رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

توفيق الحكيم يكتب عن لقائه بعبدالناصر والسادات فى الآخرة

  • وددت أن ألقى عبدالناصر فى الآخرة لأؤكد له أني أحب شخصه
  • عبدالناصر والسادات فى الجنة وأنا فى الجحيم
  • ثورة يوليو وعبدالناصر والسادات بروفة فى صفحات من كتاب تاريخ مصر.. مشرقة ولكن بها أخطاء تحت التصحيح

أثناء علاجه بالمستشفى فى يوليو 1984 كان بين توفيق الحكيم والكاتب الكبير صلاح منتصر حوار طويل نشر معظمه فى "الأهرام" فى ذلك الوقت، وكان من بين الأسئلة التى وجهها إليه وطلب منه أن يفكر فيها، سؤال عمن يود أن يلتقي بهم فى الآخرة؟ وعندما عاد إليه بعد يومين ليستمع منه إلى الرد، وجده قد سجل الرد كتابة، فاحتفظ  صلاح منتصر بهذا الرد الذى تمنى فيه توفيق الحكيم أن يلقي فى الآخرة جمال عبدالناصر وأنور السادات وأيضًا ابنه إسماعيل ولم ينس أيضًا أم كلثوم.. وقد امتد خياله إلى تصور هذا اللقاء وإجراء ذلك النوع من الحوار الرائع الذى اشتهر به توفيق الحكيم فجاء حافلًا بالمعاني، كما يقول صلاح منتصر حقًا يبدو الحوار بالغ البساطة لكنه قمة فى التعبير والصعوبة، وقد نشر هذا الحوار فى 6 أكتوبر 1985 بمجلة "أكتوبر" التى كان يرأس تحريرها منتصر، فإلى نص الحوار بقلم توفيق الحكيم تحت عنوان "فى الآخرة" وإن كان منتصر قد عدله حين نشره "إلى لقاء فى الآخرة" وهو يلخص رأي الحكيم فى عبدالناصر والسادات من واقع تعاملهما معه أثناء حياتهما.

فى الآخرة 

وددت أن ألقى فى الآخرة عبدالناصر لأؤكد له أني - كما يعلم هو عني - أحب شخصه ولكني - كما يعلم هو أيضًا - لي انتقادات على بعض التصرفات فى نظامه، وكان يعلم ذلك أيضًا عندما نشرت "السلطان الحائر" و"بنك القلق" ولم أكن أعلم أين هو؟ فسمعت أنه فى الجنة وإن لم يكن مسموحًا لي بالدخول فاقتربت من الباب فوجدته يستقبل السادات بقوله: قتلوك.

توفيق الحكيم وناصر.. من التأييد المطلق والمطالبة بتمثال للزعيم.. للنقد والهجوم
توفيق الحكيم و عبدالناصر

فأجابه السادات: حظوظ.. فى عهدك دخلت إسرائيل سيناء، فوقف فى البرلمان من يرقص لك وفى عهدي أنا خرجت إسرائيل فدخلت رصاصة فى عنقي.

فقال عبدالناصر: هذا من سوء تصرفك وانفعالك وسلاطة لسانك، تقول علنًا عن شخص اعتقلته إنه مرمي فى السجن زي الكلب، وتقول عن توفيق الحكيم الذى كتب بيانًا بحالة البلد بعد أن أعلنت أنك لا ترى حلًا لأننا فى جو من الضباب، فشتمته فى اجتماع بقولك: ما هذا الهباب الذى كتبه؟

فقال السادات: وأنت ألم تنفعل؟

فأجاب عبدالناصر: أحيانًا ولكني لا أشتمه، لقد كان توفيق الحكيم يكتب أحيانًا أشياء لا ترضيني، ولكني لا أشعره بغضبي ولا أسئ إليه بلفظ، وعلى فكرة أين هو الآن؟

63
توفيق الحكيم والسادات 

فقال السادات: هناك فى الناحية الأخرى.

فقال عبدالناصر: تقصد فى الجحيم والعياذ بالله، لقد بلغني أنه قال عني وعنك وعن ثورتنا كلها.

قال السادات: عن ثورة 1952.. ماذا قال؟

فقال عبدالناصر: إنها وإننا لسنا سوى بروفة فى صفحات من كتاب تاريخ مصر الطويل، صفحات تحت الطبع ستكون مشرقة ولكنها الآن فيها أخطاء مطبعية تحت التصحيح.

فقال السادات: نعم.. هذا هو فعلًا ، حتى فى العالم الآخر يفكر فى الكتب والطبع.

فقال عبدالناصر: ولكنه مع ذلك يحبنا، أود أن أراه.

