رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستشار المفتى : تمكين المرأة.. مواجهة الانفجار السكانى.. التطرف.. الإرهاب.. والفساد أهم قضايا مؤتمر هيئات الإفتاء القادم

الدكتور إبراهيم نجم
الدكتور إبراهيم نجم

تستعد الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم لعقد مؤتمرها السابع فى القاهرة، على مدار يومى ١٧ و١٨ أكتوبر الجارى «الإثنين والثلاثاء المقبلين»، بحضور كبار المفتين والوزراء والعلماء من أكثر من ٩٠ دولة، ومشاركة عالية المستوى من الأمم المتحدة. 

وتحمل الدورة السابعة من المؤتمر عنوان: «الفتوى وأهداف التنمية المستدامة»، إيمانًا من الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بأهمية التنمية المستدامة التى صارت مطلبًا عالميًا الآن، والنظر إليها باعتبارها مقصدًا من مقاصد الشرع، تنمية لا إفساد فيها ولا إضرار أو إهدار للموارد، متوازنة شاملة تشاركية دون إقصاء لأحد، وتستخدم أفضل الوسائل المتاحة لإعطاء أفضل النتائج المرجوَّة. 

ويحمل الحدث أهمية كبيرة هذا العام، فى ظل مجيئه قبل أسبوعين من استضافة مصر مؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، المقرر عقده فى مدينة شرم الشيخ، خلال الفترة من ٦ إلى ١٨ نوفمبر المقبل. 

«الدستور» تحاور، فى السطور التالية الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، رئيس مركز «سلام» لدراسات التطرف، ليكشف لنا عن أبرز تفاصيل المؤتمر المنتظر، وسر ربطه بالتنمية المستدامة هذا العام، وفى قلبها بالطبع قضية تغير المناخ. 

■ متى يُعقَد مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم؟

- المؤتمر يُعقد على مدار يومى ١٧ و١٨ أكتوبر الجارى فى القاهرة، برعاية من الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبحضور كبار المفتين والوزراء والعلماء من أكثر من ٩٠ دولة حول العالم.

كما يشهد المؤتمر مشاركة عالية المستوى من الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، وعدد من الهيئات الدولية الأخرى، والباحثين والمتخصصين فى هذا المجال، لمناقشة موضوع: «الفتوى وأهداف التنمية المستدامة».

■ ما العلاقة بين تحقيق التنمية المستدامة ومقاصد الشريعة الإسلامية فى الكون؟

- الإسلام حثَّ على عمارة الأرض والاستفادة من مواردها على نحو أمثل، بما يضمن بقاء تلك الموارد وعدم نضوبها، والتنمية المستدامة أحد أهم متطلبات عمارة الأرض، لأن من مبادئها الحرص على الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة، فضلًا عن تلبية احتياجات الحاضر، دون أن تُعرض للخطر قدرة الأجيال التالية على إشباع احتياجاتها.

وتقرر لدى كل عاقل أن التنمية غاية كل المجتمعات الحديثة، من أجل تحقيق الاكتفاء لشعوبها، وسعيًا إلى مستوى حياتى يُتيح العيش بكرامة لكل فرد من أفراد المجتمع، دون اللجوء إلى ذل الحاجة والطلب من ناحية، أو الهجرة الاختيارية أو الإجبارية من ناحية أخرى.

ولقد قرر علماء الشريعة أنها جاءت بالمحافظة على الضروريات الخمس: «الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل». يقول الإمام الشاطبى: «اتفقت الأمة، بل سائر الملل على أن الشريعة وُضعت للمحافظة على الضروريات الخمس؛ وهى: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل. وعلمها عند الأمة كالضرورى».

وكذلك جاءت الشريعة بالحفاظ على مكملاتها فيما يعرف بـ«المقاصد الحاجيَّة» و«المقاصد التحسينية»، وهذه المحافظة لا تتحقق للأفراد بمعزلٍ عن المجتمع، وإنما تتحقق من خلال استغلال موارد الوطن وتنميتها، وهو ما يتقابل مع مفاهيم التنمية الحديثة المعروفة باسم «التنمية المستدامة».

