رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة 30 يونيو والتوازن الدولى «25»


يكمن الخطر الثانى الذى يهدد عنصر البقاء فى استمرار ارتبـاط الكيان العربى بسياسات واستراتيجـية الولايات المتحـدة التى تفـتقـر إلى القيم والأخلاق غالبا،

خلصت فى المقالات السابقة إلى أن الدول العـربىة بالرغم من أنها المكون الرئيسى لمنطقة الشرق الأوسط، فإنها افتقرت إلى المنظورالجيوبوليتيكى الذى يمكنه التعامل مع المنظور الجيوبوليتيكى للقوى العـظمى أو القوى الإقليمية الفاعلة فى المنطقة، الأمر الذى يتعـين معه قيام القادة العـرب بإعادة تقييم الوضع العربى باعـتباره الموضوع الأهم فى الوقت الراهن، لوضع منظور موحد يُمكنهم من تحقيق التوازن الاستراتيجى مع القوى الإقليمية غـير العـربية، ويُمكنهم من الإجابة على التساؤلات التى تدور فى الذهـن الجمعى العـربى أيضا، حيث قمت بتوصيف واقع العالم العـربى بأنه مجموعة متناثرة من الدول والشعـوب وإن وجدت لها مكانا فى عالم اليوم، فإنها لن تجد لها مكانا فى عالم الغـد، عالم القوة والتكتلات الكبيرة، وتناولت أهمية المنطقة العربية أمنيا وعسكريا واقتصاديا باعتبارها قلب العالم، وأهميتها الحضارية باعـتبارها موطنا لأقدم حضارتين بشريتين، واستقبالها جميع رسالات السماء لهدى الأرض، فشكلت للبشريـة ضميرها وصاغت قيمها، ونقلت لأوروبا العلوم والفنون التى جعـلت من أفكارها أساسا لنهضتها، وبالرغم من ذلك افتقرت إلى الحد الأدنى من التكامل والتقدم فأصبحت عرضة للأخطار والتهديدات خاصة فى غياب مفهوم الأمن القومى الجماعى وعـناصره «بقاء الوطن العربى، وصيانة سيادته واستقلاله، ونمائه وازدهاره» وقد تناولت فى المقال الأخير الأخطار التى تهدد عـنصر البقاء، وتناولت قضية الأمن المائـى باعتبارها التحدى الأعـظم والخطر الداهم التى تهدده، واليوم أستكمل مهددات هذا العـنصر.

إذ يكمن الخطر الثانى الذى يهدد عنصر البقاء فى استمرار ارتبـاط الكيان العربى بسياسات واستراتيجـية الولايات المتحـدة التى تفـتقـر إلى القيم والأخلاق غالبا، والتى ستظل ثـابـتـة لا تـتـغـيـر، لكن الـذى يـمكن أن يـتغـيـر هو مراجعة تقييم الأهداف وإعادة ترتـيـب أسبقياتها، إذ سيؤدى هذا الارتباط إلى إحداث تغـييرات جذريـة فى المنطقة العربية لتتسق مع منظورها الجيوبوليتيكى بإعادة هيكلة وتشكيل ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير، الذى جعلت حدوده ومكوناته تنطبق على العالم الإسلامى حسبما تقتضى مـصـلـحـتها الـعـلـيــا، ويتعـيـن الوضع فى الاعـتبار امتلاكها أدوات إحداث هذه التغييرات، إذ تكمن الأداة الأولى فى قدرتها على التحكم فى تسليح الدول العـربية مع إطلاقـه للآخـريـن خاصة إسرائيل، حيث يمكن ملاحظة أنها تعـمل عـلى دعـم جـمـيع المعـطـيات الاسـتـراتـيـجـيـة الـتى تـرتـبـط بعـلاقـات تـوازن الـقـوى بحـيث يكـون مـنحـنى الـتـفـوق العـسكرى صاعـدا باستمرار لصالح إسرائيل، مع ملاحظة حجم الدعـم الأمريكى الكـبـيـر لمسـتـويات ونـوعـيات وفعالية الـتسليح بالقدر الذى يـضمن تـفـوق إسـرائـيـل على الـدول العـربـيـة مجـتمعة.

وتكمن الأداة الثانية فى قدرة الولايات المتحدة على الحجب الكامل للتقدم العـلمى والتكنولوجى خاصة فى مجالات التصنيع الحربى والنووى حتى لو كان للاستخدامات السلمية، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة اختلال التوازن الاستراتيجى لصالح القوى غـير العـربية، وقد أدى هذا الحجب إلى حدوث فـجـوة علمية وتكنولوجية واسعـة بينها وبين العالم العـربى، تزداد اتـسـاعا بـمـرور الـزمن خاصة فى عـلـوم الـفـضـاء والسعـى إلى عـسـكـرتـه بعـد أن امتلكت سبل التقدم العـلمى والتكنولوجى إلى حد الاحتكار لتحـقـيـق الهـيمنة الكاملة عليه، ويظهر ذلك فى الـتـطـورالـكـبـيـر فى صـناعة وسائـل الدمار البـيـولـوجـيـة ذات القـدرات الفـائـقـة عـلى الـنـمـو والـتـكـاثــر والانـتـشـار، والـتـى يـصعـب تشخيصها أو مقاومتها بالمضادات الحـيـويـة، كما توصلت إلى وسائل التحكم فى تغـيـيـر الـبـيـئـة الـمناخـيـة لـمـنـطـقـة ما، لإحداث ما يـشـابـه نـتـائـج ظاهـرة التسونامى فى إنهاء مظاهـر الـحـيـاة فى المنطقة المعـنية، واسـتـطاعت أيضا تطويع الشـبـكـات العـنكـبـوتـيـة ليس فقط للتنصت على قادة أقرب حلفائها، بل أيضا لتنظيم وتشكـيل الجماعات الإرهـابـيـة وتوطينها والتخـطـيط لعملياتها وإصدار الأوامـر الـتـنـفـيـذيـة لها لتحقيق أهدافها فى الدول المعـنية، مع إنشاء مواقع تـبـادلـيـة لسرعة الانتقال إليها عـنـد اكـتـشاف أو اخـتـراق المواقع الأصلية.ما الأداة الثالثة فتكمن فى قدرتها على التحكم فى المضايق البحرية التى تحاصر المنطقة العربية، حيث تتحكم تركيا فى مضيق البسفور شمالا، وتسيطر بريطانيا على مضيق جبل طارق غـربا، وتسيطر هى على مضيق باب المندب جنوبا بعـد أن قامت ببناء قاعـدة بحرية على إحدى جزر أرخبيل دهلك، إضافة إلى القواعـد الفرنسية فى جيبوتى، كما تتيح لها التسوية الأخيرة مع إيران السيطرة على مضيق هرمز، الأمر الذى يجعـل دول المنطقة العربية دولا حبيسة عـند إغلاق هذه المضايق، فلن تستطيع دولها تصدير بترولها الذى يُعـتبر السلعـة الأساسية لاقتصادها، ولن تستطيع استيراد غـذائها بعـد أن أصبحت جميعها مستوردة له. وللحديث بقية بإذن الله

■ أستاذ العلوم السياسية -جامعة بور سعيد