رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محطات فى حياة ميلاد حنا و«قضايا الانصهار الوطنى التى كرس لها حياته»

 ميلاد حنا
ميلاد حنا

الدكتور ميلاد حنا، الباحث والمفكر السياسي، وأستاذ الهندسة، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 2012، عن عمر ناهز الثامنة والثمانين، ورحلة عمر قدم خلالها العديد من المؤلفات التي أثرت المكتبة العربية، نذكر من بينها: "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية"، الذي يعد أبرز مؤلفاته.

 

كما صدر للكاتب دكتور ميلاد حنا إصدارات: الانصهار الوطني.. قضايا كرست لها حياتي، ذكريات سبتمبرية، الإسكان والسياسة، قبول الآخر.. فكر واقتناع وممارسة، ما بعد عام 2000، أزمة الأقليات في العالم العربي، نعم أقباط لكن مصريون، خصوصية مصر، أريد مسكنا، مصر لكل المصريين وغيرها.

 

ــ محطات في مسيرة دكتور ميلاد حنا

ينتمي دكتور ميلاد حنا إلي حي شبرا بالقاهرة، حيث ولد ونشأ في ذلك الحي الذي انصهرت فيه الأجناس والأديان وساده مناخ من الانفتاح والتسامح وقبول الآخر. 

 

وبحسب ما يذكر "حنا" في ذكرياته الواردة في كتاب الانصهار الوطني: كنت أقضي أيام إجازات الصيف في فترة النشأة، بالعمل في منطقة الحمزاوي والسكة الجديدة والغورية بمحل تجارة الأصواف الذي كان يملكه جدي لوالدتي الخواجا "جرجس متري". في هذا الجوــ بالقرب من الأزهر وحي الحسين- تخللت روائح البخور والعطارة وأيضًا تاريخ الثقافة الإسلامية والعمارة العتيقة في وجداني، وهكذا مزجت بين ثقافة وفكر حي شبرا ذات النكهة القبطية وبين روح حي الغورية والصاغة والأزهر التي تفوح منها طيبات الممارسات الإسلامية.

 

ويضيف أستاذ الهندسة الإنشائية ميلاد حنا: وبعد ذلك انغمست وغصت في دراستي بكلية الهندسة جامعة فؤاد الأول بالجيزة. كان الوقت هو الأربعينيات من القرن العشرين حيث المناخ مشحون بالوطنية والفوران والكفاح لاستكمال استقلال مصر. 

 

صرت معيدًا بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، ومع تصاعد حركة الطلبة والعمال عام 1946 وجدت نفسي مشاركًا مع الطلاب، نفسي ووجداني كان بالأمس مثلهم تمامًا. 

 

ثم سافرت إلي إنجلترا للدراسة في أواخر عام 1947، ومع توالي الأيام هناك وتراكم الخبرة، وجدتني مدفوعًا بأعماقي للمقارنة بين الثقافتين والحضارتين أي حضارة مصر المتوازنة ماديًا وروحيًا، وقد نتج هذا التوازن الثقافي من خلال المعايشة بين المسيحية والإسلام.

 

ويلفت ميلاد حنا إلى: لم أكن وقتها أعرف هذه المعاني بصياغاتها تلك، فقط كنت أحسها في داخلي وعلى الجانب الآخر من البحر المتوسط توجد حضارة الغرب حيث الليبرالية والعقلانية والمفاهيم الديمقراطية الأصيلة، فضلًا عن سيادة العقل وحرية الفكر والإيمان بالعلم والتخطيط كأساس للانطلاق إلي الرقي ورفع مستوي المعيشة أو على الأقل المحافظة عليه.

 

ــ حصول ميلاد حنا على الدكتوراه والعودة لمصر

ويضيف الكاتب ميلاد حنا: بعد حصولي علي الدكتوراه من جامعة سانت أندروس في إسكتلندا عام 1950، عدت إلي مصر وشاء القدر أن أحصل على منحة دراسية راقية بأكبر معهد هندسي أمريكي في بوسطن وهو المعروف باسم M.I.T فعشت مرة أخرى خارج مصر خلال أعوام 1953، 1954، غير أنني لم أرغب في أن أستمر في الإقامة وأعيش في أي من إنجلترا أو الولايات المتحدة الأمريكية برغم وجود وظائف ومغريات مادية وعاطفية تدفعني للإقامة في المجتمعات الغربية، وآثرت العودة إلي مصر أواخر عام 1954، وحسنًا فعلت لأنني لا أجد السعادة والطمأنينة إلا داخل هذا الوطن الذي عشقته.

 

ويستدرك "حنا": مرة أخرى وبسبب العراقيل التي وضعها في طريق ترقيتي- في السلم الوظيفي الجامعي- أساتذة كبار توهموا أن وضع العقبات قد يثنيني عن التمسك بالبقاء في مصر، أو يضعف من عزيمتي وطموحي المشروع لأجد لنفسي مكانًا ومكانة في هذا الوطن الذي أحببته، لم أنهزم أبدًا في وجداني في لحظات اليأس حين كنت أوشك- في لحظات الضيق- أن أندم على قراري "الوجداني" بأن أعود لمصر عام 1954.