رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يسمح الله بالأمراض والأوبئة؟.. باحث كنسي يجيب

جريدة الدستور

أطلق الباحث يانيس قنسطنطينيدس، دراسة متخصصة حول كنيسة الروم الأرثوذكس بمصر والوطن العربي، أجاب خلالها عن تساؤل: «لماذا يسمح الله بالأمراض والأوبئة؟».

وقال قنسطنطينيدس، في الدراسة التي أعدها:«اليوم، على الرغم من التقدم الكبير في العلوم الطبية، فإن عدد المرضى يزداد كثيراً، وتظهر أمراض وأوبئة جديدة، كما ظهر مؤخرًا وباء الكورونا.. ولا توجد عائلة على وجه الأرض لم تجرب الألم واختبار المرض، ولكن ما هي أسباب المرض؟ وكيف نتعامل معها روحياً من أجل أن نفيد أرواحنا؟.. فالمرض سواء بسبب الخطيئة أو لأي سبب آخر، هو رحمة من الله ووسيلة للشفاء وتقديس الروح».

أضاف: «يتساءل الكثيرون.. لماذا لا يمنع الله الشر والمرض؟، لماذا ترك مخلوقه الإنسان يتألم ويعاني؟.. لا يمكن الإجابة على هذا السؤال على وجه التحديد، لأنه من المستحيل اختراق وتفسير حكمة الله التي لا توصف والتي لا حدود لها.. إذا كان الإنسان فاترًا في الإيمان، فسوف يلوم الله على المرض، وينسبه إلى الله على أنه المُعاقب والمُنتقم، أما إذا كان غير مؤمن، فعلى الأقل سوف يسخر من أولئك الذين يؤمنون بنعمة الله ويأملون فيها».

وتابع «إذا كان مُخلصاً ومُؤمن، سوف يتأمل بحكمة الله ويحاول أن يشير إلى أخطاء العالم التي أدت إلى المأساة، فالكثيرين من الملحدين، سيقولون لماذا لم يمنع الله المرض وكيف هو إله المحبة كما تقولون ومع ذلك يسمح بهذا؟ بالتالي تأتي الجملة الشهيرة: «إذن الله غير موجود»، ولكن هذه اللامبالاة في التحليل غير عادلة، ليست بالنسبة لله، ولكن بالنسبة لأنفسنا نحن البشر؛ لأنها لا تسمح لنا برؤية الأشياء في بُعدها الحقيقي، ولا أن نكتشف مسؤولياتنا الخاصة وعدم محافظتنا على ما طلب الله منا؟».

ما هى أسباب المرض؟

وأردف: «الله لم يخلق المرض في البداية، ولكن دخل المرض والموت على الجنس البشري بعد سقوط آدم وحواء في عدم إطاعة الله ومن ثم الى الخطيئة، وبما أن آدم هو رأس الخليقة، انفصل عن الله وعن السعادة والراحة وانفصلت معه كل الخليقة، هكذا بدأ الأمراض بالدخول إلى الإنسان، فكلما زادت الخطيئة كلما زادت الأمراض والأوبئة، إذن لقد أفسدت الخطيئة الجنس البشري، وهي أساس دخول المرض والشقاء والموت الى البشرية، وفيما يتعلق بهذا الأمر، يقول القديس باسيليوس الكبير: «الله لم يخلق المرض.. الله خلق الإنسان وجميع المخلوقات بالطريقة الصحيحة والطبيعية، وأعطاهم الحياة كاملة ومُثمرة. ولكن عندما سقطوا في الخطيئة، أصبحوا مرضى».

واستطرد: «يقول القديس غريغوريوس بالاماس: المرض يأتي من الخطيئة الأولى ... ولهذا نحن نلبس الجسد البشري المريض ... فالمرض، بطريقة ما، هو طريق غير طبيعي ومفاجئ، وقد دخل عن طريق الخطيئة إلى الجنس البشري، وآخره هو الموت الجسدي».

وواصل: «الأمراض عادة ما تكون ثماراً لخطايانا، وهذا يتماشى مع ما قاله المسيح للمفلوج في بيت حسدا، بعد شفائه: هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ (يوحنا 5: 14)، ومن هذا نعلم أن المفلوج حصل على مرضه من ذنوبه، بنفس الطريقة كانت كلمة الرب الى المفلوج الآخر في كفرناحوم حيث قال له: "ثِقْ يَا بُنَيَّ. مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ" (متى 9: 2)، إذن الرب بسوع يعلم تمام المعرفة أن مرض الجسد كان نتيجة مرض الخطيئة، ولذلك شفى أولاً روح المفلوج بمغفرة خطاياه لكي يشفي جسده بعد ذلك».

وأضاف: «وفقا للقديس يوحنا ذهبي الفم، فإن قايين هو أحد الأمثلة الأولى على المرض المرتبط بالخطيئة، بدأ جسد قايين يرتجف بعد مقتل شقيقه، ويستنتج القديس بأن مصدر وجذر وأم كل شر هو الطبيعة الخاطئة، إنها تشل أجسادنا وتدخل المرض إلينا، ويشرح القديس بمزيد من التفصيل قائلاً: الخطيئة شيء فظيع، وتدمر الروح. في كثير من الأحيان يفيض الشر في داخلنا، ويمتد إلى الجسم.. هذا للسبب التالي: عادة عندما تعاني الروح، نبقى غير مبالين بها ولا نهتم لعلاجها، وعندما يعاني الجسد حتى من ضرر طفيف، نبذل كل جهد ممكن لعلاج المرض لأننا نشعر به، وهذا هو السبب في أن الله كثيراً ما يعاقب الجسد على خطايا الروح، بحيث أننا من خلال جرح الجزء السفلي (أي الجسد) نحصل على الشفاء للجزء العلوي (أي الروح)».

وتابع «يقول القديس العظيم يوحنا ذهبي الفم: أما أنت فإذا افتقدك الله بالأمراض، فما هو إلا لمنفعتك، فأشكره بالصبر لكي تُؤهل للجائزة في السماء. فقبل أن يشفي المُخلّع غفر له السيد خطاياه.. ويؤكد القديس يوحنا ذهبي الفم أن سبب الشر الجسدي هو شر الروح، وهذا ما أظهره المشلول البالغ من العمر ثمانية وثلاثين عامًا والآخر الذي تم إنزاله من السقف، ولذلك يستنتج القديس: إذا كان الأهم من ذلك كله، أي الموت نفسه والذي جذوره وسببه هو الخطيئة، فكذلك أكثر من ذلك بكثير بالنسبة لمعظم الأمراض».

لماذا الله لم يعاقب جميع الخطأة؟ 

وقال: «نرى الكثير من الناس الخاطئين يخطئون ويحافظون على صحتهم، وهنا يقول لنا القديس يوحنا ذهبي الفم، في إجابته عن هذا السؤال، أنه يجب علينا أن نحزن أكثر على هؤلاء الناس، الذين يخطئون ولا يعاقبون لأنه إذا لم يُعاقب الخطأة في هذه الحياة، فهذا يسبب لهم المزيد من العقاب في الحياة الأبدية».