رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد إبراهيم يكتب: نقود العالم نحو إنقاذ الكوكب من الهلاك.. من نحن؟

محمد إبراهيم
محمد إبراهيم

على بعد حوالي 280 كيلو جنوب غرب مدينة القاهرة يقع وادي الحيتان الذي يضم ألاف الحيوانات والنباتات المتحجرة التي اكتشفت سنة 1902، فى صحراء واحة الفيوم المعروفة فى صحراء مصر الغربية، والتي تعود أثريتها لنحو 40 مليون سنة حسبما أعلن العلماء والخبراء المتخصصون فى علوم الجيولوجيا والصخور، حيث أكدت الشواهد هناك بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا الموقع كان قاع محيط كبير من المياه قبل أن يكون يابسة، الأمر الذي اعتبر شاهدًا على ظاهرة التغيرات المناخية، وتم تسجيل الموقع فى اليونسكو كأحد أهم مواقع التراث الطبيعي العالمي الفريدة.

داخل الموقع هناك متحف يعرف بمتحف وادي الحيتان والتغيرات المناخية، والذي يضم حفريات تشرح كيف كانت الحياة فى هذا الموقع قبل 40 مليون سنة، وهناك الشاهد الأهم على وجه الكوكب الذي نعيش عليه، والذي يشهد على حقيقة ظاهرة التغيرات المناخية التي تهدد كوكب الأرض حاليًا بالفناء، بسبب الاستغلال الجائر للبيئة والتعدى على طبيعيتها، حيث يكشف الموقع عن أن ظاهرة التغيرات المناخية هي ظاهرة طبيعية فى الأساس، ولكن طبيعتها أن تحدث فى مدى زمنى يتعدى آلاف إن لم يكن ملايين السنين، وعندما يتحول الأمر لظهور آثار لها خلال عشرات السنوات الماضية من تصحر أراضٍ فى العديد من الدول لغرق أخرى بسبب ارتفاع منسوب المياه، وظهور أمراض فى بلدان لم تكن فيها واختفاؤها من بلدان أخرى، هنا الأمر  غير طبيعي.

إذًا لدى مصر شاهد من العصور السحيقة على أن ظاهرة التغيرات المناخية فى العالم تحولت من ظاهرة طبيعية لظاهرة غير طبيعية تدق جرس إنذار كبير للبشرية بهلاكهم، إذا لم يتحدوا للالتزام بعمليات الحد من الانبعاثات الكربونية المسببة للظاهرة، إضافة لتنفيذ مشروعات عملاقة للتكيف مع الظاهرة بوضعها الحالي.

الأمر مكلف للغاية، وأصبحت آثاره واقعًا بما لا يدع مجالًا للشك، والأمر محل اهتمام كل دول العالم، وأصبحت اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي أهم إتفاقية بيئية عالميًا، بعدما كانت تسبقها اتفاقية التنوع البيولوجي، المرتبطة فى الأساس باتفاقية التغير المناخي، لكن الأخيرة من شأنها أن تضم التنوع البيولوجي والتصحر وصون وحماية الطبيعة، وهو مقترح تسعى مصر لإقراره بهدف توحيد عمل سكرتاريات الاتفاقيات المرتبطة بالتغير المناخي فى اتفاقية واحدة وتوحيد الجهود، والتحول من التعهدات للتنفيذ الفعلي للإجراءات العالمية المتفق على تنفيذها خلال قمة جلاسكو الأخيرة.

أيام قليلة جدًا تفصلنا عن بدء انطلاق قمة المناخ السابعة والعشرين فى مدينة شرم الشيخ برئاسة مصر، فى توقيت صعب للغاية، بسبب الظروف السياسية والاقتصادية السيئة التي يعيشها العالم بعد أزمتي كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية، ويقع على عاتق مصر استضافة الجميع الذي يمثلون أطراف 198 دولة، بين متقدمة ونامية، ومتسببة فى الأمر ومتضررة، للتفاوض حول تنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات وآلية تمويل عمليات التكيف مع التغيرات المناخية الحالية والحد من الانبعاثات المتسببة فى الأمر.

نعم مصر تقود العالم لإنقاذه من الهلاك قبل فوات الأوان، وليس كبيرًا ولا غريبًا عليها أن تقود هذا الأمر، خاصة أن من بين أبنائها خيرة العلماء والخبراء المتخصصين فى هذا الشأن، ولنا أن نتذكر جيدًا أن مؤسس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للبيئة الراحل العظيم الدكتور مصطفى طلبة، وعلى مدار الخمسين سنة الماضية، يتصدر الخبراء المصريون فى الشأن البيئي، المشهد العالمي من حيث العلم والكفاءة، ولهم باع يذكر فى المفاوضات البيئية.