فقال السادات: أين؟ فى الجحيم؟

فقال عبدالناصر: أنت تعرف أنه لن يحضر إلينا هنا.

فقال السادات: تقصد أن نذهب إليه نحن فى الجحيم؟ ولو فرض أن فعلنا فمن يضمن لنا العودة إلى هنا مرة أخرى؟

فى هذه الأثناء كانت امرأة تقترب منهما فى حذر ورغبة فى الاستماع إلى حديثهما، فلمحاها فى وقت واحد وصاحا: أم كلثوم؟

فقالت: نعم.. لطالما غنيت لكما الأغاني الوطنية ولكن سمعتكما تتحدثان عن توفيق الحكيم.

فقالا: وما الذى يهمك من أمره إنه لم يكتب عنك حرف يدل على أنه معجب بأغانيك.

فقالت: نعم ولكنه لو رأى الغيب وأنني سأموت قبله وأترك ثروة طائلة لتزوجني فى الحال.

فقال السادات: ولكنه كان سيجعل منزلك متحفًا فنيًا خالدًا.

وقال عبدالناصر مؤكدًا: وأنا أعتقد ذلك إنه يفكر فى الفن دائمًا وقد طردت وزيرًا كان يطلب إحالته إلى المعاش فى الوقت الذى كان فنه يعرض فى الخارج.

فقالت أم كلثوم: ولكنه شخص متعب وبخيل، تصوروا أن محفظة نقوده خالية دائمًا وأنه كان يخفي نقوده فى علبة نظارته الطبية.. أي فى عينيه.

وقال السادات: لو كان معنا هنا الآن فماذا كان يقول لنا؟

فقال عبدالناصر: كان يسمعنا ما لا نود سماعه، ويقول إن الجنة فيها الحرية المطلقة وأن الجنة عنده ليست فقط فاكهة وطعامًا ولكنها أيضًا الحرية كل الحرية لأنها يغمرها النور الإلهي، وهذا النور لا يقيده شئ وهو لا يصل إلى الأرض كاملًا لأن حكام البشر لا يطيقونه.

sss
توفيق الحكيم و عبدالناصر

فقال السادات: كلام جميل ولكنه لا يصلح فى السياسة على الأرض.

فقال عبدالناصر: ولذلك فهو لا يقترب من السياسة.

فقال السادات: ولم يطلب أبدًا لقائي.

وقال عبدالناصر: ولا أنا، وقد عرف رغبتي فى رؤيته ولكنه لم يطلبها.

قال السادات: أما أنا فلم أنتظر رغبته، كنت أرسل إليه سيارة الرياسة تأتي به ولأنه مواطن لم يكن يستطيع رفض الأوامر من الرياسة.

قال عبدالناصر: أما أنا فلم أرد استخدام سلطة الرياسة، كنت أريد أن أكون مجرد قارئ يريد رؤية مؤلف قرأ له، ولكنه فيما يظهر لم يفرق بيني كقارئ يحترم المؤلف وبين الحاكم الذى يأمر فيطاع.. ولهذا لم يدخل بيتي أبدًا.

قالت أم كلثوم: ولكنه دخل بيتي مرة مدعوًا، فقبل الدعوة وحضر مع بعض أصدقائه.

فقال عبدالناصر: وهل قدمت لهم فى دعوتك طعامًا أو شايًا؟

قالت: لا.

فقال السادات: إذن فأنت أبخل منه.

***

55
توفيق الحكيم و عبدالناصر

وقال توفيق الحكيم إنه لا يمكن أن يصل إلى الدار الأخرة بدون أن يلقى المرحوم ابنه، وقد التقى به وقال له: اسمع يا ابني فى العادة يريد الابن أن يقلد الأب، ولكن الذى حدث معك هو العكس وهو أني أنا الأب أريد تقليد الابن.. أردت أن أقلدك يا ابني.

فسكت لأنه قليل الكلام.

فتكلمت أنا قائلًا: أريد أن أقلدك فى موقفك من الدنيا، يخيل إلى من حياتك القصيرة فيها أنها لم تكن دارك وأن دارك الحقيقية هي الآخرة هي "الأبدية" وأنك مررت بالدنيا بل بسماء الدنيا كشهاب ينطلق فيها لحظة ثم يختفي فى عالم آخر، لعله نور الكون.

ولعلك أنت أيضًا تسبح فى النور الإلهي ولذلك كنت ترفض الأطباء والعلاج الصحيح لتسرع إلى بيتك الحقيقي وهو الأبدية فى رحاب النور الإلهي لم أستطع تقليدك والله تعالي رفض لقائي بقربه.. اللهم غفرانا ورحمة.

توفيق الحكيم