رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب الإعلامية الأمريكية على الصين: سياسة المعايير المزدوجة!

إذا ما كنا قد اتفقنا من قبل على أن التقدم العسكري والاقتصادي والتكنولوجي للصين، فضلا عن توسعها الكبير في التعاون مع العديد من دول الشرق الأوسط دبلوماسيا واقتصاديا، بالإضافة إلى توسعها في القارة الإفريقية، وعلاقاتها الاقتصادية المُتشعبة والكبيرة مع دول أمريكا اللاتينية، الأمر الذي جعلها البديل الأساس والجوهري والأول للولايات المُتحدة في الجزء الجنوبي من القارة الأمريكية.
نقول: إذا ما كان من شأن كل ما سبق وغيره أن يمثل خطرا مُباشرا على الولايات المُتحدة ومصالحها في العديد من المناطق الاستراتيجية في العالم، لا سيما منطقة الشرق الأوسط؛ فقد أدى كل ذلك إلى شن الولايات المُتحدة حربا ضارية ومُستمرة على الصين، وهي الحرب التي تمثلت في تجييش الإعلام الأمريكي بكل مُقدراته- المرئية منه، والمسموعة، والمقروءة- من أجل الهجوم على الصين وتلفيق الكثير من الأكاذيب حولها من أجل تكريس هذه الأساطير في نفوس العديد من الأنظمة السياسية الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى الهجوم على الصين، بل وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، وهو ما سيؤدي إلى الكثير من الخسائر لها سواء على المستوى السياسي، أو التجاري، أو الدبلوماسي، وغيرها من الأصعدة الأخرى.
من الأمثلة الواضحة للمعايير المزدوجة: وفقًا للبيانات العامة، تم انتشال 2,314,700 شخصا من براثن الفقر في شينجيانغ مُنذ عام 2014م حتى عام 2018م، وانخفض مُعدل الفقر في المناطق الريفية إلى 6.1٪. ويُستخدم أكثر من 70٪ من نفقات الميزانية العامة لمنطقة الحُكم الذاتي لضمان وتحسين سُبل معيشة الناس وضمان مُشاركة الناس من جميع المجموعات العرقية في ثمار الإصلاح والتنمية. وبالمُقارنة مع عام 1952م، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للصين بالقيمة الحقيقية بمقدار 200 مرة في عام 2018م، وزاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 37.7 مرة. ومع ذلك، لم يتم العثور على أثر لهذه الإنجازات الإنمائية في "مشروع القانون" الأمريكي أو فيما يتصل به من تحقيقات!
أي أن النظام الصيني يحاول قدر الإمكان الارتفاع بالمستوى المعيشي المُدقع الذي يعاني منه سُكان إقليم شينجيانغ ذاتي الحُكم، ورغم أنه من الأقاليم ذات الرغبة الانفصالية عن الصين إلا أن النظام السياسي لديه من الحرص على الارتفاع بالمستوى المعيشي لأبناء هذا الإقليم ما جعلهم يحققون هذه الأرقام القياسية في مُساعدة أهل الإقليم الفقير، وهو إن دل فهو تأكيد على أن النظام الصيني لا يعمل على اضطهاد مُسلمي الإقليم من الإيجور، بل يتعامل مع جميع العرقيات المُقيمة على الأرض الصينية على قدم المساواة، وهو ما يحقق المواطنة بمفهومها الصحيح.
إن الاتهامات والتشويهات الموجهة ضد الصين أصبحت تقريبًا تقليدًا سياسيا في الولايات المُتحدة. فمُنذ تطبيع العلاقات الصينية الأمريكية لم يوقف الجانب الأمريكي أبدًا عمله فى هذا الصدد. حيث يختلق موضوعا جديدا ضد الصين في كل عقد تقريبا، ثم يستمر العمل على هذا الموضوع لسنوات عديدة. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها طرح موضوع شينجيانغ، فقد تم طرحه قبل 10 سنوات، ولكن في ذلك الوقت كانت أحداث العنف والإرهاب خطيرة، فلم يكن لديهم دعم واضح. وعندما أحرزت الصين تقدمًا كبيرًا في إدارة الملف الأمني بشينجيانغ لأكثر من ثلاث سنوات، ولم يقع أي حادث عنف إرهابي، لكنهم أثاروا ضجة حول شينجيانغ مرة أخرى.
