رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمراض الاقتصاد المصري


إن الوضع الاقتصادي في مصر مرتبك ومشوه في ظل وجود جهاز إداري مترهل ويفتقد إلي الرؤية والدور المنوط به وقطاع مصرفي يهتم بحقوق المودعين والمساهمين ويتجاهل الدور التنموي في البلاد.

أن مصر تعاني من تدني معدلات الادخار والبنوك لا تساهم ولا تمول إلا مشروعات تتأكد من جدواها الاقتصادية لحماية أموال المودعين لان المشروعات الصغيرة تعطي البنوك عائدا جيدا ولكنها تحتاج إلي دراسة جدواها الاقتصادية وهذا يتطلب إعداد كوادر لهذا الأمر.

إن وضع الجهاز المصرفي في مصر جيد جدا وخاصة بنوك القطاع العام التي تمكنت من تخفيض معدلات الديون المعدومة بنسبة كبيرة بما لديها من خبرات وكوادر مصرفية متميزة، أن هناك قواعد دولية متعارف عليها يجب إتباعها في أي نظام مصرفي بالعالم كما أن البنوك تتأثر سلبا وإيجابا بأي قرار اقتصادي يتم اتخاذه وخاصة فيما يتعلق بالضرائب وحقوق العمال. لان مصر علي مدار تاريخها لم تهتم بالمجتمع الأهلي منذ عهد الخديوي إسماعيل وفي ظل النظام السابق تم الزواج بين الحكومة والقطاع الخاص وتجاهل تام للعمل الأهلي يضاف إلي ذلك غياب نظام الوقف لتدعيم مشروعات التنمية المستدامة لان حجم الوقفيات في الولايات المتحدة بلغ 12 تريليون دولار كما أن جامعة هارفارد لديها وقفيات 32 مليار دولار وجامعة ييل لديها 16 مليار دولار.

أن القطاع الأهلي في تركيا نجح بسبب تعديل قانوني الجمعيات الأهلية والأوقاف مما أدي إلي وجود حوالي 170 ألف جمعية أهلية في تركيا، أن مصر تفتقر إلي وجود أي دراسة تحدد نسبة مساهمة القطاع الأهلي في الناتج القومي كما أن هذا القطاع يمكنه مساعدة الحكومة في حماية منظومة الدعم من خلال تفعيل الرقابة علي الأجهزة الحكومية ويكفي أن دعم الخبز المسروق سنويا يصل إلي 7 مليارات جنيه.

منذ عام 1940بعد بداية الحرب العالمية الثانية بدأت الدول الأوربية في تدعيم بعض السلع والخدمات، وكانت مصر قد حذت حذو معظم الدول الأوروبية المتحاربة في السير بمبدأ إيجاد الدعم لمعظم السلع والخدمات، ومنذ ذلك التاريخ ظهرت في مصر وزارة التموين وكان هدفها الأول بل الأوحد هو دعم معظم السلع وصرفها للمواطن المصري عن طريق “بطاقات التموين وزاد الدعم فشمل الأسمدة والمبيدات والكيماويات للأراضي الزراعية وكذلك الطاقة سواء للأفراد أو الشركات أو المصانع ولكن الدعم بالشكل الحالي، يسير من سيء إلي أسوأ لان الدولة أصبحت عاجزة عن الوفاء باحتياجات المواطنين لعدم وصوله إلي مستحقيه، ويجب أن يتم إعادة النظر في منظومة الدعم بالكامل ومن يحصل علي الدعم هم الأغنياء فقط في مصر، واري التحول إلي الدعم النقدي ولكن تدريجيا.

لكي تنهض مصر اقتصاديا يجب أن يكون هناك عدالة اجتماعية، وعدالة في التوزيع، ووقف تام لتصدير المواد الخام، ووقف تصدير الغاز الطبيعي، وتطبيق الحد الأقصى للأجور وربط الأجر بالإنتاج، وان تسيطر الدولة علي الأسعار من خلال فرض الرقابة الفعالة، وتقوية منظمات المجتمع المدني، وان تدخل الدولة كتاجر قوي ينافس الآخرين من خلال تدعيم، وإعادة نشاط المجمعات الاستهلاكية.

وعلاج أمراض الاقتصاد المصري تبدأ من مصر وتنتهي في مصر وليس الخارج إن وقف المعونة الاقتصادية الأمريكية لمصر سوف تكون له آثار سلبية على مصر في المدى القريب وذلك في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور بعد الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير في العام الماضي. وتصحيحها في 30 يونيه .

