رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معضلة العلاقات المصرية ـ الأمريكية.. والخروج من القفص


الدعم الأمريكى اللامحدود لإسرائيل يشكل فى الوجدان المصرى عملاً أمريكياً يهدد الأمن القومى المصرى سواء بمفهومه العلمى أو بالشعور الفطرى لدى المواطن المصرى.

عكست التعليقات على تصريحات وزير الخارجية عن العلاقات المصرية ـ الأمريكية وتشبيهها بعلاقة الزواج معضلة العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية ليس فى الوقت الحاضر فقط، بل والأهم فى المستقبل، خاصة أن هذه العلاقات كانت أيضاً موضوع لقاءات بين المشير عبدالفتاح السيسى وأعضاء من وفد الكونجرس الأمريكى بدا فيها أن مصر تحتاج إلى مساعدات الولايات المتحدة بدرجة كبيرة، وأن مصر تتوقع من الولايات المتحدة سلوكا يتسم بإدراك احتياجات مصر وأن السلطات فى مصر كانت تتوقع من الولايات المتحدة تفهما للأوضاع فى مصر، مما عبر عنه بأن الولايات المتحدة أدارت ظهرها لمصر، وهو تعبير كنت أود ألا يصدر عن مسئول فى مصر، كما أنى لا أستطيع إلا أن أرفض حديث مسئولى الولايات المتحدة وغيرهم سواء عن خارطة المستقبل أو عن أحكام القضاء فى المنيا وغيرها. وإذا كان مسئولون أمريكيون يرون حاجة لتفهم الأوضاع فى مصر فإن هذا لا يعطيهم الحق فى أن يقرروا كيف يجب على مصر أن تعالج شئونها الداخلية، وإن كان من الممكن أن تقدم ما تراه من خبرات فى مجال مكافحة الإرهاب، أو فى أى مجال آخر.

أشعر بأن بعض مسئولينا لا يشعرون بشكل كاف بأن هناك موروثاً قديماً فى العلاقات مع الولايات المتحدة، وأن هذا الموروث مازال مستمراً رغم مرور نحو أربعة عقود على قيام أنور السادات بانقلاب العلاقات الخارجية والاتجاه نحو الغرب والولايات المتحدة الأمريكية بالذات. وربما نسى أو تناسى البعض أننا فى وقت من الأوقات كنا نعتبر أننا إذا لاحظنا أن الولايات المتحدة فد خففت من نقدها للأوضاع فى مصر فإن هذه علامة تشير إلى خطأ فى سياستنا، وإذا كان هذا لم ينعكس على ما تردد عن أهداف «الثورة» سواء فى يناير 2011 أو فى يونيو 2013، فإن هذا لا يعنى عدم وجودها، ولكن ربما تكون درجة الاتفاق عليها غير كافية، ورغم ذلك فقد كان الشعور المضاد للولايات المتحدة واضحاً فى عدة مناسبات بعضها التظاهر حول السفارة الأمريكية بالقاهرة، وبعضها فى الهجوم على السفارة الإسرائيلية بالقرب من تمثال نهضة مصر عند مدخل كوبرى الجامعة من اتجاه الجيزة.ولا شك أن العلاقات المصرية الأمريكية هى إحدى نقاط الضعف التى تستغلها قوى الإرهاب فى نقد النظام، وإن كانوا هم ليسوا أقل علاقة بالولايات المتحدة، بل الغالب إنهم يزيدون عنها، وإن كان ذلك ليس مبررا لتجاوز ما تقوم به الولايات المتحدة ضد مصر، وكنت أود أن ندرك أن حاجة الولايات المتحدة إلى مصر أكبر من حاجة مصر إليها. من جهة أخرى فإن الدعم الأمريكى اللامحدود لإسرائيل يشكل فى الوجدان المصرى عملاً أمريكياً يهدد الأمن القومى المصرى سواء بمفهومه العلمى أو بالشعور الفطرى لدى المواطن المصرى.

لا شك أن اعتماد مصر بدرجة كبيرة على الغرب عموماً والولايات المتحدة بصفة خاصة لفترة طويلة قاربت الأربعين عاماً هو أهم أسباب ما نرى من ضعف فى السياسة المصرية حيالها، حيث أصبحت هناك مؤسسات كثيرة مصرية تعتمد على التعاون مع الغرب وبالتالى فهى معرضة لأضرار كبيرة فى حال أزمة بين مصر والولايات المتحدة، وأن هذه الأضرار يمكن أن تؤثر فى قطاعات كبيرة من الشعب والاقتصاد القومى، مما يستوجب التعامل بحذر مع هذه العلاقات فهى يجب ألا تنقطع، ولكنها يجب ألا تستمر على ما هى عليه، ولا شك أن سياسة توسيع مجالات الاتصال والتعاون مع الدول الأخرى تعطى مصر فرصة لتخفيف درجة الاعتماد على الغرب وعلى الولايات المتحدة.

لكن ذلك يتطلب زمناً وهو ما يتطلب قدرة على التضحية فى الأزمات، كما يحتاج إلى كثير من القدرة على الصبر فى مواجهة الصعوبات، كما تحتاج فى نفس الوقت قيادة سياسية قادرة على مطالبة الجميع بالتضحية والصبر، وفى نفس الوقت على تطوير العلاقات مع باقى الأطراف الدولية للإسراع بفتح مجالات للتعاون الدولى لتغطى كثيراً من أوجه النقص التى تنتج عن تقليص الاعتماد على الولايات المتحدة. هذا يتطلب أيضاً من العاملين فى مجال السياسة الخارجية إدراك حساسية الشعب للكرامة الوطنية، خاصة أن كثيرين لا يستطيعون أن يدركوا مقدار الحاجة إلى التعاون مع دول خارجية ومدى حرج الموقف الداخلى، خاصة أن هناك من يقدمون بيانات تشير إلى توافر الموارد والقدرة على مواجهة الضغوط تصل إلى القول بتوفر مئات مليارات الدولارات للشروع فى التنمية والاستجابة للمطالب الفئوية والشعبية.

هنا فإن الخروج من قفص علاقة الزواج التى تحدث عنها وزير الخارجية أحد أهم مهام القيادة القادمة.

■ خبير سياسى واستراتيجى