«قرية تزور تاريخها».. حكاية أبناء «الحرس» في تضليل ماضيهم تجنبًا لهجاء الشعراء العرب
"قرية تزور تاريخها" حكاية قرية رصدها الكاتب حمدى البطران في كتابه “حكايات عابرة” يكشف لنا خلال رحلته في البحث عن القرية التي زورت تاريخها، والتي تعد من الحكايات النادرة حيث كشف كواليس تزوير نسب قرية "الحرس".
وقال المؤلف: "كانت القرية فى فترات سابقة، قد اعتنق أهلها الدين الإسلامي فى القرية الثاني الهجري، كان أهل قرية الحرس من الفلاحين الأقوياء كعادة أهلى كل قري في تلك الفترة، والذين يعملون في جد واجتهاد، وكان عدد من أبناء تلك القرية يتقنون ممارسة بعض الحرف اليدوية، وكان البعض الآخر من أبنائها يمتازون برغبتهم فى تلقى العلم فى تلك الفترة، كانت الفسطاط هى العاصمة الإدارية الجديدة للبلاد".
وتطرق الكاتب إلى المستوى التعليمي لأبناء القرية بأن البعض منهم درس العلوم الشرعية ومنهم من تعين في القضاء، وتميزت القرية بالثراء الفاحش، ودائما تتفاخر بأبنائها، وعندما تأخذها العزة والتعالي وسمى البعض من أبناء قراءات من القرآن باسمه، ونجحت القرية نجاحًا كبيرًا.
ونظرًا لأسوء العادات التي نقلتها معها إلى مصر وهى الهجاء والتفاخر، فقد بدأ الشعراء العرب الهجوم على أبناء قرية الحرس، وأنكروا عليهم حقوقهم في التفوق، وسعت القرية للحصول على سجل أو حجة مكتوبة يفيد بأن أبناء قرية الحرس من سلالة العرب الذين فتحوا مصر، وذلك للتخلص من هجاء الشعراء القاسي الذي يتعرضون له من القبائل التي وفدت إلى مصر من الجزيرة العربية، حيث جمعت مبالغ طائلة لهذه المهمة.
وذهبت مجموعة من أبناء القرية بعد تشكيل لجنة منم تتولى المهمة إلى القاضي عبد الرحمن العمري الذي تم تعيينه فى عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد عام 158 هجريًا، وبعد تفكير طويل من طلبهم عرض عليهم أن يسافروا إلى بغداد ويعرضوا الأمر على الخليفة هارون الرشيد، للحصول على موافقته بأن تصبح قرية الحرس عربية الأصل والمنشأ.
وقبل أن يسافر أعضاء اللجنة إلى بغداد كان عليهم أن يحصلوا على وثيقة أو مستند يدعمون به صدق ما يدعون ويقدموه إلى الخليفة ليثبتوا أحقيتهم في أن يكونوا عربا أصليين حتى لو بالتزوير.
وتنفيذا لذلك ذهب اثنان من أعضاء اللجنة إلى كاتب عمومي يدعى عبد الكريم القراطيس، كان يجيد فن التزوير، طلب منهم 2000 دينار مقابل أن يعطيهم المستند المزور، وبالفعل سلمهم المستند مدونا في وثيقة منسوب صدورها إلى قاضٍ سابق وربما توفى، وصيغة هذا الحكم تقضي بنسب أهل قرية الحرس إلى حوكمة بن أسلم بن الحاف بن قضاعة".
وبعد حصولهم على الوثيقة المزورة توجها إلى كاتب ديوان القاضي السابق المفضل بن فضالة ودفعا ألف دينار إلى موظف الأرشيف ليضع الوثيقة ضمن وثائق الأحكام التي أصدرها المفضل بن فضالة قاضي مصر الأسبق.
وبالفعل سافروا إلى بغداد لمقابلة هارون الرشيد ومثلوا أمامه، وعرضوا قضيتهم ببيان الحكم وبلاغة ومنطق أدهش الخليفة واقتنع بأنهم غربا خلصاء، وأكدوا له فضلا عن ذلك أنهم حصلوا على حكما سابقًا يفيد بأنهم غرب، وأن الحكم مودع فى ديوان القاضي السابق، وبناء على ذلك طلب الخليفة من كاتبه أن يكتب إلى قاضيه فى مصر أمرًا بتسجيل أبناء قرية الحرس فى قائمة العرب الوافدين إلى مصر.
ثم عاد عضوا اللجنة بالخطاب من بغداد موقع من الخليفة هارون الرشيد، توجهوا بها إلى القاضي عبد الرحمن العمري، والذي بموجبه شرع فى عقد مجلس القضاء لمباشرة القضية وطلب من وفد القرية دليلا آخر يدعم الوثيقة على أنهم من العرب، وكان سهلا لأنه شهادة أو إقرار يشهد فيه عدد من العرب ويقرون بأن أبناء الحرس منهم، وبالفعل تم النطق بالحكم وتسجيله في وثائق المحكمة.