رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلام.. وضمير الوطن


«هنا فى مصر ولد الضمير».. قالها جيمس هنرى بريستد فى كتابه «فجر الضمير».. وفى مصر بل وفى منطقتنا العربية كلها نعيش مناخًا ينحو بنا إلى منعطف ينأى بنا للأسف فى بعض وسائل الإعلام بعيدًا عن القيم الإيجابية التى يجب أن تكون هى الأعلى والأهم لتحقيق التقدم.. وبات مثقفونا وقادة الفكر المخلصون أمام حائط فاصل يعانون خلفه صعوبة فهم لوغاريتمات الناموس القيمى المطروح (إذا جاز أن نسميها قيمًا) الذى يمارس بمقتضاها الناس أفعالهم المستهجنة، وكأنها من مُسلمات وبديهيات العصر فى التعامل.. يؤدونها فى سلاسة وانسيابية وتدفق دونما إحساس بالذنب أو تأنيب للضمير!!

وأعتقد أنه على هؤلاء ممن يتقدمون الصفوف لإحداث أى تغيير لتشكيل واقع جديد لنتجاوز عبره أزمنة البلادة والتراجع.. عليهم العودة إلى الأصيل والإنسانى من القيم دون التوقف عند تشخيص ملامح الماضى والتباكى على اللبن المسكوب.. 
إن الإعلام المصرى يواجه بشكل عام والمرئى بشكل خاص تحديًا حقيقيًا إذا كان القائمون عليه يريدون حقًا أن يتجاوزوا شعارًا لم يعد له معنى يحمل شارة الريادة وصكوك السبق وشهادات تاريخ فى عصر لم يعد يقبل فيه العالم أعذار أصحاب معلقات الفخر والاعتزاز بفتوحات زمن المجد الحقيقى.. 
لقد ذكرتنى شارة الريادة التقليدية التى نرفعها فى كل مناسبة إعلامية بالصراع الذى دار فى بداية القرن الحالى بين مسئولى ناديى الأهلى والزمالك للحصول على لقب نادى القرن الماضى فى إفريقيا ليحصدا جهد أجيال جادة سبقتهم كانوا قد حققوا بالفعل ريادة فى عصور كانت علاقة أندية إفريقيا بكرة القدم كعلاقة شعبان عبدالرحيم بالفيمتو ثانية، ولم تحاول إدارة أى من الناديين النظر إلى الحال التى وصلا إليها من فنون اللعبة وحرفياتها وترتيبهما دوليًا الذى تراجع بعد أن تبادل الجميع الأدوار واختلط الحابل بالنابل حتى حصول اللعبة واتحادها ووزارتها بكل هيئاتها على الصفر الكبير بجدارة وريادة أيضًا غير مسبوقة!!
لعل المشاهد يلحظ أنه وبمجرد كبسة زر على مؤشر التجول بين القنوات الفضائية العربية مدى التقدم الحادث فى التقنيات الفنية والحضور الإعلامى وحداثة الشاشة فى عدد من برامج الفضائيات العربية من حيث المحتوى الثرى ذات الأهداف المدركة والمحددة بعناية، والحرص على تحقيق الجاذبية، والعمل بإيقاع متسارع يحقق التواجد فى كل مواقع الأحداث بمندوبين يمتلكون ناصية الثقافة والتفهم المتميز لقراءة ما يحدث على المستويين المحلى والإقليمى والعالمى وبقدرة على تحقيق السبق الإعلامى.. 
هل لنا أن نسأل على سبيل المثال: كيف لشاشتنا الرائدة أن تخلو برامجها من برامج منوعات وأطفال وبرامج علمية على مستوى من الإجادة والإبهار والتواصل الجماهيرى يليق بمكانة الإعلام المصرى..؟ 
هل لنا أن نسأل عن حالة عدم التوازن فى المادة الإعلامية لتقديم توليفة متكاملة العناصر حتى صارت هناك نسبة عالية من البرامج فى حالة لهاث خلف نجوم الرياضة والفن والأغانى التافهة هابطة المستوى على حساب البرامج التى قد تقدم بعضًا من الإفادة للمشاهد بتقديم الجديد والمثير والذى يحقق إضافة على أى مستوى.. 
هناك تساؤل ملح حول غياب كاميرات التليفزيون عن قضايا الشباب وإبداعاتهم فى كل مواقع تواجدهم؟ لماذا لا يتم تخصيص برامج لمناقشة وعرض مهرجانات المسرح الجامعى وتقديم فنونهم على الشاشة؟.. لقد ظل مجموعة من المبدعين الشباب فى زمن صعودهم (محمد هنيدى وخالد الصاوى وخالد صالح وخالد طلعت وهشام منصور وغيرهم من طلاب جامعة القاهرة) الذين صاروا نجومًا الآن يقدمون عروضهم على مسرح كلية الحقوق بجامعة القاهرة أكثر من عشرة أعوام مع بداية الثمانينيات دون أن يدرى بهم أحد ليختصر مدة تحضيرهم للتقدم إلى الناس.. ونفس الأمر فى كافة الفنون الأخرى التشكيلية والسينمائية والصحفية والشعرية والأدبية التى نتابعها فى قصور الثقافة وفى غيرها من المؤسسات الثقافية.. وأيضًا فى مجالات الأنشطة الرياضية فى الجامعات والساحات الشعبية والنوادى.. لا نرى أى متابعات إعلامية تقدمهم كنجوم الزمن القادم باستثناء عدد من البرامج القصيرة التى لا يعدها متخصصون لعمل بعض التغطيات السريعة غير الكافية لتقديم مثل تلك الأنشطة..
بينما توجه الدولة رعايتها للشباب وتستهدف تمكينهم لقيادة الأنشطة وفق توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى ورعايته لمؤتمرات للشباب وتمكينهم من تولى بعض المناصب القيادية، وعليه فلماذا لا يتم تخصيص قناة أرضية أو فضائية غير مشفرة للشباب تعرض فنونهم ومسابقاتهم وعروضهم على مسارح الجامعات وقصور الثقافة والهناجر والنوادى.. وقد يكون فى برامج تلك القناة التعويض للدور المفقود فى تقديم المجتمع لشبابه الواعد من الموهوبين وأيضًا من تفوقوا علميًا وتميزوا فى مجالات البحث العلمى وإنجاز الاختراعات.. 
هل لنا أن نتساءل عن دور الإعلام وخاصة المرئى فى تنمية الوعى الإدارى وقد قارب عدد العاملين فى القطاع الحكومى فقط 5 ملايين موظف.. ولا يوجد برنامج واحد متخصص فى مجال تنمية الثقافة الإدارية.. إن التعامل مع أوجاع الإدارة وأسقامها للتصدى لعلاجها بات أمرًا ملحًا وعاجلًا، لقد كان من المأمول أن يقدم الإعلام ذلك النشاط الإنسانى من خلال أطر وأشكال جذابة تسهم بشكل فاعل فى تنمية المعرفة الإدارية والتوقف عند مناطق الخلل وفرص التميز للوصول إلى مدخل إصلاح دولاب الحكومة.. فإن وجود الإعلام الواعى والمتطور والذى يعتمد آليات علمية مستنيرة للبث والتواصل مع المدير والموظف والعامل المصرى فى كل مواقع العمل والإنتاج يُعد من أولويات العمل الإعلامى فى دولة نامية مازالت الخدمات الحكومية فيها تُقدم بشكل غير مُرض.. ونفس الأمر لا يوجد برنامج واحد فى تنمية الوعى الأثرى وثقافة التعامل مع السائح..