرها لدرجة تدفعها أحيانا إلى أنها تتمنى الموت أو تدفعها أن تزهق روحها لتكون مع زوجها المتوفي مثل ما كان يحدث في الهند.

 

-ماذا يحدث لو تخلت المجتمعات عن إرثها من الأساطير والعادات والتقاليد والمعتقدات وصولا للأديان؟

في رأيي هذا لن يحدث أن تتخلى الناس في مجتمعاتنا عن الأساطير والقصص وغيرها وهو ما يحتاج ثورة كبيرة جدا ولن تحدث، وخاصة أن الأشخاص أصحاب السلطات سواء دينية أو سياسية والمستفيدين من ورائها، ستحافظ عليها وتتمسك بها بقوة وتمنع تغيرها، ومثال على ذلك ننظر إلى إيران والثورة المشتعلة بها ومدى التعامل بقسوة تجاه أي محاولة للتغير، وذلك ليس لكونها ثورة سياسية ولكنها ضد ما يرونه أنه عادات وتقاليد تؤدي في النهاية أن تهرب السلطة من يديهم.

وما زالت هناك تقاليد سياسية وثقافية ودينية تحاول أن تحتفظ بهذه السلطة الهيراركية. ثمة آلاف من الأمثال الشعبية تساعد على تهدئة الخوف الذكوري بمفاهيم نمطية عن النساء في العالم.

هل يمكن وصف كتابات مينيكه شيبر في أنها تحمل في متنها محاكمة للرجل سواء شرقي أو غربي خاصة في كتب مثل "المكشوف والمحجوب، تلال الفردوس"؟

لا بالطبع طوال الوقت أرى أننا طرفان متساويان لا يمكن أن نراها حربا دائما، حتى ذلك يظهر في نقدي لـ«مي تو».

الكاتب والروائي  الإنجليزي جون بيرجر

 

هل لدى مينيكه شيبر خريطة لإصلاح نظرة رجال العالم شرقيين وغربيين للمرأة، وكيف يمكن تجاز مفهوم المرأة كسلعة ومستهلكة في آن واحد خاصة في ظل ماكينة الدعاية العالمية التي ذهبت لربط السلع الاستهلاكية بالمرأة؟

يمكن الاستناد إلى رأي الكاتب الإنجليزي "جون بيرجر" والذي يرى "يعمل الرجال وتظهر النساء. ينظر الرجال إلى النساء. وتنظر النساء إلى الطريقة التي يُنظر بها إليهن» يحدد هذا فقط العلاقات بين الرجال والنساء، بل أيضا العلاقة بين المرأة ونفسها. المراقِب داخل المرأة ذكر؛ والمراقَبَة أنثى. وهذا يحولها إلى شيء، وبمزيد من التحديد إلى شيء يُنظر إليه: إلى منظر". ويأتي رد فعل النساء القلقات باللجوء إلى التدخل الجراحي كي تتأقلم أثداؤهن وبطونهن وفروجهن مع نسب مثالية مفترضة وخيالية.

والسؤال هنا لماذا نُسلم أنفسنا رجالا ونساء عن طيب خاطر لعبودية المعلنين الذين حلت علامات الدولار مكان عيونهم والذين لا يهدفون إلا إلى كسب مليارات الدولارات بفضل خنوع الجسد الأنثوي؟! هناك دائما خيار آخر وهو أن نتجاهلهم ببساطة!.