رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التنوير والتجربة الكوبية وأشياء أخرى

أما وقد حق لنا أن نسعد ونفتخر بتلك النصرة القوية ونفرح بالحصاد الرائع بعد نجاح المواطن المصرى وأجهزة الدولة الرائعة فى تنظيم وإقامة مؤتمر مواجهة متغيرات المناخ بنجاح مشهود له عالميًا، وإفساد كل مخططات الفشلة أعداء النهار والضياء أهل الظلام والعتبة- يتحتم علينا دعم كل مشاوير آليات التنوير لننضم إلى مساحات جغرافيا أهل النور.

وعليه، قد يلح علينا طرح بعض علامات الاستفهام لنضعها أمام من يجتهدون فى سبيل نشر الفكر التنويرى والنقدى الفاعل والمستند إلى آليات قابلة للتفعيل:

هل قدمتم لمواطنيكم ما يشيع لديهم قناعة وإيمان أن التنوير وإعمال العقل ضرورة وجودية لتحقيق حلم الانفلات من آثار حالة التراجع الحضارى التى صنعها الظلاميون والبيروقراطيون وتجار أزمنة التحولات الاجتماعية والاقتصادية؟

هل يؤمن دعاة التنوير بالآثار الهامة التى يجب أن يحدثها تفعيل آليات التنوير فى دفع الطاقات الإيجابية لدى أهل الفنون والإبداع والعلوم؟
هل لديكم مشروع وطنى مقنع للتفاهم عبر إطاراته وسياقاته الفكرية الواضحة المعالم مع المسجد والكنيسة لإحداث مرونة وحالة إيجابية فى التفاعل من أجل الإصلاح؟
هل لديكم تصور متكامل تطرحونه لمواطنيكم عن سبل إعادة إحياء عصر العقل الذى استغرق جزءًا من القرن السابع عشر وكل القرن الثامن عشر، باسم سن العقل بسبب تركيزه على نظرة عقلانية علمانية للعالم..
هل ستبشرون بعصر من التفاؤل غير المسبوق بإمكانات المعرفة والعقل لفهم العالم وتغييره وهو النهج الذى عُرف وظهر فى أواخر عصر التنوير بألمانيا، وازدهر لاحقًا عبر الغرب، بالرومانسية..
هل لديكم الآليات المعاونة لتكريس مفاهيم الديمقراطية والمساواة التى كانت ذات أهمية كبيرة لمفكرى عصر التنوير، الذين كانوا غير راضين عن هيمنة الطبقة الاجتماعية الأرستقراطية ومكانتها، سيكون لتأثير كل هذا تأثير دائم على وجه العالم كما نعرفه..
هل لديكم الثقة والقدرة على التعامل الفاعل مع رموز التيارات الأصولية المتشددة فى الكنيسة والمسجد ومن هم خارجها لإعادة مفاهيم وترسيخ العلم كمصدر للمعرفة، والدفاع عن حقوق الإنسان فى العبادة والتعليم كما أعطانا التعليم الحديث، والطب، والجمهوريات، والديمقراطية التمثيلية، وأكثر من ذلك بكثير..
هل ستطرحون لمواطنيكم توضيح كيف أثرت أفكار التنوير فى السابق على المجتمع والثقافة من قبل الاعتقاد بأن العواطف لها أهمية قصوى فى التنمية البشرية، كما جلبت أفكارًا مثل إنهاء العبودية وحقوق المرأة إلى السكان والتى كان من السهل نشرها عن طريق المطبعة..
هل ستطرحون بالشرح والتحليل ما الدور الذى لعبته أفكار التنوير فى تطوير الولايات المتحدة عندما دفع التنوير بأفكار الديمقراطية والتسامح الدينى، وكيف قرأ العديد من قادة الولايات المتحدة الأوائل كتبًا لفلاسفة التنوير وأدرجوا أفكارهم عند كتابة الوثائق التأسيسية؟
هل ستتناولون فى عروضكم الجماهيرية الفكرية كيف أعطت نجاحات الثورة العلمية الناس الثقة فى أن العقل البشرى يمكن أن يحل المشاكل الاجتماعية، عندما بدأ الناس خلال عصر التنوير فى التساؤل علانية عن معتقداتهم الدينية وتعاليم الكنيسة..
للتفاعل مع كل تلك الأطروحات أتصور أن تعكف مراكز البحث وجهات صنع واتخاذ القرار والمؤسسات المعنية وبشكل خاص فى مجال التعامل مع تشكيل خطاب دينى وإعلامى وثقافى عصرى للقيام بدراسة عن سبل ووسائل الاشتباك الإيجابى مع منابر التخلف ووسائط الكراهية، فضلًا عن مناشدة الجهات الرقابية والأمنية لملاحقتهم أمنيًا وقانونيًا، وبالبدء بدعم وتحفيز أهل الفكر المستنير لإنشاء مؤسسات لدعم الفكر التنويرى لنقدم لمجتمع الغد إصدارات صحفية وفضائيات وعروض مسرحية ومعارض فنية وسينما للتنوير.. مناهج تعليمية ومؤسسات تربوية واجتماعية ودينية لوأد الفكر الظلامى.. فلتحتشد كل القوى من أجل مجتمع مستنير خال من الأمية الهجائية والمعرفية..
لقد عانت كوبا من ارتفاع نسبة الأمية فى أواخر الخمسينيات، حيث وصلت إلى 65% من تعداد السكان، وعقب قيام الثورة الكوبية أجبرت الحكومة أكثر من مليون شخص من طلاب الجامعات والموظفين على العمل فى محو الأمية، وحينها أغلقت الجامعات بكوبا لمدة عام وتم توزيع الطلاب جغرافيًا على جميع أنحاء البلاد.
لقد تم تطبيق أساليب كوبا بشكل تجاوز حدود الجزيرة، فبحلول عام 2010 تم تبنى الأساليب الكوبية لمحو الأمية فى 28 دولة بأمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وأوروبا، والدول المحيطة.. وبها تم محو أمية ملايين البشر للقراءة والكتابة..
وحصاد تلك القرارات كان رائعًا، فهل لنا أن نسأل: ألا تحتاج مناهجنا التعليمية ومدرسونا وإدارات مدارسنا لمثل تلك القرارات الناجزة؟.. لقد أضعنا ما يقارب من نصف قرن فى افتكاس تجارب إصلاح فاشلة لنظم التعليم التى بدورها كانت تسهم بشكل سلبى فى تشكيل وجدان وثقافة أجيال تم تشويه مفاهيمهم عن الأديان والتاريخ والواقع السياسى والإنسانى..
إن تكلفة تعليم الملايين من طلابنا فى المدارس والجامعات فى عام واحد كافية إلى حد كبير فى تكوين بنية أساسية جيدة.. ووضع أسس وتوفير إمكانات لإقامة منظومة تعليمية جيدة، والتعامل بشكل جاد مع مشروع لمحو أمية نسبة هائلة من أهالينا بعد أن بات يستثمر حالهم أهل الشر وأصحاب الخطاب الدينى المُضل والمزيف.
إن عقول البشر ينبغى أن تكون مطورة جدًا لكى يتم تمكينهم من المساهمة والمشاركة الإيجابية فى عالم خال من الخوف، الجهل، والمرض، فالتعليم فى النهاية يُعزز البشر للعب دورهم كباحثين وحراس للتقدم والسلام.