رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المذكور أدناه


777 888.. هذا الرقم هو رقم حساب موحد فى كل البنوك ومخصص لتلقى تبرعات حملة اسمها «معاً ضد الجوع». هذه الحملة النبيلة تؤكد أننا أمة لا تفهم ولا تتعلم ولا ترغب فى الفهم أو التعلم! هذه الحملة النبيلة تؤكد أننا لم ولن نستوعب دروس التاريخ وأصول السياسة وأننا لم نزل نعيش فى سويقة تعتمد على النوايا الحسنة والأخلاق الحميدة وكفالة الفقراء بدلاً من المكافحة المؤسسية للفقر نفسه!

الدولة الفرعونية القديمة حققت إنجازات معمارية وسياسية عملاقة، ولكنها انهارت فى النهاية، لأنها لم تكن تفهم فى أصول التنمية البشرية والعدل الاجتماعى.

الدولة الرومانية العملاقة ظلت تحكم العالم كله لقرون طويلة ثم انهارت فى النهاية لأنها أيضاً لم تكن تفهم فى أصول التنمية البشرية.

الدولة العربية أسسها الرسول «صلى الله عليه وسلم» وحكمت بعده بلداناً كثيرة ووصلت إلى ثلاث من قارات العالم، ولكنها دالت وشاخت وانهارت، لأنها اعتمدت على الدين وحده وعلى السمع والطاعة ولم تلتفت إلى العلم والسياسة والعدل الاجتماعى والتنمية البشرية.

الاتحاد السوفيتى كان دولة عظيمة قوية للغاية وظل ينافس الغرب لفترة طويلة، ولكنه لم يتمكن من الصمود، لأنه أغفل التنمية البشرية والديمقراطية الحقيقية غير المقيدة، كل الدول والإمبراطوريات العظمى فى تاريخ العالم القديم والوسيط والحديث انهارت حين أغفلت التنمية الشعبية وتركت شعوبها نهباً للجهل والفقر والظلم والفساد.

يقولون إن أحداً فى مصر لا يبيت دون عشاء، قد يكون هذا صحيحاً، ولكن الصحيح أيضاً أن مئات الآلاف يبيتون دون عمل ودون مال ودون أمل ودون الحد الأدنى من حقوق الحياة.. لا أحد فى مصر يموت من الجوع، ولكن مئات الآلاف يموتون من الفقر والبطالة والظلم والاستبداد وعشوائية النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هل يكفى إذن أن نتبرع لهؤلاء بحفنة جنيهات لإنقاذهم من الجوع؟ وهل يكفى أن نخترع وجبات يومية أو أسبوعية أو شهرية نرسلها لبعض الجوعى والفقراء حتى نقول إننا صرنا من أهل الخير وإن الغنى فينا يكفل الفقير؟

هل التسول يمكن أن يكون بديلاً فاعلاً للعدل الاجتماعى والتنمية البشرية؟ هل فكر أحدكم فى فتح حساب للتبرعات من أجل إقامة مشروعات حقيقية تستوعب ملايين العاطلين والفقراء وترحمهم من ذل الحاجة ومرارة الجوع والفقر واليأس؟

هل فكرت الدولة نفسها فى الإعالة الحقيقية لمواطنيها وتدبير فرص عمل لكل مواطن قادر على العمل؟ هل لدينا الآن وزارة للتخطيط والتنمية البشرية تملك مشروعات حقيقية عاجلة لاستيعاب الناس بدلاً من تركهم للبلطجة والإجرام والضياع؟ أفيقوا أيها السادة قبل أن تتحول مصر كلها إلى «مائدة رحمن» نقاتل بعضنا البعض للحصول على مقعد فيها!!