لكن الآثار طويلة المدى ستكون إيجابية . أن هناك شواهد كثيرة في تاريخ التنمية الاقتصادية للعديد من الدول التي استفادت من المعونات الدولية، لكن التاريخ يطفح أيضاً بالشواهد التي تدل على أن هذه المعونات قد أفسدت البيئة الاقتصادية ولم تحقق فائدة مستدامة بل كرست روح الاعتمادية على الغير ولم يستفد منها سوى جيوب بعض المستنفذين المحليين الذين أصبحوا يمثلون طبقة اقتصادية واجتماعية جديدة ذات ارتباط بالكيانات التجارية الخارجية الكبرى، بالإضافة إلى إشعال النزعة الاستهلاكية وتدمير أخلاقيات العمل المنتج.

إن الإرادة السياسية كانت غائبة في الداخل ولم يكن مانحو المعونة الأجنبية أشد حرصاً من أصحاب القرار المحلي بسبب فساد دوائر اتخاذ القرار في الداخل وتحويل هذه المعونة من القنوات التي يمكن أن تحقق الفائدة المستدامة للاقتصاد إلى قنوات ذات صبغة ريعية محدودة الفائدة.

أن المشكلة الحالية تكمن في عدد من النقاط أهمها اتساع القطاع غير الرسمي في المجتمع المصري، حيث يوجد العديد من العاملين خارج منظومة التأمينات الاجتماعية حيث يتم بناء الحسابات الاكتوارية علي عمر متوقع بعد سن المعاش في ظل ارتفاع متوسط العمر للمرأة نحو 72 سنة و70 سنة للرجل، وأصبحت المشكلة الآن تتمثل في انخفاض حجم التدفقات السنوية من النظام غير الملتزم مقارنة مع حجم الالتزامات داخل المنظومة ويرجع ذلك إلي عدة أسباب

أولها أن معظم المشتركين في نظام التأمين يشتركون عن الحد الادني للاجل التأميني،

وثانيا ان الحد الادني للاجل التأميني يعد منخفضاً لانه مرتبط بقانون العاملين في الدولة رقم 47 لسنة 1978، حيث لا يتجاوز راتب الحد الادني للدرجة الثالثة 35 جنيها وهي مستويات غير واقعية ولا يزيد الحد الاقصي للاشتراك التأميني عن 1600 جنيه مهما زاد الراتب وفقاً لهذا القانون.

أن النقطة الثالثة أن ارتفاع مديونية التأمينات في ضوء عدم مبادرة بعض المؤسسات بدفع ما عليها من التزامات تأمينية، يؤدي الي تزايد المديونية المستحقة علي الخزانة العامة، فضلا عن تحمل الخزانة العامة للدولة اي اضافات أو التزامات جديدة تقرها الدولة وما ينتج عنه من تراكم الدين لدي الدولة.

قيمة دين التأمينات علي الخزانة العامة بنحو 145 مليار جنيه، كما كشف عن اتساع الفجوة بين الاشتراكات والمعاشات لتتجاوز 34 مليار جنيه بتاريخ 30/6/2012 وهي تمثل الفرق بين صافي الاشتراكات من جانب ودين المعاشات والتعويضات المنصرفة من جانب آخر.

ان الجزء الاكبر من الدين العام عبارة عن اموال الصناديق والتأمينات الاجتماعية وتتمحور المشكلة في ان الصناديق بأوضاعها والتزاماتها المستقبلية غير قادرة علي الاستمرار بهذا الوضع وهو ما يتطلب حل تلك المشكلة حيث اصبح من الضروري اجراء دراسة لافضل بدائل استثمار تلك الأموال لتدر عائدا علي النظام لتحقيق الهدف منه.