عقب "نتائج التحقيق"، هدد "مشروع القانون"- في يوم 3 ديسمبر، أجاز مجلس النواب الأمريكي ما يسمى "بمشروع قانون سياسة حقوق الإنسان للإيجور عام 2019م"، والذي يهدف إلى التشويه والتدخل في شؤون شينجيانغ الصينية، حيث طلب من الحكومة تقديم "تقرير انتهاك حقوق الإنسان"- بفرض عقوبات على بعض كبار المسؤولين الصينيين بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي للمُساءلة عن حقوق الإنسان، ودعى إلى فرض قيود على الصادرات في بعض المجالات. "كأن كلمة عقوبات باتت إدمانا لفظيا على لسان الولايات المُتحدة". وقال دياو دام ينغ، على سبيل المثال بشأن مُراقبة الصين للمواطنين: مُعدات المُراقبة مُستخدمة على نطاق واسع من قبل جميع البلدان في العالم، بما في ذلك الولايات المُتحدة، ولا يوجد أي حكومة رشيدة في العالم تتوانى عن تشغيلها، "أعتقد أن السياسيين الأمريكيين يدفعون بمشاريع القوانين هذه لتصبح كالسيف المُشرع هناك، قد لا تكون الحرب التجارية هي التي ستؤثر على العلاقات الصينية الأمريكية في المُستقبل، ولكن مشاريع القوانين هذه بمثابة السيف الذي يمكن أن يستخدمه أي رئيس أمريكي ضد الصين في المُستقبل، والتي سيكون لها تأثير سلبي للغاية"!
إن الولايات المُتحدة الأمريكية في حقيقة الأمر لا يعنيها حقوق الإنسان، ولا حقوق مُسلمي الإيجور الذين تدعي بأنهم يتم اضطهادهم، بل ومحاولة تطهيرهم عرقيا، فهي تحاول دائما تلفيق الادعاءات والأكاذيب حول النظام الصيني من أجل أسطرته، وشيطنته أمام جميع دول العالم؛ الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى الكثير من الخسائر لهذا النظام بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية، والسياسية معه.
من أجل محاولة تكذيب هذه التلفيقات الأمريكية تم بث فيلم وثائقي باللغة الإنجليزية بعنوان "شينجيانغ الصينية: الخط الأمامي لمُكافحة الإرهاب" على قناة "سي جي تي إن" الفضائية الصينية يوم 5 ديسمبر. ويُعد هذا أول فيلم وثائقي باللغة الإنجليزية فى السنوات الاخيرة يظهر الآلام والمُعاناة الناجمين عن الإرهاب العنيف والتطرف الديني فى شينجيانغ، ويشرح بشكل مُنظم جهود الصين المبذولة لحل المُشكلة.
ينقسم الفيلم الوثائقي الذي تصل مُدته إلى حوالي ساعة إلى أربعة أجزاء: "التطرف كارثة شينجيانغ"، و"ثمن الحياة، والإصابات الناجمة عن العنف والإرهاب"، و"طريق التطرف دم ودموع وأكاذيب"، و"مُكافحة الإرهاب على الصعيد العالمي، جنبًا إلى جنب". في البداية، يظهر الفيلم الوثائقي سحر شينجيانغ للجمهور من خلال المناظر الطبيعية الرائعة والأسواق المُزدهرة والرقصات والمُوسيقى الشعبية، وتتخللها رسالة شعب شينجيانغ للمُستقبل. بعد ذلك، تظهر في اللقطات مقاطع فيديو أصلية لحادث 5 يوليو2009م، والهجوم الإرهابي الذي وقع في 28 أكتوبر على جسر المياه الذهبية في ميدان "تيان آن مون" في العام 2013م، والهجوم الإرهابي الذي وقع يوم 21 مارس على محطة "كونمينغ" للسكك الحديدية في عام 2014م، حيث أشار التعليق إلى أن هذه الصور البشعة والفظائع المروعة "تكشف عن الوضع الأمني الخطير في منطقة الحدود الغربية للصين". 
في الوقت نفسه، يبرز الفيلم الوثائقي مُشكلة طويلة الأمد عندما يتحدث الرأي العام الغربي عن مواضيع تتعلق بشينجيانغ: "نشرت بعض الدول الغربية تصريحات مشوهة بأن حادث 5 يوليو كان صراعًا عرقيًا وقمعًا، لكن الخبراء الصينيين أشاروا إلى أن مثل هذه التصريحات تختلف بوضوح عن نظام الخطاب الذي استخدم لتقييم حادث 11 سبتمبر، ولا بد أن يكون هناك شيء غير منطقي. وتعكس هذه التصريحات الكاذبة المعايير المزدوجة لبعض الدول بشأن قضية مُكافحة الإرهاب".
"بالنسبة للمُتطرفين، الجميع هم الفرائس". بالإضافة إلى الصور المروعة للإرهاب العنيف، يكشف الفيلم الوثائقي أيضًا عن أسباب الهجمات الإرهابية العنيفة بشكل عميق. ومن نتائج هذه الهجمات مثلاً: فقدتْ ديلي كمال ساقها اليمنى للأبد في الهجوم الإرهابي على "لونتاي" يوم 21 سبتمبر عام 2014م. كما أُصيبت ريزيا التي نفذت الهجوم بجروح بالغة، وقد كانت تتمتم من سريرها في المُستشفى قائلة: إنها قد سلكت هذا الطريق لأنها تؤمن بما يسميه المُتطرفون "بالاستشهاد المُقدس الذي يُدخل الجنة"، وذلك حسب زعمهم الخاطئ. لكن المدنيين ليسوا الضحايا الوحيدين للتطرف، فقد اُغتيل الإمام جمعة طاير، إمام أكبر مسجد في كاشغار. وقال عبد الرقيب تومنيازي، رئيس معهد شينجيانغ الإسلامي أمام الكاميرا: "إنهم يعتقدون أنهم إذا ما تخلصوا من الذين يتمتعون بمكانة مرموقة ومستوى رفيع في الدائرة الدينية، فلن يقاومهم أحد وبالتالي يمكنهم تحقيق مُؤامراتهم". وقال ووشوير، مُرتكب الهجوم الإرهابي على جسر جين شوي جياو "الماء الذهبي" في ميدان "تيان آن مون" في 28 أكتوبر: "إننا ننفذ الهجوم أينما كان هناك عدد كبير من الناس ولا نهتم بما إذا كان الطرف المهجوم عليه مُسلمًا أو غير مُسلم أو إيجوريا، وإلا، لما تمكنا من تحقيق أي شيء".
