رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في مناهضة فكر القبح نجاة

لاشك أن الإرهاب بات صناعة مرعبة بقناعات أيديولوجية وغطاء من الفتاوى السحرية وعبر استدعاء تراث وفق الطلب ، ونحن للأسف من نطيل عمر الإرهاب وتثبيت قواعده عندما نكتفي بالمواجهات الأمنية الباسلة دونما معالجة وتصويب أمور التنشئة والتعليم والإعلام والثقافة لإنشاء صناعة مواجهة الإرهاب عبر صك مفاهيم أيديولوجية عكسية لضرب مؤثر وفاعل لأصحاب ذلك الفكر الخرب الغبي الجاهل ..
إنه فكر القبح الذي استهجنه الرئيس عبد الفتاح السيسي بقوله " ربنا بيحب الحُسن.. والسلام حُسن.. والخير حُسن.. والتعاطف حُسن.. وأي حاجة قبح، مالهاش مكان، أي قبيح مالهوش مكان. الجمال فقط هو اللي ليه مكان ، واحنا هنا في بلدنا هنقدّم ده، هنقدّم الجمال والحُسن للعالم كله.."  
عندما يصل الأمر بخطيب مسجد الروضة الذي شهد مجزرة استهداف هذا العدد الضخم من المصلين في دور للعبادة بالقتل العشوائي المرعب الوحشي ، وأصيب وهوعلى منبره أن يصرح للإعلام " سمعت الله أكبر ولكني لم أعرف قائلها أهو القاتل أم القتيل ؟ " .. عندما يتوحد نداء المجرم بنداء المصلي الطيب في مسجد يوم الجمعة ، فنحن أمام مشهد يمثل حالة لا ينبغي تجاهل أبعادها ومعانيها ..
نحن أمام مشكلة مظاهر التديين المضللة المتوهة لنفر من شبابنا ، كان قد وصفهم د. طه حسين منذ 75 سنة أنهم صبية ضعاف العقل ، فاسدي الرأي ، مشوهي التفكير ، عاجزون عن الفهم والحكم ، مستعدون للتأثر بكل ما يُلقى إليهم ، والاستجابة لكل ما يُدعون إليه ، وهذا النوع من الشباب خطر على نفسه وعلى أمته ، لأنه خطر على النظام الاجتماعي دائماً ..
فقط أدعوك عزيزي القارئ لقراءة فقرة من مقدمة " ابن خلدون " تم تحريرها في القرن ال 14 لنتدبر أمرنا نحن أبناء القرن ال 21 ..
يكتب ابن خلدون " محذراً ـ من لاسمح الله من انهيار الدولة ــ ، في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي ، كتب "  عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدعون والكتبة والقوالون والمغنون النشاز والشعراء النظامون وضاربوا المندل وقارعوا الطبول والمتفقيهون وقارئوا الكف والطالع والنازل والمتسيسون والمداحون والهجائون وعابرو السبيل والانتهازيون .. تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط .. يضيع التقدير ويسوء التدبير وتختلط المعاني والكلام ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل "..
ويضيف " عندما تنهار الدول يسود الرعب ويقول الناس بالطوائف وتظهر العجائب وتعم الإشاعة ويتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق ويعلو صوت الباطل ويخفق صوت الحق وتظهر على السطح وجوه مريبة وتختفي وجوه مؤنسةوتشح الأحلام ويموت الأمل .. وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقاً وإلى الأوطان ضرباً من ضروب الهذيان ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء والمزايدات على الانتماء ، ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين ..ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة وتسري الإشاعات عن هروب كبير ..وتحاك الدسائس والمؤامرات .. وتكثر النصائح من القاصي والداني ... ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار ويتحول الأمر إلى مشروعات مهاجرين .. ويتحول الوطن إلى محطة سفر .. والمواقع التي نعيش فيها إلى حقائب .. والبيوت إلى ذكريات .. والذكريات إلى حكايات " .. 
انتهى الاقتباس ، ولن يسمح المولى رب العباد بأي انهيار على أن نحسن العمل ونجزل العطاء .. وأرى أنه لولا ثورة 30 يونيو لعشنا ــ لا قدر الله ــ تلك الحالة من الانهيار التي تعيشها بعض الشعوب من حولنا منذ وضع الإرهاب أوزاره على أرضهم والفتنة المفرقة لحالة الاندماج الوطني بين الناس ..
هل لنا أن نتصور لو لم نعش زمن الاستفاقة والقيام بثورة 30 يونيو ، ماذاكان حالنا مع هبوط غراب جائحة " كورونا " ومن بعدها وقوع كارثة " الحرب الأوكرانية الروسية " ؟
في كل مرة نتابع صيحات الرئيس عبد الفتاح السيسي للإصلاح  لنزع فتيل الكراهية وتصويب المسارات الفكرية التي باتت تمثل عراقيل في الاتجاه المعاكس للتنمية وإقامة السلام الاجتماعي ، كثيرًا ما يسأل أهل الفكر والتفكير ومن يحلمون بأن يحط طائر التنوير المبهج المفرح على أرضنا الطيبة ليحيي من جديد الأمل في عودة زمن التحضر والتقدم .. يسألون من أين نبدأ ؟ ... هل البداية من تجاوز الفكر الأصولي المتشدد بسرعة والذهاب المباشر إلى الإصلاح الديني ، أم الذهاب إلى التنوير بتعاريفه وأيقوناته الفلسفية و متطلبات الاستدعاء و تفعيل عمليات الإحياء  ؟.. ( للمقال تتمة )..