رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«وضع متفجر».. ماذا يحدث بين إسرائيل والفلسطينيين فى الضفة الغربية؟

 إسرائيل والفلسطينيين
إسرائيل والفلسطينيين فى الضفة الغربية

موضوع واحد يشغل الجيش الإسرائيلى و«الشاباك» أكثر من الاتفاق النووى مع إيران، وأكثر من تهديدات حزب الله، ومن المواجهات مع حركتى حماس والجهاد الإسلامى، وهو الوضع فى الضفة الغربية القابل للاشتعال فى أى لحظة.

الخطر المحتمل الذى تشكله الضفة هو أعلى من كل التهديدات السابقة، وكانت إسرائيل قد شهدت أيامًا مماثلة سابقة فى «الانتفاضة الثانية»، وفى «انتفاضة السكاكين» عام ٢٠١٥، وتشير الأحداث، خلال الفترة الأخيرة، إلى أن اشتعال الضفة بات قريبًا.. فما الذى يجرى؟

ازدياد حوادث إطلاق النار ورشق الحجارة والزجاجات المشتعلة ضد الجنود الإسرائيليين أثناء «الاعتقالات»

قال مصدر أمنى إسرائيلى رفيع المستوى يتابع عن كثب عمل الجيش والشاباك والشرطة: «نحن نلاحظ حالة متنامية من الغليان فى الضفة الغربية، بالأساس فى شمال الضفة، ويمكن أن تتصاعد وتتحول إلى ثورة شعبية عنيفة».

ووفقًا لحديثه، يتعين على المؤسسة الأمنية الاستعداد الآن لمواجهة مثل هذا التطور ومحاولة منع حدوثه.

الأزمة تظهر فى ازدياد حوادث إطلاق النار ورشق الحجارة والزجاجات المشتعلة فى كل ليلة تقريبًا من قبل الفلسطينيين ضد الجنود الإسرائيليين، مع ملاحظة أن هناك ارتفاعًا بعشرات النسب المئوية فى أحداث إطلاق النار أثناء عمليات الاعتقال، وأيضًا فى محاولة تنفيذ عمليات فى عمق المنطقة ضد معسكرات الجيش والمستوطنات فى الضفة.

وتشهد إسرائيل صعوبة فى منع انتقال المقاومين عبر الجدار الذى يمتد على طول خط التماس، وهو ما تسبب فى ارتفاع عمليات إطلاق نار وعمليات طعن داخل الخط الأخضر، وعندما يقوم الجيش الإسرائيلى بعمليات اعتقال فى عمق الضفة يحدث احتكاك متزايد مع الفلسطينيين، مع ملاحظة أيضًا أن عمليات إطلاق النار من قِبل الشباب الفلسطينى على قوات الجيش الإسرائيلى لم تكن تحدث فى الماضى، قبل عامين، إذ كانت الاعتقالات تحدث تقريبًا دون استخدام الفلسطينيين أو الجنود الأسلحة النارية. 

فضلًا عن أن معظم الاعتقالات غير موجهة ضد النشطاء الكبار، بل ضد الشباب الذين يشاركون فى إطلاق النار على قوات الجيش. 

وتقول التقديرات فى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، إن المنفذين هم بالأساس شباب غير محترفين، ولا ينتمون إلى أى من الفصائل الفلسطينية، أما الأسلحة فيجرى تهريبها من الأردن ولبنان، أو تُسرَق من الجيش الإسرائيلى.

«فقدان الأمل» أبرز أسباب غضب الشباب الفلسطينى

توجد ٣ أسباب تقف خلف التصعيد فى الضفة الغربية، أولها: هو ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية على شمال الضفة، ودخول تنظيمات محلية إلى الفراغ الذى تبقيه، فازدياد قوة «حماس» و«الجهاد الإسلامى» فى مناطق معينة، على حساب مكانة السلطة الفلسطينية الآخذة فى التآكل، أسهم بشكل فعّال فى تأجيج الغليان بين الشباب الفلسطينى.

لكن تقديرات الجيش الإسرائيلى تشير إلى أن التوتر «ظاهرة أصيلة تعود إلى شبان يشعرون بخيبة الأمل واليأس من الوضع القائم الذى لا أمل به»، وهناك من أرجع أسباب غضبهم، وهم شباب لم يعاصروا أحداث الانتفاضة الثانية، ولا المعاناة التى تسببت بها، حينئذ، للفلسطينيين- إلى فقدان الأمل. 

وتجدر الإشارة إلى أن الوضع الاقتصادى فى الضفة الغربية هو أفضل من الوضع فى غزة، ولهذا فإن الدافع إلى شعور الشباب بالإحباط فى الضفة ليس اقتصاديًا، بل هو غضب وطنى متراكم ويبحث عن متنفس له.