■ إذن.. هل هناك رؤية إسلامية للتنمية المستدامة؟

- من خلال المفهوم القرآنى لعمارة الأرض، يمكن تعريف التنمية المستدامة وفق منظور إسلامى يظهر معه سمات وطبيعة الحياة التى أراد الله تعالى للإنسان أن يحياها، ويسعى إلى الوصول إليها بعمله واجتهاده، وهو: «السعى للارتقاء بحياة الإنسان ماديًا وروحيًا بما يُسعده فى دنياه وأُخراه، وفق السنن التى وضعها الله سبحانه وتعالى فى الحياة، من غير إفساد أو إضرار أو إهدار للموارد، وبما يضمن حظوظ الأجيال كلها حاضرها ومستقبلها، حتى يتحقق لهم التكريم اللائق بهم». فالتنمية المستدامة وفق الرؤية الإسلامية: سعى وعمل دءوب للوصول إلى حالة الإشباع المُحققة لسعادة البشر، وفق سنن كونية وضعها الله سبحانه وتعالى، وهى تنمية متوازنة وشاملة لا يطغى فيها جانب على آخر، تنمية اقتصادية واجتماعية وإنسانية وبيئية وتقنية وإدارية، وتنمية مادية وروحية، تنمية تشاركية لا يُقصى فيها أحد، ولا يُحرم من ثمارها أحد.

وهى تنمية تحافظ على البيئة من التلوث والعبث والهدر، تنمية تُعطى للأجيال الحاضرة حقها من غير إجحاف بحقوق الأجيال القادمة، تُستخدم فيها أفضل الوسائل والسبل لتحقيق الاستثمار الأمثل للموارد المادية والبشرية فى العمليات التنموية، ولاعتماد مبادئ العدالة فى الإنتاج والتوزيع والعوائد، تنمية غايتها القصوى هى الإنسان كل الإنسان، فهى تسعى إلى الارتقاء المستمر به، عبر تأهيله وإعداده لتنفيذ عملية التنمية المنشودة من أجل تحقيق الرفاهية له فى حياته، والوصول به إلى التكريم الذى أراده الله له فى هذه الحياة، مُصْطَلِحًا فيها مع الله تعالى، مُجْتَنِبًا لما حرمه الله تعالى ونهى عنه.

■ يأتى على رأس أجندة المؤتمر محور: «دور الفتوى فى مواجهة معوقات التنمية».. فما تفاصيل ذلك؟

- فى هذا المحور يُعرِّف المشاركون بمعوقات التنمية المستدامة وأنواعها المختلفة، التى تأتى على رأسها قضايا الانفجار السكانى، وتمكين المرأة، ومسألة التطرف والإرهاب وكيف تُعد أخطر ما يواجه التنمية المستدامة، وكذلك ظاهرة الفساد والاحتكار، وغيرها من الأمور التى تقوض مساعى التنمية.

ثم يرصد المشاركون التحديات العالمية التى تواجه التنمية، صحية كانت أو بيئية أو غيرهما، مثل تحدى الأوبئة العالمية، والتغير المناخى، وغيرهما من التحديات التى تؤثر على الإنسانية جمعاء.

ثم ينطلق المشاركون لبحث آليات مواجهة هذه المعوقات من خلال الفتوى والإفتاء، والدور المنوط بالفتوى لدعم جهود هذه المواجهة، إلى جانب تحليل جهود دور ومؤسسات الفتوى والقادة الدينيين فى مواجهة معوقات التنمية.

كما يحدد المشاركون سبل تعاون البشر بجميع اتجاهاتهم وعقائدهم وألوانهم فى مواجهة تحديات ومعوقات التنمية، محلية كانت أو عالمية، وماهية التعاون والتكامل المنشود لمواجهة هذه التحديات تحت شعار «البشرية.. مصير مشترك».

■ ما أبرز البحوث والقضايا التى ستناقشونها فى إطار هذا المحور؟

- هناك عدد من البحوث والقضايا التى سيناقشها هذا المحور، منها الانفجار السكانى كأحد معوقات التنمية ودور الفتوى فى مواجهته، والفتوى ومواجهة الانحراف الفكرى «التطرف- اللا دينية- العنصرية»، والتغير المناخى ودور الفتوى فى دعم جهود مواجهته، والفتوى وحقوق الإنسان، ودور الفتوى فى قضية تمكين المرأة، وكذلك الفتوى فى مواجهة الثلاثية القميئة: «الفقر- الجهل- المرض».

ونناقش كذلك الفتوى وتعزيز قيم الشفافية ومحاربة الفساد، ودور الفتوى فى تعزيز الحوار بين الأديان، فضلًا عن الفتوى وقضايا البيئة، والفتوى ومواجهة التحديات العالمية، والفتاوى المؤسسية ومدى الالتفات لمعوقات التنمية، والإفتاء الجماعى فى قضايا الشأن العام ودوره فى مواجهة تحديات التنمية العالمية.

