رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفساد والنفاق .. ومغطس الخضيرى

كان قد لفت انتباهي في عصر مبارك إعلان وزارة الدولة للتنمية الإدارية نتائج الدراسة التي أعدتها كلية الآداب جامعة القاهرة بمشاركة مركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء آنذاك حول تحليل أسباب الفساد الإداري ودوافعه على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

أكدت الدراسة أن 80.9% من المصريين يرون أن أخلاق الناس تغيرت هذه الأيام، وأن 83.6% من المصريين يرون أن الفساد زاد في مصر، أكدت الدراسة أن غالبية رجال الأعمال ذوي السلطة هم الأكثر فساداً في المجتمع بنسبة 43.1% يليهم التجار ثم أعضاء المجالس المحلية، ويأتي في المرتبة الأقل فساداً في المجتمع رجال الدين، وجاءت المصالح الحكومية ذات الطابع الخدمي حسب الدراسة في المرتبة الأولى لأكثر المؤسسات فساداً في المجتمع وتليها مؤسسات قطاعي الصحة والتعليم ثم الإعلام والداخلية والمحليات.

في مثل هذه الأيام (يوم الجمعة 31 أغسطس 1925) نشرت الجريدة الأسبوعية المصرية "كشكول" مقالاً افتتاحياً حول عزل محمد سعيد باشا من القوامة على صاحب السمو الأمير أحمد سيف الدين بقرار من مجلس البلاط، وذلك لأنه استولى لنفسه من مال الدائرة على مبلغ اثنين وأربعين ألف جنيه وأودع تحت يد الصراف إيصالات بها، وكلما طولب بالوفاء عجز عن الرد وطلب أن تقسط عليه فلم يجب المجلس إلى ذلك وأعطاه المهلة التي طلبها للسداد ثم أصدر القرار السابق ذكره.

ويعلق المحرر "نحن لا تدهشنا فداحة المبلغ الذي أخذه حضرة صاحب الدولة لنفسه فقد ألفنا مثل هذه الحوادث تقع في كل زمان ومكان من أناس لا خُلق لهم وصلوا بالحيلة والرياء والملق إلى أن يكونوا صيارفة في مختلف المصالح الأميرية والبيوت المالية أو وكلاء لدوائر فريق من كبار الذوات وأغنياء السيدات بقدر ما يدهشنا ويذهلنا صدور هذا العمل من رجل كان وزيراً للحقانية ورئيساً لوزراء المملكة بالأصالة مرتين وبالنيابة مرة في وقت كانت فيه هذه النيابة فيما يزعم الزاعمون.

ويعتقد الواهمون تمثل الأمة كافة والبلاد جمعاء وتقوم لدى الأمم الراقية والشعوب المتمدينة رمزاً على كفاءة المصريين لحكم أنفسهم وعنواناً لما يستحقونه من مكانة عالية تحت سماء الحرية والاستقلال.

وينهي الخبر معرباً عن دهشته لارتكاب الأثرياء مثل هذه الجرائم وأضاف المحرر "إن الوفد كان – للأسف - ملجأ الآثمين وبؤرة المعتدين وهو في نظرهم وعقيدتهم  كـــ" مغطس الخضيري" عند العامة وهو الذي يتنفس فيه ذوو العاهات والعلل ويتلمسون فيه الشفاء من الداء العضال فيخرجون منه وقد تركوا فيه من جراثيم أمراضهم وحملوا منه ما لم يكن بهم من أدواء وأوباء".

وعليه، يسعدني كمواطن مصري متابعة بيانات وزارة الداخلية وهيئة الرقابة الإدارية وغيرها من أجهزة الحساب والمراقبة في بلادنا، وهي جميعًا تحقق ضربات حقيقية لأهل الفساد وصُناعه لوجود إرادة سياسية في حالة يقظة ومتابعة يومية لتلك الأجهزة وداعمة لجهودها، وهانحن نتابع ـ على سبيل المثال ــ جرائم من اعتدوا على أراضي الدولة ومن قاموا بالبناء والتعلية دون تراخيص وحرامية التيار الكهربائي وتجار بير السلم وبضاعتهم الفاسدة من أغذية لاتصلح للاستهلاك الآدمي أو الحيواني، واستيراد قطع غيار السيارات غير الصالحة إلا لهلاك مستخدميها .. إلى غير ذلك من جانب بشر يمارسون تلك الرذائل الجبانة في زمن كانت "كورونا" تطرق الأبواب بحثًا عن ضحايا جدد كل ساعة ونعيش تبعات الحرب الأوكرانية الاقتصادية والسياسية .. إنها جرائم تتسم بالخيانة للوطن!!
يقول خبراء الشفافية إن مشكلة الفساد أصبحت وسيلة لتسيير الأعمال ، وأن هناك نظرة عامة بأن المعاملات الحكومية لا يمكن لها أن تنجز من دون أساليب تنطوي على الفساد الإداري مثل المحسوبية والرشى وغيرها.. 
ولأن الفساد والنفاق الإداري توأمان لا يفترقان، حيث يبدو أننا أصحاب رصيد تاريخي في ممارسة النفاق الحكومي.. جاء في حوار تحت عنوان "فنجان قهوة مع  سعادة  وكيل وزارة الداخلية" أجراه رئيس تحرير مجلة "مجلتي" بعددها الصادر في 15 يوليو 1939.. في تقديمه للحوار وفي معرض وصفه لملامح سعادته يقول "رقيق البناء دقيق التقويم، فريد الطابع جذاب الطلة يمتاز وجهه القسيم بذقن مستديرة يستشف منها الفنان الموفق لوناً أصيلاً من ألوان الجمال، ويقرأ فيها الناقد المتخصص معنى بيناً من معاني العبقرية، فإنه يبدو لغير المنعم فيه الأريب، أنه وجه ساذج يصور نفساً لا تختلف كثيراً عن أنفس الساذجين، على حين أنه يبدو للبصير المحقق أنه وجه نابغة متعمق يصور نفساً لا تختلف في شيء عن أنفس النابغين المتعمقين".. ولا تعليق !!! 
نعم، إننا في حاجة لعشرات من مغاطس الخضيري لنغتسل فيها ونبرأ من علل الفساد والنفاق مع الحرص على تنقيتها باستمرار أملاً في الشفاء لبناء مجتمع من الأصحاء والأسوياء.