السبب الثانى هو ارتفاع الأنشطة العسكرية للجيش الإسرائيلى داخل عمق الضفة، ما أسفر عن ارتفاع حالة الغليان والغضب، وأى قتيل فلسطينى فى عمليات الجيش الإسرائيلى يزيد الرغبة فى الانتقام ويُدخل شبابًا آخرين إلى دائرة الاحتكاك. 

السبب الثالث هو تحرك الشباب دون انتماء تنظيمى، فالمعضلة التى تواجهها إسرائيل، هى أن الجيش الإسرائيلى و«الشاباك» نجحا فى إحباط أغلبية نشاطات المنظمات الكبيرة، لكن نقطة ضعف المؤسسة الأمنية هى التنظيمات المحلية، خصوصًا فى مخيمات اللاجئين من شمال الضفة، وصولًا إلى نابلس، فى الوقت نفسه، تعمل الحركات الفلسطينية، وبينها «الجهاد الإسلامى»، على تعزيز مكانتها فى مخيمات اللاجئين، بواسطة تمويل هؤلاء الشبان وتسليحهم، وهو ما يفسر زيادة عدد الشباب الفلسطينى المستعد للمخاطرة بحياته خلال العام الأخير.

مخاوف من اشتعال منطقة الحرم الإبراهيمى فى رأس السنة العبرية

فى السابق وصفت السياسة الإسرائيلية فى الضفة الغربية بـ«ماكينة قص العشب»، وهى تعنى اعتقالات كثيرة أدت إلى التحقيقات، التى من جانبها جلبت معلومات والمزيد من الاعتقالات، وبالتدريج خفضت نطاق المقاومة.

وتعمل إسرائيل، خلال هذه الأيام، لتحقيق هدفين، الأول هو إحباط العمليات قبل وقوعها، والثانى هو تحقيق ما يسمى الردع، من خلال العمليات الأمنية التى تستهدف اعتقال كل من له صلة بالمنفذين، أو آخرين ممن يخططون لتنفيذ عمليات أو يشتبه بهم لأى سبب.

وفى إطار ذلك نفذت قوات الجيش اعتقالات واسعة النطاق طالت ٢٥ شخصًا مشتبهًا بهم بالضلوع بشكل أو بآخر فى تنفيذ عمليات عدائية. 

من الناحية السياسية، فإنه لا فرق بين هذه الحكومة والحكومة التى سبقتها حيال الموقف مع الضفة، وعدم الاهتمام بحل سياسى جذرى مع الفلسطينيين، وإنما التركيز على مفهوم السلام الاقتصادى، وهو المحافظة على العلاقات القائمة مع السلطة الفلسطينية، وفى المقابل، العمل على تحسين الاقتصاد ورفاهية السكان دون حل سياسى. ومن ثم فإن الخلفيات السابقة، ترفع احتمالية الانفجار، خاصة فى منطقة الحرم الإبراهيمى ومحيطه، خاصة مع اقتراب عيد رأس السنة العبرية، الذى قد يحول المنطقة إلى منطقة حساسة للغاية، والتقدير إذا اشتعل الحرم يمكن أن ينزلق إلى اضطرابات شعبية، وإلى استخدام الأسلحة النارية المتوافرة حاليًا فى الضفة الغربية أكثر من أى وقت مضى، وهو ما يزيد من احتمالية تورط إسرائيل والفلسطينيين فى فترة تصعيد طويلة أخرى، قد تكون انتفاضة ثالثة، أو نسخة أقل عنفًا، لكنها لا تزال خطيرة.

الأجهزة الاستخباراتية فى إسرائيل- حتى هذه اللحظة- لا تعرف التنبؤ بمتى سيحدث الاشتعال، وهل ستذهب الضفة إلى تصعيد كبير، ولكن كان هناك تحذير استراتيجى عرضه قسم المخابرات فى الجيش قبل ست سنوات تقريبًا حول اندلاع كهذا فى المناطق. لكن على الرغم من هذا التصاعد فى إطلاق النار، فإنه سجل تراجعًا فى أعمال الشغب فى مناطق بالضفة الغربية، ولم تؤدّ عمليات إطلاق النار إلى جر الجماهير الفلسطينية العريضة إلى الشوارع، لكن احتمال خطرها كبير على الاستقرار فى الضفة، خاصة مع ازدياد استعداد الشبان الفلسطينيين لتعريض حياتهم للخطر فى المواجهات مع الجيش الإسرائيلى فى مخيمات اللاجئين، ورغم أن مستواهم الحرفى ليس عاليًا، فهم لم يتلقوا تدريبات، لكن تجربتهم العملية تزداد، وأكثر من مرة، فى إمكان الشخص غير المحترف، وغير المدرب على استخدام السلاح، تسجيل نجاحات.