رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صينية بطاطس بالسمك لتلحين أغنية «عاشق الروح» فلسفة عبد الوهاب فى الطعام

 محمد عبد الوهاب
محمد عبد الوهاب

"هذا نفاق، أنه ذوقي أنا" بهذه الكلمات أجاب الموسيقار محمد عبد الوهاب، علي محرر مجلة الكواكب عندما أخبره أنه هنأ زوجته علي ذوقها في تأثيث منزلهما.  ضمن محاور “فيتامينات الألحان”، وهو الحوار الذي نشرته مجلة الكواكب المصرية، في عددها الــ 69 بتاريخ 25 نوفمبر عام 1952، مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.

 

بسم الله الرحمن الرحيم .. اللهم اجعل من هذا "فيتامينا" "للرومبا" الجديدة. هكذا يفتتح الموسيقار محمد عبد الوهاب جلسته علي المائدة.

 

يستهل المحرر الذي أجري الحوار مع "عبد الوهاب”، في العدد النادر ضمن أرشيف نواف سليم: "دعاني عبد الوهاب إلي مائدته .. وقد تعودت منه نسيانا عجيبا في المواعيد التي تتصل بالأكل وخاصة إذا كان الأكل في منزله. لقد حرصت علي تذكيره بالموعد يوما بعد يوم. حتي جاء اليوم الموعود.

 

وذهبت ومعي المصور لنلتقط صورا للفيتامينات التي توحي إليه بأعذب الألحان، واستقبلنا عبد الوهاب مرحبا رغم أنه يعلم أننا جئنا لتناول الغداء.

 

وتناول الحديث النظام الذي أثث به منزله الجديد. وقلت له أنني هنأت السيدة قرينته علي ذوقها الفريد. فقال: "هذا نفاق، أنه ذوقي أنا"

 

وتدخلت هي في الحديث فقالت: "بل ذوقي أنا" وحمي وطيس النقاش بينهما حول مصدر الذوق وصاحبه انتصرت في نهايته السيدة حرمه إذ ساقت حجة لا تقبل الدليل العكسي فقالت: "كيف تدعي أنه ذوقك وقد هربت إلي سميراميس بحقيبة ملابسك قبل "العزال" بعشرة أيام حتي طلبتك بالتليفون".

 

 ورغم قوة دفاع الزوجة فإن "عبد الوهاب" أبي إلا أن "يقاوح" حتي النهاية قائلا: "لقد نظمت لك كل شئ قبل ذهابي وأحضرتك إلي هنا وقلت لك تضعي في هذا الركن كذا، وفي ذلك كذا". وقال شقيق الزوجة: “قل هذا ذوقك فعلا لأنك أسقيته لزوجك خلال السنوات التي مضت علي زواجك حتي الآن”. واتبسط عبد الوهاب وقال: “كويسة دي”. وأعدت المائدة. 

 

ــ صينية بطاطس بالسمك من أجل أغنية “عاشق الروح”

قال عبد الوهاب: "الطعام في نظري هو فيتامينات ألحاني، وقد لاحظت ــ بعد طول أكل ــ أن لكل صنف من أصناف الطعام وحيا مخالفا لوحي الآخر. فمثلا ودعني أكشف لك عن سري، لقد تكلف تلحين "الجندول" عشرين ديكا روميا، وهذا معناه أن الله أراد لي الخير إذ لحنتها قبل نفاذ الديكة من السوق، وإلا لما خرج لحن الجندول.

 

وأغنية "عاشق الروح" لقد ألتهمت من أجلها صينية من البطاطس بالسمك، و"نشيد التحرير" تطلب مني أن آكل ثلاث أقات من "الجمبري المشوي". أما بقية ألحان فيلم "غزل البنات" فقد تكلف عشرة أزواج من الفراخ الفيومي، طهيت علي شكل "أسكالوب بانيه".

 

ــ بنت البلد بـ طبق “سلاطة قوطة”

ويواصل محمد عبد الوهاب حديثه عن ألوان الطعام وكمياتها التي تناولها لتلحين أعمال الموسيقية فيقول: "وقطعة "بنت البلد" حرقت قلب من أجلها بالتهام طبق مملوء بـ "سلاطة قوطة" وآخر بـ "لبن خض". أما الأغاني القديمة، أغاني "أنا أنطونيو"، و"كلنا نحب القمر"، و"في الليل"، وغيرها فقد لحنتها عندما كنت أتقاضي من الحكومة ستة جنيهات بالتمام والكمال مرتبا شهريا نظير تلقين التلاميذ، أمثال حضرتك الأناشيد الوطنية وغيرها.

وكنت أعتقد ــ وقتذاك ــ أن هذه الجنيهات الست ثروة لا تقاس إلي جوارها ثروة "عبود"، فكنت أحتفظ بنصفها للزمن الظالم وأنفق نصفها الآخر في إبراز مظهري كفنان كبير صغير السن. ومعني هذا أنني لحنت هذه الأغاني القديمة الرائعة، علي موائد أصدقائي وكانت دائما زاخرة بأطايب الطعام التي لم تكن توفرها لي جنيهاتي الست.

وأغنية "مريت علي بيت الحبايب" مثلا تناولت من أجل لحنها "طاجن حمام بالفريك" في منزل صديقي عبد الحميد عبد الحق، وكان محاميا ناشئا والحمد لله . و"القلب يا ما انتظر" تطلب مني لحنها التهام ثلاثة أطباق من الملوخية البوراني. ورحم الله أيام زمان، كانت أيام فقر مطعم بالغني، غني النفس، وغني العواطف.

ــ فلسفة عبد الوهاب عن الطعام

ويشير محرر مجلة الكواكب إلي أن: "فلسفة محمد عبد الوهاب عن الطعام، سهلة مهضومة، فهو يقول أن الحيوان قد خلق ليأكل ولا يفكر. أما الإنسان فهو يسعي ويكد ليأكل، ثم يفكر ولا يمكن أن تنبت فكرة صالحة من معدة خاوية. فإذا أردتم لي أن ألحن وأن أخرج ما تعتقدون أنها روائع وأنها لروائع حقا، بعد إضافة عبارة: "أخجلتم تواضعي"، فهيا إلي سوق الخضر والفاكهة واشحنوا منها إلي منزل عبد الوهاب بالزمالك.

ويقول عبد الوهاب أن خلافا قد نشب بينه وبين صديقه عبد الحميد عبد الحق، حول تسعيرة الفراخ والديوك الرومي، فرأي الأستاذ عبد الحق أن لا تسعر هذه الأصناف الكمالية لأن منتجيها من النسوة الفقيرات في الريف اللائي يعشن علي تربية "الكتاكيت". ورأي "عبد الوهاب" أن هذه التسعيرة لازمة حتي لا تختفي الفراخ، لأنها إذا لم تسعر تفقد قيمتها، ويفقد هو شهيته لها، فتضيع الألحان وتطير مع الفراخ الطليقة من التسعيرة. ورغم ولع الموسيقار محمد عبد الوهاب بألوان الطعام المتقنة الطهو إلا أنه لا يتناول أي صنف من الخمور لأن الخمر "تزحم" المعدة فلا تدع للأكل مكانا.

305633862_3312026222418097_1545214587222225840_n