بالطبع لا يمكن لمصر أن تقود العالم فى قمة مهمة جدًا مثل قمة المناخ بخبرائها فقط، فلا بد للأمر من قيادة سياسية تؤمن بالأمر، وتكون لديها رغبة سياسية حقيقية لتبنيه، وهو ما حظيت به مصر فى عهد الرئيس السيسي، منذ توليه مقاليد الحكم، حيث بدأ بتوحيد الصف الإفريقي وقيادته فى هذا الشأن من خلال “الأمسين” - مؤتمر وزراء البيئة الأفارقة يضم نحو 54 دولة-، والتي نجح في قيادته بشكل بارع سياسيًا وبيئيًا الدكتور خالد فهمي وزير البيئة فى ذلك التوقيت، حيث تسلم رئاسة المؤتمر من ٢٠١٤ لـ 2016، مدعومًا بشكل كبير من القيادة السياسية.

ترتب على الأمر فيما بعد نجاح وفد مصر فى الحصول على موافقة سكرتارية اتفاقية التنوع البيولوجي التابعة للأمم المتحدة، على استضافة مصر للقمة الـ14 لها، بعد جهد كبير بذله الفريق المصري بقيادة الدكتور خالد فهمي وزير البيئة فى ذلك الوقت، فى مواجهة تركيا التي شن فريقها ضغوطًا كبيرة للفوز باستضافة هذه القمة وقتها، غير أن الموقف الإفريقي دعم فوز مصر باستضافتها.

بعدها تمكن الرئيس السيسي الذي ترأس وفد إفريقيا فى قمة المناخ التي كانت فى باريس، من الموافقة على الحصول على تمويل بقيمة مليار دولار لصالح الدول الإفريقية، لتنفيذ مشروعات للتكيف مع التغير المناخي والحد من آثاره، وتم تأسيس صندوق سُمي بالصندوق الأخضر ليدير التصرف فى هذه الأموال لصالح القارة الإفريقية.

أحداث بيئية كبيرة وكثيرة قادتها مصر بعناية واهتمام غير مسبوق فى ظل تولى الرئيس السيسي زمام الأمور فى البلاد، انتهت بنجاح الفريق المصري فى قمة جلاسكو الأخيرة الخاصة بالتغير المناخي cop26، فى الحصول على الموافقة لمصر لاستضافة قمة المناخ cop27، وتولى مسئولية إدارتها لمدة عام، هو الأصعب فى تاريخ القمم الـ26 السابقة، وفقًا للظروف الراهنة بكافة أشكالها.

بكل بساطة لا تحتاج لشرح كثير وتوضيحات مختلفة، تعد الموافقة من قبل أطراف 198 دولة هي أطراف اتفاقية التغير المناخي، بمثابة شهادة عالمية لمصر كدولة ريادة واستقرار أمنى تفقده العديد من البلدان فى القارة والقارات المجاورة، وما كان لهذا الأمر أن يتحقق بدون تنمية مستدامة حقيقية شهدتها مصر خلال السنوات الماضية، واستعادت الثقة فى الريادة بكافة أشكالها.

ستشهد قاعات اجتماعات القمة فى مدينة شرم الشيخ، بعد تجهيزها وفقًا لأحدث التكنولوجيات، اجتماعات كثيرة معمقة فنيًا تدرس التغيرات المناخية التي طرأت منذ آخر اجتماعات درست نفس الأمر، يتنافس فيها خبراء الدول الأطراف على إثبات تضرراتهم من التغيرات المناخية التي تسببت فيها الدول المتقدمة، وتتحول لمجموعات ذات مصالح مشتركة، الكل هناك سيبحث عن مصلحته وسيطالب بتعويضه، وعلى مصر أن تدير الأمر بين الطرفين، المتضرر والسبب فى الضرر، على أن يحدث اتفاق على بدء تمويل مشروعات التكيف والحد لصالح الدول المتضررة.

أتذكر جيدًا عندما بدأ العلماء والخبراء الإفصاح عن الأمر فى ندوات علمية ولقاءات إعلامية، قبل سنوات لا تتخطى العشر، وكانوا يتوقعون أن الآثار المدمرة جراء التغيرات المناخية، ستظهر بعد خمسين سنة، وبدت الحكاية أشبه بأننا سنعيش أفلام الرعب والأعاصير ونهاية الكوكب التي نشاهدها على الشاشات السينمائية، وذلك فى حال إذا لم تنتبه البشرية لسرعة التصدي لظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض التي سببت الاحتباس الحراري، ومن ثم ذوبان الجليد وارتفاع منسوب المياه فى المحيطات والبحار وغرق عدد كبير من الجزر والبلدان تم وضع خريطة لها سميت بالخريطة الحمراء، بخلاف البلدان التي ستتعرض للتصحر وخلافه.

فى الختام لا يسعني إلا أن أشير إلى الفرق بين الطقس والمناخ، قبل أن أنهى حديثي عن استضافة بلادي للقمة السابعة والعشرين للتغيرات المناخية، بأن الطقس هو الأحوال الجوية خلال ساعات أو على مدار يوم أو فصل من فصول السنة، بينما المناخ قياس تغيرات الأحوال الجوية خلال 30 سنة على الأقل، وللحديث بقية.