رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الضمير

فى عز الحر (13 يونيو عام 1906م) فى عهد الخديو عباس حلمى التانى، أثناء وجود اللورد كرومر مندوبًا ساميًا لبريطانيا على مصر، قامت جماعة من الظباط الإنجليز المحتلين مصر وقتها برحلة صيد حمام بقرية دنشواى فى المنوفية بدعوة من عبدالمجيد بك سلطان الذى كان من أعيان القرية.
ولأن الحمام كان ملكية خاصة للفلاحين (وليس حمامًا بريًا) استاء الأهالي من تلك الرحلة، ولسوء الحظ أثناء الصيد سقط بعض البارود في جرن تبن فأشعل النار فيه، فلما رأى الفلاحون المنظر هاجوا وهجموا على الظباط الإنجليز، فضرب أحد الضباط خرطوشة من بندقيته أصابت سيدة من القرية أردتها قتيلة.
فثار الفلاحون وطاردوا الضباط، وفى هذه الأثناء جاء خفر القرية لإنقاذهم، بينما توقع الضباط الإنجليز العكس فأطلق أحدهم الرصاص على شيخ الخفر فقتله وأثناء هروب الضباط بعد شعورهم بقسوة ما فعلوه من جرم أصيب أحدهم بضربة شمس فمات.
اتهمت إنجلترا الفلاحين بقتل أحد رعاياها وأعلن اللورد كرومر إقامة محاكمة عاجلة وفقًا للأحكام العرفية المقررة لحماية جنود الاحتلال البريطاني لمصر.
وبالفعل ترأس المحكمة بطرس باشا غالي (ناظر الحقانية بالإنابة) وفتحي بك زغلول (شقيق سعد باشا زغلول) رئيس المحكمة الأهلية وعن الإنجليز هيتر، المستشار القضائى بالنيابة، وبوند، نايب رئيس المحاكم، والكولونيل لدلو، القاضى العسكرى، ممثل جيش الاحتلال البريطانى. 
ثم صدر حكم مبالغ فيه ومتعسف بإعدام أربعة من أهالى دنشواى هم: "حسن محفوظ، يوسف سليم، السيد عيسى سالم، محمد درويش زهران"، والحكم على 12 فلاحًا بالأشغال الشاقة لمدد مختلفة، وبجلد كل واحد منهم "50" جلدة، وتم تنفيذ الأحكام فى قرية دنشواى نفسها أمام الفلاحين وأهل الضحايا، وشاهد الأطفال آباءهم يشنقون ويجلدون، وكتبت جريدة المقطم وقتها: إن المشانق أرسلت لدنشواى قبل انعقاد المحاكمة.
هذه الحادثة البشعة كانت نواة لثورة ١٩١٩ التي مهد لها مصطفي كامل بكتاباته النارية في إنجلترا، وطاف بها كل أنحاء أوروبا، وأدت أيضًا لمصرع بطرس غالي علي يد إبراهيم الورداني عام ١٩١٠.
كل هذا التاريخ نعرفه جيدًا لكن ما لا نعرفه ولم يذع أن الكاتب برنارد شو الإنجليزي كان ضميره مستيقظًا للغاية، فتبني القضية وهاجم حكومة بلاده الإنجليزية بضراوة، وندد بالمذبحة، مما اضطر تلك الحكومة لإقالة اللورد كرومر ومحاكمته ثم الاستقالة.
الحكمة هنا لا تخالف ضميرك حينما تشعر بالظلم الذي وقع علي الآخرين بسببك أو بسبب من تنتمي إليهم مهما كانت الأسباب وفي كل المجالات (حتي الرياضية).. ولا تشعر بالزهو وتناصر الباطل فالأيام دوالٍ.. يوم لك ويوم عليك.