■ يبحث المؤتمر سبل إعادة بناء الوعى البشرى تجاه قضايا البيئة والمناخ.. هل بالإمكان معرفة رؤيتكم لذلك؟

- انطلاقًا من مخاطر التغير المناخى أصبحت التوعية لازمة، وإهمالها تفريط ومشاركة فى الجرائم البيئية المقبلة، لذا على جميع الدول برمجة التربية البيئية ضمن مقررات مناهجها التربوية لجميع مراحل التعليم لتنشئة أجيال تعى مخاطر تغير المناخ عليها وعلى من سيأتى بعدها، فضلًا عن المساهمة الإعلامية الناضجة فى تفعيل الخطاب الدينى فى مواجهة أخطار التغير المناخى.

■ أعلنتم عزمكم إطلاق «المَعْلَمة المصرية للعلوم الإفتائية» فى ٥٠ مجلدًا.. فما محتواها؟

- هى «معلمة» تجمع بين دفتيها جميع ما يتعلق بالإفتاء ومصطلحاته، وتأهيل المفتين علميًا ومهاريًا، وإدارة المؤسسات الإفتائية، وبيان ارتباط الفتوى بمختلف المجالات العلمية والفكرية الحديثة.

تعرض فى أحد أقسامها منهج البحث فى الدراسات الإفتائية، وفى آخر المستقبليات الإفتائية، إلى جانب قواعد الإفتاء، وعلاقة الفتوى بالعلوم الاجتماعية والعلاقات الدولية، والفتوى والتنمية المستدامة، والملكة الإفتائية، والصياغة الإفتائية.

كما اعتنت بجمع مصادر الفتوى والإفتاء والتعريف بها، وقد أُنجز منها إلى الآن ٥٠ مجلدًا، من أهمها: «الفتوى والتغير المناخى، والفتوى وقضايا حقوق الإنسان، والفتوى وصناعة الحلال، والفتوى وتنمية الأسرة، والفتوى وتجديد الخطاب الدينى، وأيضًا الفتوى والسلام العالمى».

■ وماذا عن جائزة «الإمام القرافى»؟ 

- هى مبادرة تم الإعلان عنها فى مؤتمر الأمانة الرابع المقام فى القاهرة أكتوبر عام ٢٠١٩، وتهدف إلى تشجيع البحث العلمى الشرعى، وتقدير دوره فيما يخدم القضايا الفقهية، خاصة المعاصرة منها، والتميز والإبداع فى مجال البحث العلمى.

وتُمنح الجائزة فى إحدى فعاليات مؤتمر الأمانة كل عام لأحد المعنيين بالبحث الشرعى أو المؤسسات، طبقًا لمعايير محددة فى سياق تجديد الخطاب الدينى، ومعالجة القضايا الفقهية المعاصرة، والتميُّز المؤسسى لدور وهيئات الإفتاء.

هل بالإمكان معرفة تفاصيل ما أنجزه «المؤشر العالمى للفتوى» حتى الآن؟ وهل له مشاركة وتناول لموضوع هذا المؤتمر؟

- أنجز «المؤشر العالمى للفتوى» هذا العام ٢٦ تقريرًا دوريًا بين شهرى ونصف سنوى وسنوى، تناولت حالة الفتوى فى العالم رصدًا ودراسة وتحليلًا، منها تقرير «مؤشر الإرهاب السنوى»، كما أصدر ١٢ عددًا من نشرة «فتوى تريندز» المعنية برصد «التريندات» المتعلقة بالفتوى عالميًا.

أما الدراسات المتعلقة بحالة الفتوى وعلاقتها بالسياقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فقد أصدر المؤشر ١٠ دراسات منوعة ومعمقة، أهمها: «صورة التدين وعلماء الدين الإسلامى فى الدراما المصرية.. التطرف والإرهاب نموذجًا»، و«فتاوى التنمية المستدامة بين التدعيم والتقويض.. دراسة مقارنة حالة دار الإفتاء المصرية والفكر المتطرف»، و«تريندات الفتوى.. انعكاسات تسليع الجدل».

كما انتهى محرك بحث المؤشر من أرشفة ما يقرب من مليون فتوى مصنفة على قاعدة البيانات الخاصة به.