بالفعل الجسد الاقتصادي المصري مريض بعدة أمراض، مزمنة منها طوابير البطالة التي لا تنتهي، وتتزايد يوما بعد يوم لانعدام فرص العمل، وعجز الدولة، عن توفير البدائل، علاوة على ثقافة “إن فاتك الميري اتمرمغ في ترابه ” بالرغم من أن الدولة لم تعد تستوعب عمالة أخري، فضلا عن ارتفاع مستوي الدين العام الداخلي،والخارجي، وعجز ميزان المدفوعات عن الوفاء باحتياجات مصر الضرورية، وارتفاع أسعار السلع، والمنتجات وكذلك النظام الاقتصادي يعاني من شلل في معظم الأنشطة.لان النظام الاقتصادي المصري يعتمد علي السوق الحر، والتنافسية التجارية، وهذا النظام متبع في الخارج، ولكنة يعتمد أيضا علي حكومة تفعل أجهزة الرقابة، وتطبيق القوانين بحزم علي المخالف، وتستطيع الدولة أن تحد من ارتفاع الأسعار، والسيطرة عليها من خلال عدة إجراءات، منها توزيع السلع عن طريق منافذ بالجهات الحكومية، والوزارات، والهيئات وغيرها، ويتم التوزيع أيضا عن طريق المنافذ الموجودة بالمناطق الصناعية لكافة العاملين بهذه المناطق، وأن يكون هناك منافذ بيع متواجدة في الأماكن العامة، ومحطات المترو، والقطارات، وبهذه الوسائل تستطيع الدولة السيطرة علي الأسعار. جهاز حماية المستهلك، هو جهاز تابع لوزارة التموين والتجارة الداخلية، ويدور في فلك الحكومة، وجودا، وعدما، ويجب تفعيل دوره الرقابي ليكون أكثر فاعلية، وقدرة علي وقف نزيف الجيوب، الأمر الذي سينعكس بدورة علي الجمعيات الأهلية لحماية المستهلك، ويكون للجمعية الحق في النشر في كافة وسائل الإعلام “المقروءة - المسموعة - المرئية - الاليكترونية” بالمجان. إن معدلات البطالة في المجتمع بلغت 13% في ديسمبر 2012 وتبلغ البطالة بين الإناث 24% في حين تبلغ 2.9% بين الذكور لان نسبة البطالة بين الشباب الذي يتراوح مستواها العمري من 20 إلي 25 سنة عالية حيث بلغت 37%، وأضاف ان اعلي نسبة من العاطلين تكمن في حاملي المؤهلات العليا، حيث تبلغ هذه النسبة 47% من حاملي المؤهلات العليا في حين تقل تلك النسبة بين الأميين في الريف والحضر، لان نسبة العاطلين عن العمل والسابق لهم العمل بلغت 6.28%، في حين بلغت نسبة العاطلين ممن لم يسبق لهم العمل من قبل 4.71%. يجب أن يكون هناك “كتاب أبيض” للتجار الملتزمين، و”كتاب أسود”، يتم فيه قيد التجار الجشعين ليكون بمثابة عقوبة معنوية له، ويحرم التاجر، وأولاده من التمتع بالدعم العيني للتموين، والتعليم، والصحة، وعلي الحكومة حظر الترشيح للتاجر في الانتخابات سواء للنوادي، والنقابات، أو المجالس المحلية، أو المجالس التشريعية، أو رئاسة الجمهورية، وبذلك يكون هناك نوع من أنواع الردع العيني، والمجتمعي للغشاش، والمستغل، وفى حالة عدم ردع أي تاجر بهذه الإجراءات يتم فرض التسعيرة الجبرية. بعد 30 يونيو انهالت علينا التبرعات من الدول العربية وما زالت وبصرف النظر عن الأغراض السياسية خلف تلك التبرعات ولا يجب أن تكون مصر متلقية فقط للتبرعات، وجميع الأموال التي وصلت من الخليج سوف ترد إن أجلا أم عاجلا!. الحد الأدنى للأجور حتى الآن معالمه غير واضحة، ونري تخبط من جانب الحكومة، ويقال أنه تم تطبيقه في قطاعات، وامتنعت الأخرى، فإن وزارة المالية تعاني من عجز في الموازنة العامة وصعوبة في توفير الحاجات الضرورية، وفي ظل ذلك العجز يصعب تطبيق الحد الأدنى بالكامل، وتستطيع الحكومة توفير مليارات الجنيهات من خلال إخلاء الوزارات، والهيئات من المستشارين الذين يحصلون علي ملايين الجنيهات سنويا وتطبيق الحد الأقصى علي الجميع وربط الأجر الإنتاج، واستغلال الموارد الطبيعية المتاحة في مصر، وعدم تصدير المواد الخام، وإعادة المصانع المغلقة ستوفر فرص عمل

أما بالنسبة للقطاع الخاص فان له حسابات تختلف عن القطاع العام، ولن يطبق القطاع الخاص الحد الأدنى للأجور إلا إذا كان يحصل عل ما يقابله من العمل والإنتاج. أميل أكثر إلى أن يكون في مصر قطاع عام قوي، وقطاع خاص قوي، وقطاع تعاوني قوي، الأمر الذي سيصب في مصلحة المواطن، والاقتصاد بصفة عامة. أذون الخزانة، والسندات المالية، والقروض التي تقترضها الحكومة من البنوك، وأموال التأمينات ما تقييمك لهذه السندات، وجدواها في سد عجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات ؟السندات وسيلة تلجأ إليها الدولة لمحاولة سد العجز في ميزان المدفوعات، وقد تكون بابا من أبواب استثمار أموال البنوك والتأمينات، ولكنها في النهاية تزيد من حجم الدين المحلي، وهي حلول وقتية لا يجب الاعتماد عليها كثيرا. من أهم أسباب ارتفاع الأسعار في مصر، توقف الكثير من المصانع عن العمل، وتآكل الكثير من الأراضي الزراعية القديمة، وضعف الرقابة الحكومية علي الأسواق، والتجار، والحل في تفعيل دور “هيئة السلع التموينية” التابعة لوزارة “التموين والتجارة” في استيراد السلع التي تحتاجها مصر، كما كانت الداخلية تفعل ذلك من قبل بدلا من تكليف بعض رجال الأعمال من “المحاسيب” بهذا العمل.