يشير الفيلم الوثائقي إلى أن المُتطرفين يتعمدون تشويه التعاليم الدينية لتحقيق أهدافهم، ويشيرون، عادة، إلى كلمة "جهاد" في القرآن على أنها "حرب مُقدسة" ضد الكفار. لهذا قال الأستاذ بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إبراهيم عبد العزيز حجازي: إن كلمة "جهاد" في الإسلام كلمة إيجابية، لا تعني "حمل السلاح"، بل تعني تحدي شهوات النفس والتغلب على الصعوبات وتجنب الأخطاء حتى نبتعد عن الشر ونسير نحو طريق الإيمان الحقيقي. 
يدعي مُعظم الإرهابيين أنهم "مُسلمون صالحون"، لكنهم في الواقع لا يعرفون شيئًا عن القرآن. في الفيلم الوثائقي، أجاب مورزاتي الذي ارتكب الهجوم الإرهابي يوم 15 يونيو في "هوتيان" عام  2014م بكلمة: "لا أعرف" عندما سُئل عن تاريخ الإسلام والمعنى الدقيق للجهاد.
لمواجهة الوضع الخطير، قامت شينجيانغ- التي تعتبر ساحة معركة مُكافحة الإرهاب في الصين- بوضع وتعديل اللوائح المُنظمة لتنفيذ "قانون مُكافحة الإرهاب لجمهورية الصين الشعبية"، و"اللائحة التنفيذية للقضاء على التطرف في منطقة شينجيانغ الإيجورية ذات الحُكم الذاتي"، بهدف منع الأنشطة المُتطرفة من مصدرها للقضاء على الإرهاب، ومُعاقبة الإرهابيين. وتضع الحكومة الصينية مُكافحة الإرهاب والوقاية منه على رأس الأولويات، ويأتي إنشاء مراكز للتعليم والتدريب المهني ضمن هذه الأولويات.
في بداية القرن العشرين، حاولت القوى الانفصالية العرقية والقوى الدينية المُتطرفة داخل الصين وخارجها إحياء "القومية التركية"، و"القومية الإسلامية". ويشير الفيلم الوثائقي إلى أن الجماعات الإرهابية قد اتخذت خطوات جديدة في صياغة الاستراتيجية واختيار الأهداف والتغطية الإقليمية والتعاون في الداخل والخارج. وقد انتشر الإرهاب والتطرف على نطاق أوسع في جميع أنحاء العالم في أعقاب هجمات 11 سبتمبر. ووفقًا للفيلم الوثائقي، أحرق الجناة المُنفذون للهجوم الإرهابي الذي وقع يوم 28 أكتوبر على جسر "جين شوي جياو" في ميدان "تيان آن مون" عام 2013م أعلام الولايات المُتحدة وألمانيا وبلدان أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، اكتشفت الشرطة أن الغالبية العظمى من مُعسكرات تدريب الإرهابيين ترتبط "بحركة تركستان الشرقية الإسلامية"، ويظهر الفيلم الوثائقي أيضًا عددًا كبيرًا من الإرهابيين يتلقون التدريبات في الخارج. كما قال الخبراء: إن الإرهاب أصبح خطرًا عامًا فى عالمنا اليوم، "ولا يمكن لأي دولة أن تنتصر في هذه الحرب بمُفردها".
بعد مُشاهدة الفيلم، فإن أكثر ما لمسه مُراسل صحيفة "غلوبال تايمز" بعمق هو أن عددًا كبيرًا من الصور الأصلية للهجمات الإرهابية العنيفة التي وقعت في الماضي قد انتشرت لأول مرة على نطاق واسع وبدرجة صادمة أكثر مما كان عليه الحال في الماضي، مما أدى إلى وضع تحذيرات في بداية الفيلم، تحذر المُشاهدين من وجود صور مُزعجة للمشاعر.
بالتأكيد إذا ما تأملنا ما سبق أن سقناه من حقائق حول الوضع في الصين، لا سيما مُقاطعة شينجيانغ ذاتية الحُكم، ذات الرغبة الانفصالية، لتأكدت لنا الأكاذيب الأمريكية التي تحرص الولايات المُتحدة على تلفيقها عن النظام الصيني في إطار حربها المُستمرة والشعواء على الصين من أجل محاولة تقويض تقدم الدولة الصينية.